عولمة الكراهية .. "الغرب العدو العالمي رقم واحد"

time reading iconدقائق القراءة - 7
كتاب "الغرب العدو رقم 1" (2024) - @AlbinMichel
كتاب "الغرب العدو رقم 1" (2024) - @AlbinMichel
باريس-مبارك حسني

يرى المؤرّخ والكاتب الفرنسي جان فرانسوا كولوسيمو، أن التحوّل في العالم ناجم عن وجود خمس إمبراطوريات جديدة ترغب في تقاسم العالم، وتشترك في كراهية الغرب، وتقف في مواجهته".

"الغرب العدو العالمي رقم 1"، هو عنوان كتاب كولوسيمو الجديد، الذي يتحدث فيه عن الصراع الحالي المتعدّد المحاور، ما بين الغرب والإمبراطوريات الجديدة القادمة، وهي روسيا والصين والهند وتركيا وإيران.

يرى الكاتب المختصّ في الجغرافيا السياسية، ومخرج الأفلام الوثائقية، والباحث في شؤون الأديان، أن الإمبراطوريات المتسلطة تسعى إلى التوسّع والسيطرة، وتروم إلى تقويض ما تعتبره سلطة الغرب، وسلطة القيم التي ينادي بها.

مَحَت هذه الإمبراطوريات الجديدة التاريخ القريب، وأحيت الصلة مع  الإمبراطوريات القديمة، مثل القيصرية في روسيا، العثمانية في تركيا، الفارسية في إيران، الماندشو في الصين، المغولية في الهند. 

يعتبر كولوسيمو أن تلك القوى كانت في حالة سبات، وظهرت من جديد منذ نهاية العصر الجليدي الثنائي القطب، وبداية الانفجار الهوياتي، ككائنات متحوّلة، متغيّرة جذرياً بسبب التجارب الأعمق في القرن العشرين". 

الغرب المتخيّل

 عقب الهيمنة الاستعمارية المباشرة التي فرضها الغرب، أو إثر الهزائم العسكرية المذلّة، خضعت الدول الخمس للتبعية الغربية، بعد أن استطاع الغرب حيازة السبق في كل شيء، وريادة العِلم والعالم، عبر تاريخ طويل سادت فيه أوروبا على القارات الخمس، ثم التحقت بها الولايات المتحدة في القرن العشرين. 

أي إن الغرب بذاته أسس امبراطوريات منذ القرن الثامن عشر (البريطانية والفرنسية التي كانت تستحوذ على 30 % من اليابسة)، فرضت قوّتها بالسلاح، وتقدّمها التقني على الإمبراطوريات القديمة. من هنا ظهر مصطلح الغرب الجيوسياسي في النصوص الأوروبية، في القرن التاسع عشر.

 الغرب المتقدّم فضح التخلف واضطر بعض الدول إلى القيام بنهضة، ولم يكن ذلك ممكناً إلا بدراسة مجتمعات هذا الغرب الأوروبي، والسعي إلى تقليدها، باستيراد التكنولوجيا ونظم التعليم والتكوين وتحديث الجيوش، واستعارة التسيير الإداري العقلاني. 

لكنه برأي الكاتب، كان مجرد استعارة للأساليب والأنماط الغربية، بشكل مبالغ فيه أحياناً، فلم يحقّق الهدف منه، وهو التقدّم ومجاراة الغرب كندّ.

فشل الغرب

يعرب كولوسيمو عن أسفه "لفشل المهمة الحضارية التي ادّعى [الغربيون] أنهم حاولوا إقامتها وتشريعها"، ويسأل من وجهة نظره كغربي"أليس فشلنا في جعلها محايدة وفعّالة، جعلنا مسؤولين عن رفض المُثل العليا الكونية وهي الحرية والمساواة والإخاء؟" 

 رغِب الغرب سابقاً في إرساء الحضارة بواسطة الاستعمار، ورغِب الغرب الحالي في جعل الجميع، وبشكل قسري، يعتنق نموذجه الليبرالي الديمقراطي، إلا أن الدول التي تُشكّله لا تسير على وتيرة واحدة.

 يصف الكاتب الولايات المتحدة بأنها "جمهورية إمبراطورية، تتأرجح بين الإمبريالية الليبرالية والقومية العالمية، وتمزج بين التبشيرية والنزعة الدينية القيامية méllinarisme".

 في فصل يحمل عنوان "الغرب المتخيّل"، يرى الكاتب أن مأساة الغرب الأوروبي، تتجلى في كون الولايات المتحدة تتمتّع بتركيبة مشابهة لتلك الخاصة بالإمبراطوريات الجديدة. 

ويذكّر الكاتب، بأن مفهوم الغرب في الاشتقاق اللغوي يعني الأفول. وبالتالي، فما يلاحظ حالياً هو واقع مختلف تماماً، ومهدد بالزوال من قِبل القوى الكبرى الجديدة.

عودة الدين 

التقليد المبالغ فيه للغرب، والهيمنة العسكرية الغربية، والوجه الأميركي عبر وجود الحلف الأطلسي، دفع الإمبراطوريات الجديدة إلى ما اعتقدته استعادة للمبادرة عالمياً، بالاعتماد على الخصائص الوطنية المميزة لكل واحدة منها، التي يحضر فيها عامل الدين بقوّة، كملهم وجامع لأطياف المجتمع وحافز للتقدّم. 

 ساهم تخصّص الكاتب في العلاقات بين الأديان، في تفصيل أثره في ترسيخ أيديولوجيات مختلفة تعارض النموذج الغربي من الأساس. 

لقد عادت التعاليم الكونفوشيوسية في الصين الشيوعية، بعد أن كانت تُحرق كتبها في إطار الثورة الثقافية الماوية، ونشطت المسيحية الأرثوذوكسية في روسيا مع ترميم الكنائس القديمة، وعادت الصلاة في مسجد أيا صوفيا بعد أن كانت متحفاً في تركيا السنية، وتعاظم المذهب الشيعي المطبّق في كل شيء في إيران، وتأكدت أكثر الديانة الهندوسية في الهند.

 إنها أحداث يراها جان فرانسوا كوليميسو علامات، على تأكيد هويات وطنية ضدّ الغرب الذي تمّت شيطنته. 

يثير الغرب الانبهار الشديد لجهة منجزاته في الاقتصاد والعلوم والفنون والآداب، وفي النظام السياسي المعتمِد على دولة الحق والقانون عموماً، الذي يجعل الكثيرين يرغبون في العيش فيه. لكنه في المقابل، يمثّل قوة عسكرية هائلة تفرض هيمنتها على العالم. 

هذان الجانبان يستندان بالضرورة على معتقدات ورؤى، موروثة عن الإرث الديني اليهودي- المسيحي، وفلسفة الأنوار الفرنسية، والفكر الفلسفي الالماني وغيره، وعن النهضة الإيطالية وآثار الاكتشافات الكبرى، وهو ما جعل الغرب ينتج تصوّراً خاصاً لإدارة شؤونه وشؤون العالم، ولا يتوانى عن فرضه بشتى الوسائل. 

لا يرى الغرب نفسه معتمداً على أيديولوجية محددة، في مواجهة ما يعتبره أيديولوجيات ينبغي محاربتها أو التقليل من نفوذها. ما جعله بحسب عنوان الكتاب "الغرب، العدو العالمي رقم 1"،  عدواً عدو عالمي من الطراز الأول.

يقول الكاتب في فصل بعنوان "حرب مُعلنة": "لم نرَهم وهم قادمون، ولم نصدّق أعيننا، لقد عادت الإمبراطوريات بكل راياتها، ها هي تقف ضدنا، تتحدانا، تتدفق نحو أبوابنا وتنشر بصخب مواكبَ الطغيان والطقوس والجيوش التي اعتقدنا أنها ولّت".

يضيف: "نحن مذهولون. النبوءات التي انتشرت بعد انهيار الشرق وصمود الغرب قد تلاشت. لم نشهد لا نهاية للتاريخ ولا صدام الحضارات. بل على العكس، التاريخ ينفجر والحضارات تنهار". 

ويؤكد "أن الغرب غير قادر على السيطرة لا على العداء المباشر بين الشمال والجنوب، ولا على عولمة الكراهية التي تفرّق بين الدول وتمزّقها من الداخل".

ويجزم بأنه لا يمكننا "تجاهل الاحتمال بأن الكارثة الجيوسياسية قد تتفوّق على الكارثة البيئية في سباق نحو الحتف. على النقيض، يبدو أن الكرة الأرضية تتفكّك. كان حلمنا أن يحلّ السلام العالمي، وها نحن نخشى الكابوس".

الحرب المُعولمة وليس العالمية 

يخلص كولوسيمو إلى أننا "لا نرى أي مقدّمات استعداداً لحرب عالمية جديدة، بل بداية الحرب المُعولمة الأولى". ويشدّد على المسؤولية الكبرى للقوّة العظمى أي أميركا، وأن أوروبا، وفرنسا النووية خاصة، يجب أن تستعيد دورها الحضاري، ما دامت ليست فيها أنظمة ثيوقراطية.

لم يتطرق الكاتب إلى إمكانية إيجاد مناطق تفاهم بين الإمبراطوريات، الجديدة والقديمة، لتجنّب ما يمكن تجنبه، وتقليص مدى الكراهية والعداء. 

تصنيفات

قصص قد تهمك