قبل أشهر قليلة، أبدى وزير البحرية الأميركي، كارلوس ديل تورو، إعجابه بسفينة حربية كورية جنوبية جديدة بُنيت في مدينة أولسان الساحلية بكوريا الجنوبية، التي تضم أكبر حوض لبناء السفن في العالم.
وكان ديل تورو في زيارة يسعى من خلالها إلى إقناع كبار مسؤولي شركة "إتش دي هيونداي للصناعات الثقيلة" وغيرها بفكرة بسيطة: "استثمروا في أميركا"، كما قال لهم، بحسب "وول ستريت جورنال".
وقالت الصحيفة، الأحد، إن الولايات المتحدة اتجهت إلى حلفائها في كوريا الجنوبية واليابان لتنفيذ استراتيجية التحول، بعد تراجعها الكبير خلف الصين في صناعة السفن.
وأضافت أن الجهود الأميركية تركز على جذب شركات مثل "هيونداي"، التي تنافس الصين مباشرة، وتمتلك القدرة على بناء السفن بسرعة وبتكاليف منخفضة باستخدام تقنيات حديثة، وهو ما تفتقر إليه الولايات المتحدة.
هيمنة صينية
ويتفوق أسطول البوارج الحربية الصيني الآن على نظيره الأميركي، بعدما كثفت بكين إنتاجها في أحواض بناء السفن المدعومة من الدولة، والتي تبني جميع أنواع السفن.
وقدّمت الصين الحصة الأكبر من إنتاج السفن العالمي العام الماضي، فيما احتلت كوريا الجنوبية المرتبة الثانية بنحو ربع الإنتاج العالمي، وفقاً لـ"وول ستريت جورنال".
وفي المقابل، تظهر الولايات المتحدة بشكل محدود في التصنيفات العالمية، إذ تقتصر الأحواض القليلة المتبقية على بناء السفن الأميركية فقط، بسبب ارتفاع تكاليف العمالة وطول فترات الإنتاج.
وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى عدم وجود حوض بناء سفن في أي مكان بالعالم يمتلك نفس الطاقة الإنتاجية التي تعمل بها منشأة "هيونداي" في أولسان. وقالت إن العمال يستخدمون الدراجات النارية للتنقل بسرعة بين 10 أرصفة جافة في الموقع.
وكان آلاف الموظفين في "هيونداي" يعملون مؤخراً على 20 سفينة بحرية مختلفة قيد الإنشاء لصالح البحرية الكورية، والجيش الفلبيني، وشركات شحن عالمية، وهو ما يعادل تقريباً 4 أضعاف إجمالي الإنتاج الأميركي طوال العام الماضي، وفقاً للصحيفة.
وكان لي سانج بونج، أحد المسؤولين التنفيذيين في هيونداي، يقف على متن السفينة الحربية الكورية الجنوبية التي عرضها هو وزملاؤه على ديل تورو في فبراير الماضي.
وأوضح لي، الذي يرأس قسم تصميم السفن العسكرية في الشركة، أن السفينة، المسماة "جونغجو العظيم" تيمناً بملك كوري من القرن الـ18، هي مدمرة من طراز "أيجيس" مزودة بالعديد من التكنولوجيا والمكونات الأميركية.
عقبات قانونية
وطورت شركة "لوكهيد مارتن" نظام القتال بالسفينة، بينما الصواريخ كانت من إنتاج شركة "رايثون"، وتوربينات الغاز من إنتاج "جنرال إلكتريك". وقال لي سانج بونج: "هذه سفينة حربية أميركية في الأساس".
وقال مسؤولون في الصناعة إن تكلفة بناء السفينة "جونغجو" في الولايات المتحدة ستتجاوز ضعف السعر الحالي، وستستغرق البناء وقتاً أطول بنحو الثلث. لكن بناء مدمرة أميركية في أولسان، حيث تنتج "هيونداي" 40 إلى 50 سفينة سنوياً، ليس خياراً متاحاً في الوقت الراهن، إذ ينص القانون على ضرورة بناء السفن الأميركية داخل البلاد.
ومع ذلك، لا يمنع القانون الأميركي الشراكات مع شركات بناء السفن الأجنبية لأداء مهام مثل الصيانة والتدريب أو تقديم المشورة الفنية. وتلجأ واشنطن بشكل متزايد إلى كوريا واليابان للقيام بمثل هذه الأعمال.
ويُمكن بناء السفن العسكرية الأميركية في الخارج فقط من خلال استثناء رئاسي لأسباب تتعلق بالأمن القومي أو تعديل تشريعي، بحسب "وول ستريت جورنال". وقال لي: "إذا أتيحت لنا الفرصة، يمكننا بناء سفينة جيدة للغاية للبحرية الأميركية".
وفي نفس الزيارة خلال فبراير الماضي، أجرى وزير البحرية الأميركي كارلوس ديل تورو حوض بناء سفن آخر تديره شركة "هانوا أوشن" بالإضافة إلى حوض إصلاح تابع لشركة "ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة" في يوكوهاما، اليابان.
مصدر قلق لواشنطن
وتنتج الصين وكوريا الجنوبية واليابان سفناً تمثل أكثر من 90% من إجمالي الحمولات العالمية، وفقاً لتقرير صادر عن الكونجرس الأميركي في نوفمبر الماضي. بينما لا تنتج الولايات المتحدة سوى 0.2% فقط.
وأوردت "وول ستريت جورنال" أن الهيمنة البحرية تشكل مصدر قلق رئيسي في واشنطن حال حدوث صراع محتمل مع بكين حول تايوان.
وأضافت أن الولايات المتحدة ليست مستعدة في الوقت الراهن لتسريع إنتاج السفن الحربية أو التجارية اللازمة للحفاظ على التجارة خلال أي نزاع في بحر الصين الجنوبي.
وسلط تقرير إرشادي أصدره الكونجرس في أبريل الماضي الضوء على أهمية توسيع العلاقات مع حلفاء المعاهدات كواحدة من التوصيات الرئيسية.
وتمتلك الصين قوة عاملة في صناعة السفن تعادل تقريباً 4 أضعاف تلك الموجودة في الولايات المتحدة. وتمتلك الصين حوالي 7 آلاف سفينة بحرية. بينما تمتلك الولايات المتحدة حوالي 200 سفينة فقط. واستقبلت الصين نحو 1700 طلب لبناء سفن في عام 2023، في حين بلغ عدد الطلبات في الولايات المتحدة 5 فقط، بحسب التقرير.
وتتوقع شركة "جانز"، التي تتعقب الإنفاق من 60 دولة مختلفة، أن يصل الإنفاق العالمي على السفن العسكرية، بما في ذلك الصيانة، إلى 95 مليار دولار في عام 2024. ويُتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى أكثر من 112 مليار دولار بحلول عام 2030.