رحل المؤرّخ وعالِم الاقتصاد اللبناني جورج قرم، عن عمر ناهز 84 عاماً، وهو مثقف علماني ونقدي معروف، كتب في مجالات معرفية عدّة، شملت الاقتصاد والتاريخ والاجتماع والثقافة.
يعدّ الراحل من الشخصيات المؤثّرة في الثقافة العربية المعاصرة. شغِل منصب وزير المالية في حكومة سليم الحص في أواخر التسعينيات، إلى جانب دوره الأكاديمي في جامعات لبنان والخارج.
تخصّص في شؤون الشرق الأوسط، وعمل مستشاراً اقتصادياً لدى منظمات دولية تابعة للأمم المتحدة.
ولد قرم في الإسكندرية عام 1940، من أم تنتمي إلى عائلة لبنانية سورية الأصل، كانت استقرّت في مصر منذ عقود، وتلقى تعليمه في مدرسة "العائلة المقدسة للآباء اليسوعيين" في القاهرة.
تأثّر بالفن والموسيقى وخصوصاً البيانو، فهو حفيد الرسّام داود قرم، وابن الرسام جورج داود قرم، والتحق بالمدرسة العليا للموسيقى في باريس- الكونسرفتوار، ثم بمعهد العلوم السياسية فرع الاقتصاد.
وقال في هذا الصدد: "كانت لدي حياة موسيقية صاخبة، خضت معركة مع والدي من أجلها، كنت أرغب في تكريس حياتي لعزف البيانو، كنت معجباً بالبيانو إلى أقصى درجة، لكني اضطررت إلى ترك هذا المسلك، لأن الأوضاع المادية للعائلة تدهورت".
صاحب "انفجار المشرق العربي"، قال في حوار مع مجلة "الفيصل" السعودية (2021): "منذ أبصرت النور، وهذه المنطقة الحيوية لا تعرف سوى التوترات والصراعات، وما يجري اليوم يدفعني إلى طرح أسئلة كثيرة في ضوء ضخامة الأحداث السياسية والاقتصادية التي نعيشها. إن معياري الأساس الذي يشكل جزءاً من كتاباتي، هو معيار حقوق الشعب الفلسطيني؛ لأن معاناة الفلسطينيين منذ بدء الهجمة الاستعمارية الغربية الصهيونية على العالم العربي، مسألة لا يمكن السكوت عنها".
وعن المشهد المأزوم في لبنان، قال في حوار له مع صحيفة "نداء الوطن" عام 2023 : "إنه مشهد يدمي القلب.. ولن نخرج من النفق مع الأفرقاء ذاتهم في السلطة. ومع البنك الدولي اليوم هناك مشكلة حوار ليست لمصلحة الدولة اللبنانية".
كتب قرم عن أوروبا الحداثة قائلاً: "إن فكرة "أوربا واحدة" موحّدة وَهْم وأكذوبة كبيرة، لا شيء هناك اسمه أوروبا التنوير، وليس علينا أخذ المقولات الجاهزة بشكل أعمى عن الثقافة الغربية".
أضاف: "إن الحديث عن دور تنويري وحداثوي لأوروبا خديعة كبرى. بل على النقيض من ذلك الكيانات والقوميات الغربية قوية للغاية، وقد تقاتلت فيما بينها، ووقعت الحروب الدينية في المجال الغربي، ومن ثم تحوّلت إلى حروب قومية، والحروب بين فرنسا وألمانيا شهيرة في التاريخ".
في كتابه "الفكر والسياسة في العالم العربي" (2018)، أظهر حيوية الفكر العربي بما فيه الفكر العربي التقدمي والماركسي، واستعاد شخصيات ثقافية منسية، قائلاً: "تكمن المشكلة اليوم في عدم وجود ذاكرة تاريخية عند الشباب العربي، الذي يجهل تاريخه الثقافي، وتاريخه الوطني، وهذه مأساة كبرى".
إصدارات
صدرت للراحل مؤلفات عدّة أبرزها: "السياسة الاقتصادية والتصميم في لبنان" (1965)، "تعدّد الأديان وأنظمة الحكم" (1971)، "أوروبا والمشرق العربي، من البلقنة إلى اللبننة: تاريخ حداثة غير منجزة" (1990)، "النزاعات والهويات في الشرق الأوسط" (1992)، "انفجار المشرق العربي" (1999)، "شرق وغرب: الشرخ الأسطوري" (2002)، "المسألة الدينية في القرن الحادي والعشرين" (2007)، "تاريخ الشرق الأوسط من الأزمنة القديمة إلى اليوم" (2007)، "تاريخ أوروبا وبناء أسطورة الغرب" (2009).