بينما كانت الفصائل السورية تواجه مقاومة شديدة من القوات الحكومية خلال التقدم نحو مدينة حماة، دفعت "هيئة تحرير الشام" التي تقود المعركة بواحدة من فرق النخبة تدعى "العصائب الحمراء"، وهي مجموعة مختصة بتنفيذ عمليات عالية الخطورة، على غرار التوغل خلف الخطوط أو تنفيذ عمليات "انغماسية".
وبعد دخول الفصائل مدينة حماة، ازداد الحديث عن هذه المجموعة المسلحة، والدور الذي ربما لعبته في حسم المعركة، فماذا نعرف عن "العصائب الحمراء"؟
بيعة الموت
في أغسطس 2018 نشرت، "هيئة تحرير الشام" إصداراً مرئياً بعنوان "لن نركع إلا لله"، ظهر فيه للمرة الأولى عناصر من قوات النخبة التابعة لها، وهم يتدربون على مهارات قتالية عالية، بينما يضعون حول رؤوسهم عصابة حمراء، ليرتبط اسم هذه المجموعة في السنوات اللاحقة بتنفيذ عمليات تنطوي على درجة عالية من الخطورة، لا سيما في أرياف إدلب وحلب وحماة واللاذقية.
وذكرت صحيفة "عنب بلدي" السورية المعارضة نقلاً عن تقرير لوكالة "إباء" التابعة للهيئة، أن "العصائب الحمراء"، استمدت اسمها من الصحابي أبي دجانة الذي "عرف بالشجاعة والإقدام وكانت له عصابة حمراء يرتديها تميزه في المعارك".
وفي مطلع عام 2020، ظهر أبو محمد الجولاني زعيم "هيئة تحرير الشام" وهو يضع عصابة حمراء حول رأسه ضمن مجموعة من المقاتلين أثناء ما عُرف بـ"بيعة الموت"، حيث أدى المقاتلون ما يشبه القسم أمام زعيم الجماعة المسلحة.
ومنذ تأسيسها في عام 2012، على يد متشددين قدموا من العراق إلى سوريا، تحت اسم "جبهة النصرة"، قبل أن تفك ارتباطها بتنظيم القاعدة، وتُغير اسمها مرتين لتستقر على "هيئة تحرير الشام"، اعتمدت الجماعة على تنفيذ عمليات نوعية، تتمثل بتفجير مفخخات وانتحاريين في عمق المواقع التابعة للحكومة السورية، وذاع صيتها في "الهجمات الانغماسية"، وفق المصطلح الشائع في إصداراتها.
ولا يوجد إحصائية دقيقة عن عدد عناصر مجموعة "العصائب الحمراء"، بينما تُشير تقارير إلى أنهم بالمئات.
تدريبات مكثفة وقواعد صارمة
يتلقى مقاتلو "العصائب الحمراء" تدريبات مكثفة مع تزويدهم بأسلحة نوعية خاصة، ويتم إظهار المجموعة على أنها "القوة الهجومية الضاربة والأقوى" في "هيئة تحرير الشام" باعتبارها رأس الهرم في التقسيمات العسكرية.
وبحسب مركز جذور للدراسات، أشرفت مجموعة "ملحمة تاكتيكال" أو "الملحمة التكتيكية" التابعة للهيئة وأسسها مقاتلون ناطقون بالروسية (شيشان وأوزبك وآذر) في عام 2016 على تدريب فرقة "العصائب الحمراء"، مستفيدين من خبراتهم السابقة، إذ خدم بعض المدربين ضمن القوات العسكرية لبلادهم قبل أن يغادروا إلى سوريا بعد عام 2011.
ومنذ مطلع عام 2021، زادت "هيئة تحرير الشام" حملات التجنيد في صفوف العديد قوات النخبة المنضوية في صفوفها، ونشرت الهيئة مرات عديدة إعلانات لفتح باب الانتساب لـ"العصائب الحمراء"، وكانت تشترط أن يكون المتقدمون حصراً من أعضائها، ويتمتعون بصحة جيدة، ولديهم الاستعداد للتقيد بالنظام الداخلي للكتيبة، في إشارة ربما إلى القواعد الصارمة والتدريبات المكثفة التي يتلقاها المجندون الجدد.
ومن غير المعروف على نحو دقيق، ما إذا كانت عناصر هذه المجموعة سوريين أو ينتمون إلى جنسيات متعددة، مع العلم أن "هيئة تحرير الشام" تضم مقاتلي من دول عديدة.
مهام نوعية
تُسند إلى هذه المجموعة، المهام القتالية الأشد صعوبة والأكثر خطورة، إذ ظهرت هذه القوات في إصدارات إعلامية كثيرة تتكلم فيها عن مهامها وتدريبها العسكري من خلال تخريج معسكرات تابعة لها.
وعادة ما تعتمد "هيئة تحرير الشام" على هذه المجموعة إما لتنفيذ هجمات نوعية أو عمليات اقتحام عندما يستعصي على القوات التقليدية تحقيق تقدم في المعارك، إذ يمتلك عناصرها خبرات في مجال حرب العصابات، ما قد يمنحهم التفوق في مواجهة الجيوش النظامية، لا سيما في ظل الإعداد العقائدي الذي يتلقونه، بحيث يبدون غير آبهين بالموت.
وإضافة إلى عمليات الاقتحام، تضم "العصائب الحمراء" مجموعات من القناصين الذين تلقوا تدريبات مكثفة على استخدام البنادق القناصة، ونفذوا بالفعل بحسب إصدارات سابقة لـ"هيئة تحرير الشام"، العديد من عمليات الاستهداف ضد عناصر في القوات الحكومية.
وبحسب تصريحات مصدر عسكري سوري لـ"الشرق"، فإن "العصائب الحمراء" كانت عماد هجوم الفصائل على موقع استراتيجي في ريف حماة الشمالي يعرف باسم جبل زين العابدين شمالي المدينة، وتحدّث المصدر عن خسائر تكبدتها عناصر المجموعة، بعد كمين قالت القوات الحكومية، إنها نفذته ضد المهاجمين، قبل أن تضطر لاحقاً إلى الانسحاب إلى خارج حماة.
وأشار المصدر إلى أن "العصائب الحمراء" هي ذراع "تنظيم القاعدة" في سوريا، وأسسها (أبو رفيق الأوزبكي) ويديرها "أبو اليقظان المصري"، وهناك روايات متضاربة حول مصرع الأوزبكي في غارة جوية روسية على إدلب في عام 2017.
وبحسب تقرير لموقع "تلفزيون سوريا" المعارض، ومقره إسطنبول، لعبت "العصائب الحمراء" دوراً كبيراً أواخر عام 2021 خلال استهداف تنظيمات من بينها "جنود الشام" الذي يتزعمه الجهادي أبو مسلم الشيشاني، في منطقة جبل التركمان بريف اللاذقية الشمالي، والتي باتت تحت هيمنة "هيئة تحرير الشام" بالكامل.
وأشار الموقع إلى أن قوات النخبة في "هيئة تحرير الشام"، تتوزع على اختصاصات متنوعة، مثل الدبابات والرشاشات، وهناك العاملون على مضادات الدروع، والاستطلاع والهندسة والاختصاصات الأخرى.