
أدى قرار روسيا بإنهاء القيود التي فرضتها على نشر الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، إلى زيادة التوتر في عواصم أوروبية، وفي واشنطن، وسط مخاوف من أزمة نووية.
وأعلنت موسكو هذه الخطوة في أوائل أغسطس الجاري، عقب انسحابها من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى المبرمة عام 1987، بعدما انسحبت منها الولايات المتحدة عام 2019، بحسب موقع Army Technology.
وكانت المعاهدة تهدف إلى الحد من نشر واستخدام الصواريخ الباليستية التي يصل مداها إلى 5500 كيلومتر، والتي وقعتها الولايات المتحدة وروسيا في الأصل عام 1987.
وكانت روسيا طرحت في وقت سابق فكرة نشر صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية في بيلاروس المجاورة، وهي حليف رئيسي لها.
وفي إطار الغزو الروسي لأوكرانيا، والخلاف الأخير بين واشنطن وموسكو بشأن الافتقار إلى التقدم في تأمين وقف إطلاق النار في الصراع المستمر منذ أكثر من 3 سنوات، أعلنت الولايات المتحدة إعادة نشر الغواصات النووية.
وأوضح موقع "Army Technology" أنه بالنظر إلى كل هذه العوامل، فإن فهم الحجم الحقيقي للترسانة النووية الروسية أمر بالغ الأهمية.
عدد الرؤوس النووية الروسية
في أواخر عام 2024، أصدرت وكالة استخبارات الدفاع الأميركية منشوراً يصف القدرات النووية بما سمته "الخصوم الأجانب"، وهو الطبعة الثانية من رسالة سابقة صدرت عام 2018 لمعالجة البرامج الاستراتيجية للصين وروسيا وكوريا الشمالية.
وتعتبر قدرات الصواريخ النووية الروسية متقدمة، إذ تشمل نشر صواريخ باليستية قريبة المدى (CRBM)، وصواريخ كروز تطلق من الأرض (GLCM)، ومركبات انزلاقية فرط صوتية 2(HGV)، وصواريخ باليستية عابرة للقارات (ICBM)، وصواريخ باليستية قصيرة المدى (SRBM)، فضلاً عن القنابل النووية الجاذبية التقليدية، وخيارات التسليم الأخرى للمجال البحري والجوي.
وذكرت وكالة استخبارات الدفاع الأميركية أن روسيا تحتفظ "بأكبر مخزون نووي أجنبي في العالم"، بنحو 1550 رأساً نووياً استراتيجياً على صواريخ باليستية عابرة للقارات، وصواريخ باليستية تطلق من الغواصات، فضلاً عن قوة من القاذفات الثقيلة القادرة على حمل صواريخ كروز تطلق من الجو.
وقالت وكالة استخبارات الدفاع الأميركية إن موسكو تحتفظ أيضاً بمخزون يصل إلى 2000 سلاح نووي، مصممة ليجري دمجها في أنظمة توصيل ذات مدى أقصر من تلك المنصوص عليها في معاهدة "ستارت الجديدة"، والتي يشار إليها أيضاً باسم الأسلحة غير الاستراتيجية.
وجرى توقيع معاهدة "ستارت الجديدة" في عام 2010، وكان الهدف منها الحد من المخزونات النشطة من الأسلحة النووية التي تحتفظ بها الولايات المتحدة وروسيا لمدة 10 سنوات، ثم جرى تمديدها في عام 2021 لمدة 5 سنوات.
ومن المقرر أن تنتهي في عام 2026 دون أي احتمال لتجديدها، لأنها فعلياً أصبحت متوقفة.
ولم تمنع معاهدة "ستارت الجديدة" تطوير أساليب إطلاق جديدة، وهو ما كان من اختصاص اتفاقية الصواريخ النووية المتوسطة المدى.
خيارات روسيا للضربة النووية
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال عام 2018، إن بلاده طورت أسلحة لا يمكن مواجهتها بالتدابير المضادة التي تتخذها أميركا حالياً، بما في ذلك صاروخ Sarmat العابر للقارات، ومركبة Avangard الفرط صوتية، وصاروخ Kinzhal الفرط صوتي، وصواريخ كروز من طراز Skyfall، ونظام Poseidon النووي للضربات تحت السطح.
وذكرت وكالة استخبارات الدفاع الأميركية أن مركبة Avangard جرى دمجها في الصاروخ الباليستي العابر للقارات SS-19 Mod 4، وأن روسيا تواصل نشر الصاروخ الباليستي العابر للقارات SS-27 (RS-24، IOC 2010)، في حين لا يزال الصاروخ الباليستي العابر للقارات Rubezh (RS-26) قيد التطوير.
وبدأ تطوير صاروخ Sarmat الباليستي العابر للقارات عام 2016، وحقق أول إطلاق ناجح عام 2022، ويمكنه حمل أنواع مختلفة من الأسلحة النووية تصل قوتها إلى ميجاطن، ويصل مدى صاروخ Sarmat الباليستي العابر للقارات إلى أي هدف في العالم، فيما يعمل نظام Avangar كسلاح فرط صوتي، وهو مصمم للقضاء على دفاعات الصواريخ الباليستية الأميركية.
ويستخدم النظام معزز صاروخ باليستي عابر للقارات للوصول إلى ارتفاع 100 كيلومتر، مع البقاء بعيداً عن متناول دفاعات الصواريخ الباليستية، ثم يهبط نحو الهدف بسرعة 33 ألف كيلومتر في الساعة.
وتمتلك روسيا أيضاً الصاروخ Kinzhal الفرط صوتي، وهو صاروخ باليستي يُطلق جوًا (ALBM). وتبلغ سرعته 12 ألف و231 كيلومتر في الساعة، ويصل مداه إلى 2000 كيلومتر، وله القدرة على تنفيذ مناورات جوية، واستُخدمت النسخة التقليدية من Kinzhal ضد أهداف متنوعة في أوكرانيا.
وقدمت وزارة الدفاع الروسية صاروخ Skyfall على أنه مزود بمحرك نووي، ما يمنحه نظرياً مدىً عابراً للقارات، بالإضافة إلى قدرته على الطيران لعدة أيام، ولا يزال الصاروخ قيد الاختبار، وشهد عطلاً كارثياً عام 2019، أودى بحياة 5 علماء أثناء عملية استعادته.
وأفادت تقارير بأن جميع الاختبارات التي أُجريت قبل عام 2019 أسفرت عن تحطم، ولم يُعتمد النظام رسمياً للاستخدام القتالي بعد.
وبالإضافة إلى ذلك، تواصل موسكو دعم برنامج الصواريخ المجنحة الأرضية متوسطة المدى القادرة على حمل رؤوس نووية من طراز SSC-8.
هل ستستخدم روسيا الأسلحة النووية؟
تسمح العقيدة الروسية باستخدام الأسلحة النووية بموجب هيكل الإطلاق عند الإنذار (LOW)، وهو أمر مسموح به في حالة التهديد الوشيك من الصواريخ الباليستية، أو غيرها من أسلحة الدمار الشامل، أو ربما الاستخدام المكثف للضربات التقليدية التي يمكن أن تشكل تهديداً وجودياً لسلامة الدولة.
وفي هذا السيناريو، ربما تسعى روسيا إلى تنفيذ ضربة نووية كاملة، وليس مجرد إطلاقها، قبل أن يضربها تهديد نووي حقيقي، أو متصوَّر.
ودفع هذا التحديد الذاتي، لما يمكن اعتباره تهديداً وجودياً، بوتين إلى إطلاق العديد من التهديدات باستخدام الأسلحة النووية في الحرب الدائرة بأوكرانيا، على الرغم من أن المراقبين يعتبرون تلك التهديدات "للاستهلاك الإعلامي المحلي" وليس مؤشراً على حدوث تحول في العقيدة.
ورغم حرب أوكرانيا، "لا تواجه روسيا أي تهديد وجودي، مع أن فصل نظام بوتين عن سلامة أراضي البلاد نفسها سيكون عاملاً بارزاً ينبغي مراعاته"، بحسب موقع "Army Technology".
وبرز أحد أسباب القلق عام 2022 عندما ألمح بوتين إلى أن روسيا ستستخدم الأسلحة النووية في حال تعرض سلامة الأراضي التي استولت عليها، ثم ضمتها، في أوكرانيا لتهديدات.
ومن حيث الإنفاق، شرعت روسيا في تجديد ثلاثيتها النووية لمدة 10 سنوات، وأنفقت نحو 8.6 مليار دولار في عام 2021 وحده، لتطوير قدرة قواتها من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة.