
تكثف تايوان جهودها لتطوير أسطول متقدم من المسيرات البحرية، في خطوة يراها المخططون العسكريون، بمثابة ورقة حاسمة يمكن أن تعزز قدرة الجزيرة على صد أي غزو محتمل من الصين، حسبما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال".
وبحسب الصحيفة، تُحدث المسيّرات تحولاً جذرياً في طبيعة الحروب، وتجبر الاستراتيجيين العسكريين على إعادة النظر في كثير من المسلمات التقليدية بشأن الدفاع. وأظهرت الأسابيع الماضية كيف استخدمت كل من أوكرانيا وإسرائيل الطائرات المسيرة لتحقيق تأثير مدمر في ساحات القتال.
وبالنسبة لتايوان، فإن نجاح أوكرانيا في استخدام المسيّرات البحرية لتقويض الهيمنة البحرية الروسية في البحر الأسود، يقدم نموذجاً يمكن توظيفه لفرض سيطرة مماثلة على مضيق تايوان وصد أي هجوم برمائي محتمل من الصين.
وكشف وزير الدفاع التايواني، ويلينجتون كو، في مقابلة مع "وول ستريت جورنال"، أن بلاده تخطط لبدء دمج المسيرات البحرية مع قواتها البحرية خلال العام الجاري، ضمن الاستعدادات لاحتمال تعرض الجزيرة لغزو صيني بحلول عام 2027.
وقال الأدميرال المتقاعد، دينيس بلير، القائد السابق للقيادة الأميركية في المحيط الهادئ، إن تجربة أوكرانيا "يمكن تكييفها لصالح تايوان لمنع السفن البرمائية وسفن أخرى من تنفيذ أي هجوم على الجزيرة".
وأضاف بلير: "حتى لو امتلكت القوات المعادية تفوقاً جوياً وصاروخياً، فإن بلداً أصغر حجماً، إذا اتبع تكتيكات مبتكرة واستفاد من الأنظمة الجديدة المتاحة، يمكنه أن يوقفها تماماً".
ويرى تشين بو-هونج، خبير الطائرات المسيرة وعضو مجلس إدارة مؤسسة TTRDA غير الحكومية المعنية بشؤون الأمن، أن تايوان يمكنها استخدام مسيرات بحرية في كمائن على طول مسارات الشحن البحري، لتكون أداة ردع فعالة ضد أي تحرك عسكري معادٍ.
غزو بكلفة باهضة
ويأتي تركيز تايوان المتزايد على المسيرات البحرية، في إطار استراتيجية دفاعية تهدف إلى إيصال رسالة واضحة إلى بكين، مفادها أن أي غزو سيكون مكلفاً للغاية. ولا تزال الصين تحتفظ بخيار استخدام القوة للسيطرة على الجزيرة التي تعتبرها جزءاً من أراضيها.
وعلى الساحل الشمالي الشرقي لتايوان، عرضت عشرات الشركات المحلية والأميركية، الأسبوع الماضي، أحدث التقنيات في معرض خاص بالمسيرات البحرية، في تجسيد عملي لطموحات الجزيرة الدفاعية، ولإبراز التحديات الكبيرة التي تعترض تحقيقها.
وتضمنت العروض تقنيات متقدمة مثل السفينة السطحية ذاتية القيادة التابعة لشركة Ocean Aero الأميركية، والتي تتميز بقدرتها على التحول إلى غواصة، بالإضافة إلى نظام استهداف مدعوم بالذكاء الاصطناعي من شركة Auterion، مصمم لإطلاق أسراب من المسيرات، وهو النظام نفسه الذي تم استخدامه في الحرب الأوكرانية ضد روسيا.
وفي المياه القريبة من موقع المعرض، نفذت ثلاث مسيرات بحرية من صناعة تايوانية عروضاً ميدانية، حيث تسارعت وناورت بطريقة متعرجة لتفادي هجمات افتراضية، فيما عُرضت حركتها في الوقت الحقيقي على شاشة عملاقة داخل قاعة المعرض.
وقالت ستايسي بيتيجون، كبيرة الباحثين ومديرة برنامج الدفاع في مركز الأمن الأميركي الجديد: "تايوان يمكنها إلحاق ضرر هائل باستخدام مزيج من المسيرات البحرية القادرة على تنفيذ هجمات، وأداء مهام استطلاع، والعمل تحت الماء".
وأضافت: "إطلاق أسراب من هذه الزوارق المسيرة سيكون فعالاً للغاية في جعل تنفيذ أي هجوم برمائي أمراً بالغ الصعوبة، خاصة بالنظر إلى جغرافية تايوان، حيث لا يوجد سوى عدد محدود من الشواطئ الملائمة لمثل هذا النوع من العمليات العسكرية".
بدوره، أوضح سكوت سافيتز، كبير المهندسين في مؤسسة راند البحثية، أن استخدام المسيرات البحرية لا يقتصر على ملئها بالمتفجرات وتوجيهها للاصطدام بالسفن أو بالبنية التحتية البحرية.
وأشار إلى تطبيقات أخرى مثل إزالة الألغام، كما فعلت البحرية الأميركية، أو حماية الموانئ، كما فعلت إسرائيل، وهي استخدامات قد تكون حيوية لتايوان.
تحدي التبعية للصين
وتعمل تايوان حالياً، على تطوير قدرات تصنيع كميات كبيرة من المسيرات البحرية، إلى جانب أنظمة متقدمة لجعلها أكثر فاعلية، وهو مسار مشابه لجهود الجزيرة في تطوير طائرات مسيرة.
لكن، كما هو الحال مع الطائرات المسيرة، تواجه تايوان صعوبات في بناء صناعة محلية خالية من المكونات الصينية. ومع المسيرات البحرية، التحدي الأكبر يتمثل في الكلفة، لا سيما في سوق صغيرة نسبياً كتايوان.
وللتغلب على ذلك، يعوّل المخططون على تحفيز الصناعة المحلية عبر تمويل حكومي وعقود شراء عسكرية، بالإضافة إلى الاستفادة من الخبرات الأميركية لسد الفجوات التكنولوجية.
وخلال افتتاح المعرض في سواو، قال لي شيه-تشيانج، رئيس معهد تشونج شان الوطني للعلوم والتكنولوجيا، الذراع البحثية للجيش التايواني، إن الميزانية العسكرية المستقبلية ستخصص لعمليات شراء "ضخمة" من المسيرات البحرية، بشرط أن تلبي المعدات المعايير المطلوبة.
وأضاف: "آمل أن نتمكن، بفضل مساهمة الجميع اليوم، من الاستفادة القصوى من الميزانية واستخدامها بأعلى قدر من الكفاءة".
ووقع معهد تشونج شان الوطني للعلوم والتكنولوجيا، اتفاقية خلال معرض الطائرات المسيرة مع شركة Auterion الأميركية الألمانية، لتزويد تايوان بمنصتها لتشغيل المسيرات ونظامها القائم على الذكاء الاصطناعي لإدارة أسراب الطائرات، بهدف دعم تطوير جيل جديد من المركبات غير المأهولة في الجو والبحر والبر، بحسب ما أعلنت الشركة.
وفي اتفاق منفصل، الخميس، وافقت Auterion أيضاً على تزويد شركة Thunder Tiger التايوانية، المتخصصة في صناعة المسيرات الانتحارية من نوع FPV، بنظام الاستهداف الذكي، في إطار مساعي الشركة لبيع هذه الطائرات بكميات كبيرة للقوات المسلحة التايوانية.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة Auterion، لورينز ماير، الأسبوع الماضي: "إذا كان لديك آلاف المسيرات، وهو المفهوم الذي طرحته البحرية الأميركية للدفاع عن تايوان، فلا يمكن أن تعتمد على 50 واجهة تشغيل مختلفة. لا بد أن يكون هناك قدر من التوحيد... وإلا فلن يكون التشغيل على نطاق واسع إلا فوضى".
حماس مبالغ فيه
ورغم الحماس الكبير بشأن المسيرات، يحذر بعض الخبراء من أن هذا الحماس قد يكون مبالغاً فيه، ليس فقط بسبب التكاليف، بل أيضاً بسبب اختلاف ظروف التشغيل.
وأوضح لي تشونج-تشي، المدير التنفيذي السابق لشركة طائرات مسيرة، والباحث حالياً في مركز أبحاث DIMEs التايواني، أن تجربة أوكرانيا في البحر الأسود قد لا تكون قابلة للتكرار بسهولة في مياه مضيق تايوان العاصفة.
وقال لي: "لا يمكننا أن ننجر خلف موجة الحماس لمجرد أن هذه التقنية أصبحت رائجة"، مضيفاً: "الاعتقاد بأن المسيرات البحرية يمكن أن تحل محل السفن الحربية هو مجرد تفكير حالم".
وأشار خبير المسيّرات، تشين بو-هونج، إلى أن خبرة تايوان الطويلة في بناء السفن تشكل نقطة انطلاق جيدة لتصنيع الزوارق المسيرة، لكنه أكد أن ما ينقصها هو تقنيات الحمولة القتالية المتقدمة التي تجعل هذه الزوارق أصولاً عسكرية حقيقية، وهنا يمكن أن تلعب الولايات المتحدة دوراً محورياً لسد هذه الفجوة.
غير أن التعاون مع الجيش التايواني، ينطوي على مخاطرة للشركات الأميركية، إذ قد يعرّضها لفقدان الوصول إلى السوق الصينية، وهي مشكلة واجهتها تايوان أيضاً في محاولتها تطوير صناعة محلية للطائرات الجوية المسيرة دون الاعتماد على المكونات الصينية.
ورغم ذلك، أبدى ممثلو الشركات الأميركية المشاركة في معرض سواو استعدادهم لتحمل هذه المخاطر.
وقال لي شيه-تشيانج، رئيس معهد NCSIST، مخاطباً الحضور: "أنا ممتن بشكل خاص للشركات الأجنبية الخمس التي انضمت إلينا اليوم. وأعتقد أنه لن يمر وقت طويل قبل أن تفرض الحكومة الصينية عقوبات عليكم جميعاً .. لكن لا تخافوا، أنتم اخترتم أن تقفوا في صف الحرية والديمقراطية".