المسرح العربي .. من الريادة التونسية إلى النهضة الخليجية

time reading iconدقائق القراءة - 9
المسرح الوطني التونسي - الشرق
المسرح الوطني التونسي - الشرق
تونس -حاتم التليلي محمودي

استطاع المسرح التونسي، أن يؤثّث مشهداً فرجوياً حداثياً، أكثر من أي تجربة مسرحية أخرى على المستوى العربي. 

هذا ما كانت تشهد به آراء النقّاد والباحثين والمسرحيين، الذين ألهمتهم تجربة "المسرح الجديد"، بقيادة الفاضل الجعايبي، والفاضل الجزيري، ورجاء فرحات وغيرهم، فضلاً عن تجربة "المسرح العضوي"، التي قادها عز الدين قنون، وفتحي العكاري، وجملة من المبدعين المسرحيين.

 كذلك الأمر بالنسبة لتجربة "مسرح الأرض"، التي قادها نور الدين الورغي، وتجربة "المسرح المثلث"، بقيادة الرسّام والسينوغراف الحبيب شبيل، وتجربة "مسرح فو" مع توفيق الجبالي، ورجاء بن عمّار، والمنصف الصايم. 

 لكن يبدو أن المشهد المسرحي في تونس الآن، أصبح يقف أمام مكابح إنتاجية وقانونية، أثّرت بشكل كبير على مردوديته الجمالية، ما دفع بالعديد من الأصوات إلى رفع شعار نهاية ريادته، وخصوصاً في السنوات الأخيرة.

فقد ظهرت تجارب عربية مهمّة ومختلفة، فضلاً عن توجّه بعض البلدان، وخصوصاً دولتي الإمارات والسعودية، إلى وضع استراتيجيات مسرحية، خصّصت لها مبالغ مالية ضخمة، من الممكن أن تؤثّث لمشهد مسرحي مختلف في المستقبل.  

راهن المسرح التونسي

في حوار أجرته "الشرق" مع المخرج والباحث التونسي نزار السعيدي، حول راهن المسرح التونسي، أشار إلى "أن المنظومة المسرحية التونسية تحتكم لثلاثة مكونّات أساسية هي: القوانين التشريعية المنظمة، والموارد الانتاجية، والمقترحات الجمالية. وللأسف فإن تلك القوانين التشريعية التي تعود إلى أواخر الستينيات من القرن الماضي، لم يعد بإمكانها مجاراة التغيّرات على الصعيد الإنتاجي والجمالي". 

أضاف: "القوانين الحالية والمهتمّة بالمسائل المتعلقة بإسناد بطاقة الاحتراف المسرحي، ومسألة إحداث اللجان وهرمية خلاص العروض، ومقاييس إسناد الدعم المسرحي، أصبحت لا تراعي المتغيّرات الراهنة، إذا أضفنا إلى ذلك مسألة تعدد هياكل الإنتاج المحترفة، وتضخّم عدد الممارسين للمهن المسرحية، وتنوعّ مؤسسات التكوين". 

هذه الوضعية الصعبة، من الممكن أن تؤثّر على مستوى المردودية الإبداعية والجمالية، وهو ما يجعل من الأفق المستقبلي للمسرح يبدو ضبابياً وغامضاً.

 ومن أجل تجاوز هذا الأمر، رأى نزار السعيدي "ضرورة نسف المنوال الستيني، وبناء منظومة تشريعية حديثة، هدفها دفع المقترحات الجمالية، وضمان الحق المعيشي، حتى نتمكن من وضع المشهد المسرحي التونسي على المنصّة العالمية، عبر تبنّي المشاريع المسرحية ذات البعد الفكري، وإحداث تظاهرات كبرى تستقبل الأعمال العالمية، وتشريع وحدات البحث والنقد، أي خلق جسد مسرحي متكامل وسليم". 

حول تراجع المنجز الإبداعي للمسرح التونسي، قالت الباحثة والممثّلة سهام عقيل لـ"الشرق" : "يعود أفول المنجز الإبداعي في تونس أخيراً، إلى التغييب القصري لكل نفس حر مبدع، ما فتح أبواب هجرة المسرحيين نحو المال أو الاستقالة أو الموت". 

ورأت أن "ارتهان المسرحيين لسياسة الدولة الثقافية المغلقة على الإبداع، والمنفتحة على الضحالة التجارية، بغاية استهلاك الجمهور للسموم داخل فضاءاتها الرسمية، جعل المسرح في حضرة التسوّل الدائم والمخزي، العاجز على البحث في إمكانات جمالية". 

واعتبرت أن "سياسة التفقير الممنهج، ورضوخ المسرحيين لبدائل وهمية، تأتي كأوسمة بالية، وجوائز لذرّ الرماد على الفقر الواضح في الخيال".

نهضة مسرحية في دول الخليج العربي

في السنوات القليلة الماضية، استطاعت دولة الإمارات أن تستقطب عدداً كبيراً من أساتذة مادة التربية المسرحية من تونس، كما تمّ الإعلان عن مولد الهيئة العربية للمسرح، التي تشرف اليوم على مهرجان المسرح العربي، فضلاً عن تأسيسها فعاليات مسرحية أخرى.

في نفس المقام، ذهبت السعودية منذ وقت ليس ببعيد، إلى تأسيس هيئة المسرح والفنون الأدائية، وأعلنت عن منعطف مسرحي ضخم في جغرافيتها.

 وعلى النحو نفسه، استطاعت بعض الأعمال المسرحية من المغرب الأقصى والكويت، أن تحصد جوائز كبرى في أكبر مهرجانات مسرحية، في تونس ومصر وغيرهما من البلدان العربية.

"الشرق" حاورت التونسي وليد بن عبد السلام، أستاذ مادّة التربية المسرحية في دولة الإمارات، فأكد أن "المسرح في الإمارات سوف يكون له شأن في المستقبل القريب، وسوف يكون ريادياً نتيجة تنوّع التجارب".

 ورأى أن "تعدد مصادر تكوين الأساتذة المسرحيين، سوف يفرز مسرحاً مغايراً، ثم هناك تجربة مسرح الناشئة، ربع قرن بالشارقة، يقدّمون عروضاً مسرحية في فن الدمى متنوّعة التقنيات، وأعمالاً جديرة بالاحترام". 

 أضاف: "هناك سياسة ثقافية في دول الخليج، تعمل على تأسيس مسرح على قواعد علمية وتجارب فريدة، تنهل من التجارب العالمية على اختلافها، سوف يفرز المسرح المدرسي جيلاً مستقبلياً في دولة الإمارات، لديه مقترحات مغايرة، تنطلق من الموروث الثقافي المحلي، برؤية جمالية عالمية".  

ورأى المخرج والناقد التونسي أنور الشعافي، أن "ما يحدث في دول الخليج مسرحياً، منعش للخشبات، وباعث للحياة، ومازلت أذكر الدورات الأولى لأيام قرطاج المسرحية، إذ كانت المشاركات الخليجية متواضعة عددياً وفنياً، أما الآن فتغيّر واقع المسرح الخليجي، بناء على استراتيجيات واعية شملت معاهد التكوين".

وأوضح أنه في الشارقة مثلاً، "توجد أكاديمية الشارقة للفنون الأدائية، وفي دبي يوجد معهد دراما سين، فضلاً عن الهيئة العربية للمسرح، وتأسيس مهرجانات مختصة بكامل المنطقة.

وقال: "لم يكن كلّ ذلك لمجرد تسجيل حضور الفن الرابع، بل هو دليل وعي بأهميته ودوره في بناء خليج منفتح، وصانع للإبداع، خليج منزاح عن قوالب جاهزة وضعوه فيها، كونه موطن الذهب الأسود فحسب. هاهو الآن يولّد ذهباً آخر".

هل تحوّل المسرح إلى لعبة شبيهة بكرة القدم؟ 

لم تسهم الصعوبات التي يمرّ بها المسرحيون التونسيون، في التأثير بشكل سلبي على منجزهم الإبداعي فحسب، بل جعلت من البعض يستغلّ هذه الأزمة، لتبرير ريادته المسرحية، بعد أن أتيحت له كل الظروف الإنتاجية الضخمة، لممارسة الفن المسرحي، وهذا ما عمّق سردية الانتماء إلى مقولة التفوّق.

 المتأمّل في المشهد المسرحي العربي اليوم، سيلاحظ كيف يكرّر البعض من المسرحيين من مختلف الدول العربية مقولة الريادة المسرحية، في سياق تنافسهم المحموم على المسابقات والجوائز التي تؤثثها المهرجانات الكبرى، مثل أيّام قرطاج المسرحية ومهرجان المسرح العربي ومهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي. 

تحوّل المسرح في مشهد طريف للغاية إلى ما يشبه لعبة كرة القدم، إذ تحتفل الجماهير بانتصار فرقها، رافعة راياتها الوطنية وأعلام بلدانها. فهل هذا هو الإطار الحقيقي للمسرح ودوره؟ وهل المسابقات والجوائز تمثّل دليلا على فاعلية هذا الفن داخل مجتمع معيّن؟ 

سبق للمسرحي التونسي محمد إدريس عام 2003، أن ألغى مسابقة أيام قرطاج المسرحية، معللاً موقفه بالقول: "المهرجان موعد فني وليس سباقاً للخيل"، وهو ما يدلّ على أن مسألة الريادة المسرحية، مجرّد منعطف خاطئ، يشهده الفكر المسرحي، لا في تونس فحسب، بل على مستوى عربي أيضاً". 

"بخصوص مقولة الريادة المسرحية التونسية عربياً، رأى فيها نزار السعيدي، توصيفاً فضفاضاً لاختلاف التجارب ومساراتها، كما أنها تضع هذه التجارب في صورة سباق العدو السريع، لكن أمام التطورات التي نلاحظها عند الأشقاء، وجب الانتباه إلى ضرورة المراجعة والتغيير الهيكلي، حتى يكمل المسرح في تونس وظيفته التنويرية التي نراها تقلّصت اليوم". 

هكذا، فإن وظيفة المسرح، لا يمكن أن ترتهن إلى مسألة أسبقيته في الفوز بالجوائز المسرحية من عدمها، حتى لا يتحوّل إلى ما يشبه الملعب التي تدار فيه المباريات الكبرى لكرة القدم. إن رهانه الحقيقي هو  باسم آلام الناس ومآسيهم، ومن ثم مساهمته في نهضة المجتمع.

 أما بخصوص العودة إلى أزمات المسرح التونسي، فهو على الرغم من ذلك، مازال يلعب دوراً مهماً في الحياة الاجتماعية والتربوية، وخصوصاً إذا نظرنا إلى فاعلية المسرح المدرسي، وعدد الأعمال المسرحية التي يتم إنتاجها سنوياً، وتعدّد الفضاءات المسرحية الخاصة، وتجربة مسرح السجون.

تصنيفات

قصص قد تهمك