
بدأ الهجوم الصيفي الروسي يحرز تقدماً في أوكرانيا، بدعمٍ من نوع جديد من الطائرات المُسيّرة الهجومية التي لا يمكن التشويش عليها، وفق صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، الثلاثاء.
وكشفت بيانات صادرة عن جهات رقابية أن روسيا استولت في مايو الماضي، على أراضٍ أوكرانية أكثر من أي وقت مضى منذ نوفمبر 2024.
وواصلت القوات الروسية تقدمها في الأسابيع الأخيرة، في ظل تعثر محادثات السلام التي تتوسط فيها الولايات المتحدة، بسبب المطالب "المتطرفة" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بحسب قول الصحيفة.
طراز جديد من المسيّرات
وساهم في هذا التقدم نشر روسيا لطراز جديد من الطائرات المُسيّرة، موصول بأسلاك ألياف ضوئية رفيعة للغاية.
ومنذ مطلع العام الجاري، تزايدت أعداد هذه المُسيرات بشكل ملحوظ، وهي تتمتع بقدرة على مقاومة التشويش الأوكراني الذي لا يؤثر إلا على الأجهزة اللاسلكية.
وقال قائد وحدة أوكرانية للطائرات المُسيرة، منتشرة في شرق دونيتسك، لـ"فاينانشال تايمز": "في الوقت الحالي، تعتبر محظوظاً إذا تمكنت من قيادة سيارتك لمسافة 5 كيلومترات فقط من خط الجبهة وظلت تعمل".
وأضاف أن عناصر وحدته يضطرون أحياناً إلى السير لمسافة تصل إلى 15 كيلومتراً ليلاً للوصول إلى مواقعهم.
لكن القوات الأوكرانية، بحسب قوله، تمارس ضغطاً مماثلاً، مضيفاً: "نحن نسيطر على جانبهم من الجبهة، وهم يسيطرون على جانبنا".
ويرى روب لي، المحلل العسكري والباحث البارز في معهد أبحاث السياسات الخارجية، أن الحملة العسكرية الروسية الصيفية تحمل مخاطر كبيرة للطرفين.
وقال روب لي: "الكثير يتوقف على ما سيحدث هذا الصيف. إذا واجهت روسيا صعوبة في التقدم، فقد تتحسن فرص التفاوض في الخريف أو الشتاء... لكن العكس قد يحدث إذا تمكنت روسيا من تحقيق مكاسب أكبر، أو إذا اقترب الشتاء وبدت أوكرانيا غير قادرة على مواصلة القتال".
مكاسب روسية
وأحرزت روسيا أكبر مكاسبها في منطقة سومي شمالي أوكرانيا، حيث تمكنت من السيطرة على مساحة 200 كيلومتر مربع بعد أن دفعت القوات الأوكرانية خارج منطقة كورسك الحدودية التابعة لها.
وعلى بُعد نحو 350 كيلومتراً إلى الجنوب، أظهرت لقطات تم تحديد موقعها جغرافياً، أن مجموعة صغيرة من الجنود الروس وصلت إلى حدود منطقة دنيبروبيتروفسك، وذلك لأول مرة منذ بداية الغزو الشامل في عام 2022.
ونفى مسؤولون عسكريون أوكرانيون أن تكون القوات الروسية قد تمكنت من ترسيخ موطئ قدم لها في المنطقة.
وتُعد بلدة كوستيانتينيفكا الأوكرانية إحدى النقاط الساخنة الجديدة على طول خط الجبهة الممتد لمسافة ألف كيلومتر، وهي معقل حضري رئيسي على الطريق المؤدي إلى كراماتورسك، أكبر مدن منطقة دونيتسك الخاضعة للسيطرة الأوكرانية.
وتتضمن مطالب بوتين الرئيسية السيطرة الكاملة على دونيتسك، ومناطق أخرى لا تزال قواته تحتل أجزاء منها فقط.
وخلال الأشهر الأخيرة، بدأت الوحدات الروسية تقترب من كوستيانتينيفكا من 3 محاور.
وفي مايو الماضي، تقدمت لمسافة 10 كيلومترات نحو الجهة الغربية للبلدة، وباتت حالياً على بُعد نحو 12 كيلومتراً من المدينة.
شريان الإمداد الأوكراني
وسمحت هذه المكاسب للقوات الروسية بقطع شريان الإمداد الأوكراني الذي كان يربط كوستيانتينيفكا بمعقل آخر هو مدينة بوكروفسك، ما زاد من خطر تطويق القوات الأوكرانية في المنطقة.
ولكن، رغم بعض الانجازات المحدودة، ظل التقدم الروسي بطيئاً ومكلفاً، إذ تعتمد الفرق الأوكرانية على طائرات مُسيّرة مزودة بمتفجرات لصد الهجمات.
وتكيّفت القوات الروسية مع الوضع؛ إذ استعاضت عن الدبابات البطيئة، وسهلة الاستهداف باستخدام الدراجات النارية والمشاة غير المجهزين بمدرعات، للاندفاع عبر الحقول المليئة بالحفر، والوصول إلى صفوف الأشجار التي تخفي الخنادق الأوكرانية.
وقال قائد وحدة المُسيرات: "هذه هي طريقتهم في القتال الآن، وأي شيء آخر أصبح استثناءً".
ولا تزال أوكرانيا تواجه صعوبة في تعويض النقص في كتائبها المنتشرة على الجبهة، وهو مأزق تسعى القيادة الروسية إلى استغلاله عبر توسيع نطاق الهجمات على جبهة عريضة بهدف إنهاك خطوط الدفاع الأوكرانية.
وقال إيميل كاستيهلمي، المحلل في مجموعة "بلاك بيرد" الفنلندية التي تراقب الحرب: "من المرجح ألا نشهد انهياراً في الخطوط خلال الأشهر القليلة المقبلة، لكن وتيرة التقدم الروسي قد تبدأ بالتسارع".
وأضاف: "الإدارة الدقيقة للجنود الاحتياط تمثل عنصراً حاسماً بالنسبة لأوكرانيا هذا الصيف، من حيث تحديد مواقع نشرهم وكيفية إدارتهم، حتى لا تتحول الأزمات الطارئة إلى كوارث".