
أظهرت لقطات نادرة كشفتها وسائل إعلام صينية، الشهر الماضي، جهاز رادار متقدم بعيد المدى قادر على اكتشاف الصواريخ، بما في ذلك الصواريخ فرط الصوتية على بعد آلاف الأميال.
وخلال الخطاب الذي ألقاه الرئيس الصيني شي جين بينج، أمام الجيش بمناسبة رأس السنة القمرية الجديدة، ظهرت لقطات لنظام الرادار الصيني الهائل بعيد المدى المصمم للإنذار المبكر واكتشاف التهديدات خارج حدود الصين، حسبما نقل موقع EurAsian Times الدفاعي المتخصص.
وأظهر مقطع فيديو أرسله الجيش الصيني إلى شي، نهاية العام الماضي، محطة رادار أرضية تعمل بنظام متطور، وتقف أمامها قوات "الإنذار المبكر والمراقبة" في تشكيل.
وعلى الرغم من أن التفاصيل المتعلقة بنظام الرادار لا تزال نادرة، إلا أن الرادار ظهر مرة أخرى في تقرير لشبكة تلفزيون محلية، ما أتاح نظرة عن قرب على هيكله "المهيب" وهو عبارة عن عشرات من الهوائيات الموجودة في مبنى يبلغ ارتفاعه نحو 6 طوابق.
الإنذار المبكر
وأكد خبراء أن الرادار الصيني بعيد المدى، يلعب دوراً محورياً في جهود بكين لتعزيز قدراتها على الإنذار المبكر ضد التهديدات الصاروخية.
ووصف المعلق العسكري والمدرب السابق في الجيش الصيني، سونج تشونج بينج، هذا الهيكل، بأنه "رادار استراتيجي نشط متعدد المراحل"، قادر على اكتشاف التهديدات الصاروخية في نطاق يصل إلى عدة آلاف من الكيلومترات.
وأضاف بينج، أن نظام الرادار يعد من الأصول الأساسية في شبكة الدفاع الصاروخي الصينية، مشيراً إلى أن الإنذارات المبكرة أمر بالغ الأهمية، إذ يمنح الوقت لتعبئة التدابير المضادة.
ورجح، أن تدمج الصين هذا النظام لتتبع الصواريخ الأسرع من الصوت، وهي قدرة "تغير قواعد اللعبة في الحرب الحديثة".
وفي مقطع فيديو من أمام الرادار الضخم، وجه ممثل لقوة الفضاء التابعة للجيش الصيني، رسالة حاسمة: "سنراقب الوضع في ساحة المعركة بشكل صارم لضمان الرد فوراً في حالة ظهور أي تهديد".
موقع استراتيجي
في حين حجبت التقارير الإعلامية الصينية، الموقع الدقيق لمحطة الرادار، حددها محلل الدفاع التايواني، جوزيف وين، وقال على منصة "إكس"، "إنها محطة جياموسي للرصد والإنذار المبكر التابعة للقوات الجوية الفضائية العسكرية".
وجرى بناء محطة الرادار الكبيرة متعددة المراحل - LPAR قبل عام 2011، وشهدت ترقيات كبيرة وانتهى العمل بها في عام 2021.
وتقع جياموسي في مقاطعة هيلونججيانج. وبرزت كعقدة أساسية في شبكة الإنذار المبكر في الصين، وبحسب مركز الأبحاث الأميركي Global Security، جرى إنشاء محطة رادار كبيرة غير قابلة للدوران على مساحة 30×24 متراً في مقاطعة هوانان في جياموسي.
وتوفر قدرات الإنذار المبكر، تكامل معلومات دقيقة عن الأهداف لأنظمة الدفاع الصاروخي مثل Hongqi-19 وKinetic-3، ويمكن للرادار المركّز بنطاق X، عزل أجسام معينة، ما يساعد على التمييز بين التهديدات الحقيقية والمزيفة.
وفي تقرير صدر في سبتمبر الماضي، أشار معهد دراسات الفضاء الجوي الصيني CASI، وهو مركز أبحاث تابع لوزارة القوات الجوية الأميركية، إلى أن قاعدة جياموسي تستضيف راداراً للفضاء العميق تديره الأكاديمية الصينية للعلوم.
ويعتقد أن قاعدة جياموسي، تضم وحدة واحدة على الأقل من قوة الدعم الاستراتيجي التابعة للجيش الصيني، ولكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه الوحدة تدير أنظمة المنشأة، مثل الرادار ذي المصفوفات الكبيرة، أم أنها متمركزة فقط في موقع أكاديمية العلوم.
وأشار تقرير CASI إلى أن مركز أبحاث الفضاء الجوي في جياموسى، يقع تحت قيادة "القاعدة 37" الصينية، وهي وحدة متخصصة من قوة الفضاء الجوي الصينية - PLAASF تركز على أنظمة الإنذار المبكر والوعي الفضائي - SSA.
وفي السابق، كانت محطات LPAR تُدار بواسطة القوات الجوية الصينية.
وذكر موقع EurAsian Times، أن التوتر المتزايد بين القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي في الجيش الصيني، بشأن السيطرة على هذه الأصول الحيوية ربما تؤدي إلى نشوء شبكتين متوازيتين لـ LPAR كل منهما لها هياكل قيادة وآليات تبادل بيانات مميزة.
وربما يؤدي هذا التنافس الداخلي، إلى تعقيد قدرات الصين الأوسع في مجال الوعي الفضائي، ما قد يؤدي إلى عدم كفاءة في تتبع نشاط الصواريخ الأجنبية والتهديدات الفضائية.
الدفاع الصاروخي
توفر تقنية الرادار المصفوفة، سرعات مسح أسرع بشكل ملحوظ، ودقة أكبر من الرادارات التقليدية.
وعلى عكس الأنظمة التقليدية التي تدور فعلياً، تستخدم أجهزة الرادار المصفوفة الطورية مجموعات يتم التحكم فيها إلكترونياً لتحويل التركيز بسرعة في اتجاهات متعددة، ما يعزز كفاءة التتبع.
وتستثمر الصين في تكنولوجيا الرادار متعدد المراحل منذ سبعينيات القرن العشرين، كجزء من جهودها الأوسع لتحديث الجيش.
وفي حين أبقى الجيش الصيني تفاصيل أنظمة الرادار للإنذار المبكر بعيدة المدى سرية، سلط تقرير صادر عن وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون"، العام الماضي، الضوء على العديد من أجهزة الرادار الأرضية الكبيرة ذات المصفوفات الطورية والتي تشبه نظام PAVE PAWS الأميركي، ما يشير إلى أنها يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في الإنذار المبكر من الصواريخ.
ومع نمو القوة العسكرية الصينية، أصبحت قدرات الدفاع بعيدة المدى تشكل أهمية مركزية لأمنها الوطني واستراتيجيتها الردعية.
وفي عرض نادر، أجرت قوات الجيش الصيني، تجربة إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات، العام الماضي، وهو أول إطلاق من نوعه منذ عقود، ما يدل على مدى قدرتها الاستراتيجية المتطورة.
وتعمل الصين على تطوير أنظمة متقدمة مضادة للصواريخ الباليستية مثل HQ-19، والتي تجرى مقارنتها غالباً بنظام الدفاع الصاروخي الأميركي عالي الارتفاع - THAAD.
وبعيداً عن الدفاعات السطحية، تؤكد الصين نجاحها في تطوير أول رادار لقاع البحر في العالم، إذ تقول إنه قادر على اكتشاف الأهداف على ارتفاعات عالية من عمق يصل إلى 1000 متر.
وعلى الرغم من أن هذا المشروع ما زال سرياً، فإن مثل هذا النظام ربما يحدث "ثورة" في الحرب تحت الماء من خلال تعزيز قدرات الهجوم والمراقبة للغواصات بشكل كبير.
ولا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت الصين قادرة على تعقب الصواريخ الأسرع من الصوت عبر آلاف الأميال، ولكن من المؤكد أن استثماراتها في تكنولوجيا الإنذار المبكر والدفاع الصاروخي تتسارع، ما يضيف بعداً جديداً للمنافسة العسكرية العالمية.