لوحات نادرة في معرض عالمي "بصحبة محمود سعيد"

time reading iconدقائق القراءة - 9
معرض بعنوان "في صحبة محمود سعيد". 21 يوليو 2024 (تصوير: فادي فرنسيس) - الشرق
معرض بعنوان "في صحبة محمود سعيد". 21 يوليو 2024 (تصوير: فادي فرنسيس) - الشرق
القاهرة-شريف صالح

في حدث ثقافي فريد، افتتح وزير الثقافة المصري أحمد فؤاد هنو معرض "في صحبة محمود سعيد"، في مجمع الفنون بقصر عائشة فهمي، ذي الإطلالة الرائعة على نيل الزمالك بالعاصمة القاهرة.

 وأكد الوزير أن المعرض "يعكس قيمة تراثية مميّزة، نظراً لأعمال محمود سعيد، التي تمثّل مرآة واقعية عاكسة لروح الشخصية المصرية وسماتها المتفرّدة، وترصد بشكل توثيق فني حقبة تاريخية مهمّة".

يأتي المعرض بمناسبة الذكرى الـ60 لوفاة الفنان الراحل (1897 ـ 1964)، أحد روّاد الحركة التشكيلية في مصر والعالم العربي، وهو ابن طبقة أولاد الذوات، ونجل محمد سعيد باشا، رئيس وزراء مصر، وخال الملكة فريدة زوجة الملك فاروق، وتعود جذور عائلته إلى أصول تركية قوقازية.

درس الفنان في كلية فيكتوريا العريقة، وتعلّم في منزل والده مع معلمين مصريين وأجانب، ثم التحق بمرسم الفنانة الإيطالية إميليا كاسوناتو دافورنو، ثم مرسم أرتورو زانييري.

وبالتزامن مع حصوله على ليسانس الحقوق، أقام معرضه الأوّل عام 1918 في بلدية الإسكندية، وبعدها بعامين حصل على دروس في أكاديمية جوليان بباريس.

وعلى الرغم من نبوغه كأحد روّاد الحركة التشكيلية، حافظ على ترقّيه في سلك القضاء حتى وصل إلى أعلى المناصب إلى أن استقال عام 1947 وتفرّغ للفن، وكان أول رسام مصري يحصل على جائزة الدولة التقديرية من الرئيس جمال عبد الناصر عام 1960، وشُيّع في جنازة مهيبة عام 1964، بحضور أساتذة وطلاب الفنون الجميلة.

ولفت رئيس قطاع الفنون التشكيلية الدكتور وليد قانوش إلى أن المعرض "يلقي الضوء على إرث الرعيل الأول للحركة التشكيلية، وتأثّرها بالنهضة الفكرية داخل المجتمع المصري".

أضاف: "كما نرى من خلال أعمال سعيد التفاعل مع الثقافة الأوروبية في ذلك الوقت، منذ إنشاء مدرسة الفنون الجميلة في فيلا درب الجماميز، على يد الأمير يوسف كمال، وكان روّادها محمود سعيد، ومحمود مختار، ويوسف كامل، وحبيب جورجي، ومحمد ناجي، وراغب عياد".

ورأى قانوش "أن الأمر أبعد من مجرد معرض فني، ليس فقط لأنه يعرض روائع نادرة، بل لأنه يدفعنا نحو تقييم الإرث الإبداعي للروّاد، وكيف كان التبادل بين الثقافات آنذاك وكيف وضعوا قواعد التشكيل المصري للأجيال التالية، وبالتالي اكتشاف جانب من تاريخ مصر المعاصر". 

 العرض حتى أكتوبر

بدروه أكد مدير عام مراكز الفنون د. علي سعيد، لـ "الشرق"، على فرادة المعرض، "إذ حرصنا على استمراره حتى منتصف أكتوبر، وهو متاح مجاناً وعلى فترتين صباحية ومسائية".

واعتبر أن المعرض "يكتسب قيمته من التوثيق التاريخي للحركة الفنية، وإتاحة لوحات مرّ عليها مئة عام وأكثر لجمهور المتذوّقين، فضلاً عن متعة الإعداد والتجميع من متاحف عدّة أهمها، متحف محمود سعيد نفسه في الإسكندرية ومتحف الجزيرة.

ورأى أن المعرض "لا يكتفي بعرض مسيرة محمود سعيد من خلال لوحاته، وإنما يقدّم للجمهور، للمرّة الأولى، إبداعات نحو 14 فناناً ممن عاصروه من الأجانب، الذين عاشوا في مصر وأحبّوها وتأثروا بها".

من هؤلاء الفنانين، إميليا دافورنو كاسوناتو، أرتورو زانييري، روجيه بريفال، جوزيبي سيباستي، لوران مارسيل ساليناس، أرستيد بابا جورج، كارلوس سوارس، كليا بدارو. 

ولفت إلى أن غالبية الفنانين هم من الإيطاليين، إضافة إلى يونانيين وفرنسيين وسويسريين، أما المصري الوحيد بين المجموعة فهو جوزيف مزراحي، المولود في المحلة عام 1895، وأول فنان مصري يُدرج اسمه في موسوعة الفنانين العالميين "بينزيت".

وعن سبب مزج المعرض بين روائع الفنان الراحل وإبداعات فنانين آخرين، قال سعيد: "اخترنا الأسماء المصاحبة بعناية شديدة، فبعضهم كانوا أساتذة مباشرين له ويسهل التعرّف على تأثره بأسلوبهم، أو كانوا من رفاقه المقرّبين سواء في مدرسة الفنون الجميلة أو الجاليرهات الخاصة". 

يضم المعرض 75 عملًا للأجانب في القاعات الأرضية، و41 لوحة لمحمود سعيد في القاعات العليا، إضافة إلى تجسيد لمرسمه وبعض أدواته. 

ولفت إلى أن أعمال الفنان سعيد "ما زالت حتى اليوم من أغلى أعمال الرسامين المصريين والعرب ثمناً، في مزادات الفن العالمية، وبعض لوحاته شديدة الندرة وغير معروفة للكثيرين، منها بورتريه لابنته الوحيدة "نادية" بالرداء الأبيض، والبورتريه الشخصي له بعد تعافيه من مرض التيفود في جو ميتافزيقي، وهي أول لوحة اقتنتها الدولة من أعماله وتحمل اسم "الرسول". 

أضاف: "أما بالنسبة لأصدقائه وأساتذته الأجانب، فلهم قيمة تسويقية أقل نسبياً، بحكم أنهم عاشوا في مصر، لكن قيمة لوحاتهم الفنية عالمية، ولا تقلّ عن أعمال أسماء مثل جوجان وسيزان".

صعوبات التجهيز

وعن صعوبات تجهيز معرض كبير بهذا المستوى، قال سعيد: "الفكرة بدأت منذ شهور وناقشتها جهات عدّة، من بينهم حسام رشوان، أحد معدّي كتالوج المعرض، الذي أمدّنا ببعض المقتينات احتفاءاً بالذكرى الستين لسعيد، واتساقاً مع توجّهات وزير الثقافة بهدف إتاحة تاريخنا الإبداعي لمتذوّقي الفنون وزوّار مصر وطلاب الفنون الجميلة".

 أضاف: "واجهتنا صعوبات لجهة التنسيق بين أكثر من متحف، ومراجعة السجلات والمخازن، لتجميع الأعمال من أكثر من مكان ما بين القاهرة والإسكندية، كما أن بعض اللوحات لم تكن في أحسن حال فتطلبت ترميماً."

تابع: "أعدنا اكتشاف أسماء يعلن عنها للمرة الأولى.. وغير معروفة للرسامين وجمهور الفن التشكيلي. ولا ننسى ما تطلّبه ذلك من عمليات تأمين معقّدة لنقل اللوحات بعد تحديد أماكنها، واستصدار قرار وزاري باستعارتها ونقلها، وإجراء بصمة خاصة بها عن طريق إدارة الترميم والمباحث الجنائية في وزارة الداخلية، التي تتولى التأمين بمساعدة أفراد الأمن وشرطة السياحة وأمناء واختصاصيي المتحف، وترصيصها بالشمع الأحمر، حتى وصلت إلى قصر عائشة فهمي".

 وأكدت القائمة بأعمال مدير مجمع الفنون د. سندس سعيد أن المعرض "يعبّر عن روح مصر ونهضتها، وكيف أسس مصريون وأجانب الحركة التشكيلية معاً، وكأننا نعكس عبر مئة لوحة نصف قرن من الإبداع".

ابن الذوات المتمرّد

وعلى الرغم من أن حياته الأرستقراطية انعكست على لوحاته، وكذلك تأثّره بمدارس أوروبية مختلفة، إلا أن أعماله عكست طبقات المجتمع المصري والبيئة الشعبية والفلكلور والأجواء الأسطورية، وهو ما يتجلى في لوحاته الشهيرة مثل "بنات بحري"، و"أمومة وبشارة"، و"ذات الحلق اللولي"، وبورتريهات النساء الشعبيات.

كذلك البورتريهات الشخصية والعائلية لوالديه وزوجته وابنته، والاحتفاء بالطفولة والروح النوبية والريفية والبحرية، إضافة إلى جرأته في رسم اللوحات العارية والاسكتشات التي تخلّص قيم الجسد من الابتذال، والصورة المثالية الزائفة مثل لوحات: المستحمّة (الفلاحة المصرية)، و"المستحمّات"، و"عروس الإسكندرية"، و"زنجية على خلفية حمراء"، و"عارية بالمرسم".

وارتبطت بعض المناظر الطبيعية التي رسمها بأسفاره مثل لوحة: "ضاحية بستكهولم"، و"منظر بلبنان"، فكأن مشروع محمود سعيد التشكيلي يقدّم سجلاً مخلصاً لرحلته الإنسانية والإبداعية.

كما يجسّد، بحسب الفنان د.مصطفى الرزاز، صراعاً عنيفاً بين تقاليد مجتمعه وأسرته المحافظة، ورغباته وتطلّعه إلى التمرّد والانطلاق.

تصنيفات

قصص قد تهمك