تكتسب الأصول الفضائية للدول قيمة استراتيجية تتعاظم بعدما صارت أقمار الاستخبارات والمراقبة، والاستطلاع ذات أهمية متزايدة في التأثير على التطورات العسكرية الأرضية.
وتدور هذه الأقمار الاصطناعية على ارتفاعات تبلغ نحو 500 كيلومتر، وتوفر معلومات بالغة الأهمية عن الأنشطة العسكرية مثل تحركات القوات، وإطلاق الصواريخ، التي تثبت قيمتها أثناء الصراعات، إذ تتيح استهداف موارد العدو بدقة، بحسب موقع EurAsian Times.
وتسلط الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا الضوء على الدور الأساسي الذي تلعبه أقمار الاستطلاع، إذ أدت هذه الأدوات الفضائية دوراً محورياً في مراقبة مواقع العدو، وتقييم مدى الضرر الذي يلحقه أثناء المواجهات.
وتؤكد فعاليتها، الاعتماد المتزايد على تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية في الحرب الحديثة، وكشفت صور الأقمار الاصطناعية الأخيرة عن تطورات مهمة على طول الحدود الهندية الصينية، وفي أواخر مايو 2024، كشفت الصور عن نشر الصين مقاتلات شبحية من طراز J-20 بالقرب من الحدود الهندية في التبت.
أقمار التجسس الاصطناعية
كما شهد مطلع يوليو انتشار صور الأقمار الاصطناعية التي أظهرت قيام الصين ببناء مخابئ تحت الأرض لتأمين الأسلحة وغيرها من الأصول العسكرية على طول بحيرة "بانجونج تسو"، الواقعة بالقرب من خط السيطرة الفعلية في لاداخ.
وأظهرت صور الأقمار الاصطناعية اكتمال بناء جسر استراتيجي عبر بحيرة "بانجونج".
وتعمل هذه البنية الأساسية على تقليص الوقت الذي تحتاجه الصين لتعبئة القوات والمعدات بشكلٍ كبير، وهو ما أثار مخاوف الهند.
وأدت التغطية الإعلامية الهندية المكثفة لهذه التطورات إلى تضخيم الشعور بالتهديد المباشر من جانب الصين.
ورغم أن هذه الصور التي التقطتها الأقمار الاصطناعية نشرتها شركات خاصة مقرها الولايات المتحدة، فإنها تؤكد على قدرة أقمار التجسس على جمع المعلومات الحاسمة، ودورها المتنامي في التخطيط الدفاعي.
ريادة صينية
لا يزال هناك تباين ملحوظ بين الهند، والصين فيما يتصل بعدد أقمار المراقبة في الفضاء.
وقال العميد البحري المتقاعد ميليند كالشريستا، الذي يتمتع بخبرة واسعة مع البحرية الهندية في مجال الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية والاستخبارات، إن الهند تتخلف عن الصين بأكثر من عقدٍ من الزمن فيما يتعلق بأعداد الأقمار الاصطناعية وقدراتها.
وأشار إلى أن الهند على قدم المساواة مع الصين على صعيد مركبات الإطلاق لإرسال الأقمار الاصطناعية إلى الفضاء، ولكن عندما يتعلق الأمر برحلات الفضاء البشرية، لا تزال الهند متأخرة بشكل كبير.
كما يظل عدد الأقمار الاصطناعية الهندية أقل بكثير من نظيرتها الصينية.
وأكد تقرير صادر عن وكالة استخبارات الدفاع الأميركية، في العام 2022، أن ما يقرب من نصف أنظمة الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع في العالم تخضع لسيطرة القوات الصينية.
وتسمح هذه الأقمار الاصطناعية للجيش الصيني بمراقبة المواقع الاستراتيجية في جميع أنحاء كوريا وتايوان والمحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي.
وتكشف أحدث البيانات الصادرة عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) ومقره لندن، أن الصين تدير ما لا يقل عن 245 قمراً اصطناعياً للدفاع والتجسس، مقارنة بـ 26 قمراً اصطناعياً هندياً.
وعلى وجه التحديد، تمتلك الصين 92 قمراً اصطناعياً للاستطلاع الداخلي، منها 81 قمراً مصمما للاستخبارات الإلكترونية ورصد الإشارات.
وفي المقابل، تمتلك الهند 15 قمراً اصطناعياً للاستطلاع الداخلي فقط، وقمراً اصطناعياً واحداً لمهام الاستخبارات الإلكترونية.
ويسلط هذا التفاوت الضوء على الفجوة الكبيرة في قدرات المراقبة الفضائية بين البلدين.
الهند "تحت التهديد"
يلعب برنامج الأقمار الاصطناعية الصيني، وخاصة سلسلة Yaogan، دوراً حاسماً في جهود التجسس العالمية التي تبذلها بكين.
ومنذ إنشائه في عام 2006، أطلقت الصين بنجاح أكثر من 140 قمراً اصطناعياً للمراقبة من سلسلة Yaogan، وكان أحدثها Yaogan 42.
ويتم تقديم هذه الأقمار الاصطناعية كأدواتٍ للتجارب العلمية، والمسوحات الأرضية، وتوقع إنتاج المحاصيل، ومراقبة الكوارث، ومع ذلك يعتقد خبراء أن النية الحقيقية وراء برنامج Yaogan عسكرية، تهدف إلى المراقبة العالمية.
وأكد أومكار نيكام، مؤسس مركز Access Hub للفضاء والدفاع والأمن، لصحيفة EurAsian Times، أن الصين تمتلك مجموعة راسخة من الأقمار الاصطناعية العسكرية، سواء في قطاعات الاتصالات، أو مراقبة الأرض.
وتعد سلسلة أقمار Tianhui، وYaogan الاستطلاعية الأحدث، والتي تستخدم في المقام الأول لأغراض الاستخبارات.
وتعطي الصين الأولوية لاكتساب القدرات اللازمة للمراقبة المستمرة وفي الوقت الفعلي تقريباً، وخاصة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
ويستند هذا التركيز الاستراتيجي إلى تقييم الصين للتهديدات الأمنية المحتملة.
أقمار Yaogan الاصطناعية
وقال كلايتون سووب، نائب مدير مشروع أمن الفضاء الجوي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن أقمار Yaogan يمكن أن تمنح الصين قدرة غير مسبوقة على اكتشاف، وتتبع الأجسام بحجم السيارة عبر منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وأضاف أن القدرات المعزَّزة لأقمار Yaogan الاصطناعية تمكن الصين من تتبع القوات البحرية للولايات المتحدة وحلفائها في المحيطين الهندي والهادئ بدقة أكبر من أي وقت مضى.
وأشار سوب إلى أن الدقة المحسَّنة لهذه الأقمار الاصطناعية تسمح للصين بمراقبة ليس فقط السفن الكبيرة، ولكن أيضاً الأجسام الأصغر حجماً، بما في ذلك الطائرات مثل الطائرات المقاتلة والقاذفات.
وفي حين أن تقنية التخفي قد تجعل من الصعب اكتشاف الطائرات بالرادار، إلا أنها أقل فعالية ضد أجهزة الاستشعار البصرية، وتم توضيح هذا القيد عندما رصد أحد مستخدمي خرائط جوجل قاذفة شبحية من طراز B-2 فوق ميسوري في عام 2021.
واقترح سووب أن دمج بيانات قمر Yaogan الاصطناعي مع أقمار المراقبة الثابتة الموجودة في الصين، وخوارزميات الذكاء الاصطناعي المتقدمة يمكن أن يعزز بشكل كبير تحديد هوية الأشياء وتتبعها.
الأقمار الاصطناعية الهندية
وتشمل قدرات الأقمار الاصطناعية الهندية سلسلة RISAT، وهو قمر اصطناعي للتصوير بالرادار، إذ تم إطلاق أول قمر اصطناعي في عام 2009.
وكان من المفترض رسمياً أن يرصد RISAT الكوارث الطبيعية ويراقب الأرض، ومع ذلك فإن دوره الأساسي هو اكتشاف التسلل على طول الحدود.
وكما هو الحال مع الصين، تستخدم الهند أقمارها الاصطناعية لأغراض عامة وحساسة، وغالباً ما تُبقي النطاق الكامل لقدراتها قيد السرية.
ولاحظ نيكام أن الهند اعتمدت بشكل أساسي على البيانات من الأقمار الاصطناعية العلمية لقواتها المسلحة.
ولم توافق الحكومة الهندية إلا في عام 2022 على أول أقمار اصطناعية مخصَّصة للاتصالات لكل فرع عسكري.
ووافقت لجنة مجلس الوزراء الهندي للأمن، بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، في أكتوبر، على المرحلة الثالثة من برنامج المراقبة الفضائية، والذي يتضمن إطلاق 52 قمراً اصطناعياً للتجسس في مدارات أرضية منخفضة، ومدارات ثابتة جغرافياً.
وسيتم إطلاق هذه الأقمار الاصطناعية التجسسية الـ 52 في السنوات الخمس المقبلة لتكون بمثابة "عيون الهند في السماء".
ورغم هذه الخطوات المهمة، أكد نيكام أن الهند بحاجة إلى تكثيف تطبيقاتها الفضائية لأغراض الاستخبارات، والمراقبة، والاستطلاع.
وأوضح أن مشاركة شركات خاصة مثل Dhruva Space، وSatSure، وPixxel، وPierSight Space تشير إلى مستقبلٍ واعدٍ للهند في قطاع الأقمار الاصطناعية العسكرية.