مع تصاعد الخلافات.. ألمانيا تدرس استبعاد فرنسا من مشروع مقاتلات الجيل القادم الأوروبية

برلين تبحث خيارات مشاركة بريطانيا أو السويد أو الاستمرار وحدها

time reading iconدقائق القراءة - 9
نموذج لمقاتلة أوروبية من الجيل القادم والتي يعتزم تحالف للصناعات الدفاعية ألماني فرنسي إسباني تحت مظلة نظام القتال الجوي المستقبلي FCAS إنتاجها. 23 يوليو 2021 - X.com/AirbusDefence
نموذج لمقاتلة أوروبية من الجيل القادم والتي يعتزم تحالف للصناعات الدفاعية ألماني فرنسي إسباني تحت مظلة نظام القتال الجوي المستقبلي FCAS إنتاجها. 23 يوليو 2021 - X.com/AirbusDefence
دبي -الشرق

تدرس ألمانيا إمكانية استبعاد فرنسا من مشروع مقاتلات الجيل القادم الأوروبية، واستبدالها بشركاء جدد، في حال عدم التوصل إلى اتفاق قبل نهاية العام الجاري، وذلك في ظل تصاعد التوترات مع باريس بشأن هذا البرنامج الدفاعي الأبرز في القارة العجوز، والذي تُقدّر قيمته بنحو 100 مليار يورو، وفق مجلة "بوليتيكو".

وذكرت المجلة الأميركية، الخميس، أن نظام القتال الجوي المستقبلي FCAS، الذي أُطلق في عام 2017 بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل، يهدف إلى استبدال مقاتلتي "رافال" الفرنسية، و"يوروفايتر تايفون" بحلول عام 2040، ويضم في شراكته الحالية كلاً من فرنسا وألمانيا وإسبانيا.

وعلى الرغم من أن الخلافات بشأن برنامج FCAS ليست جديدة، فإن حجم الإحباط المتزايد داخل برلين يثير قلقاً حقيقياً حول مستقبل المشروع، خاصةً في وقت تسعى فيه أوروبا إلى تعزيز دفاعاتها في مواجهة التهديدات المتصاعدة من روسيا.

ونقلت المجلة عن مصادر مطلعة على المناقشات، أن وزارة الدفاع الألمانية، أثارت هذا الملف خلال محادثات أُجريت الأسبوع الماضي مع شركة Airbus، المسؤولة عن الجزء الألماني من تطوير وتصنيع المقاتلة.

وكشفت تلك المحادثات عن "استياء واضح" في برلين مما يعتبره مسؤولون ألمان "محاولة من جانب الصناعة الفرنسية للحصول على دور أكبر داخل المشروع"، ما دفع ألمانيا إلى بحث خيارات بديلة، قد تشمل استبعاد فرنسا والمضي في البرنامج مع شركاء آخرين.

ووفق المصادر نفسها، فقد أبلغت الحكومة الألمانية، شركة Airbus، بأنها تدرس إمكانية توسيع التعاون مع السويد أو بريطانيا، أو حتى الاستمرار في الشراكة مع إسبانيا فقط.

وأفاد مسؤول في البرلمان الألماني، بأن ممثلين عن القوات الجوية الألمانية، أطلَعوا أعضاء البوندستاج (البرلمان) على آخر مستجدات البرنامج في وقت سابق من الأسبوع الجاري.

ونقلت "بوليتيكو" عن النائب في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أندرياس شوارتز، قوله: "في مرحلةٍ ما، سيضطر البرلمان الألماني إلى اتخاذ قرار: إما أننا بحاجة إلى هذه المقاتلة أو لا"، محذراً من أن "الإنتاج لم يبدأ بعد، ومن المرجح ظهور العديد من المشكلات غير المتوقعة".

تسوية الخلافات

وبحسب المجلة، فقد اتفقت باريس وبرلين في يوليو الماضي، على محاولة تسوية الخلافات خلال فصل الخريف (من سبتمبر إلى ديسمبر)، والتوصل إلى قرار نهائي قبل نهاية العام الجاري بشأن الانتقال إلى المرحلة الثانية من المشروع، التي تتضمن تطوير نموذج أولي للمقاتلة.

واعتبرت "بوليتيكو"، أن فتح المشروع أمام شركاء جدد يمثل "تحولاً جذرياً" في استراتيجيته.

وتقود بريطانيا برنامجاً منافساً يُعرف باسم "برنامج القتال الجوي العالمي" GCAP، من خلال شركة BAE Systems، ما يمنحها قاعدة صناعية قوية في تصميم تقنيات التخفي ودمج الأنظمة. إلا أن المجلة أوضحت أنه لم يتضح بعد كيف يمكن لشركة BAE العمل في مشروعين متنافسين دون تعارض في المصالح.

أما السويد، فلم تعد جزءاً من برنامج GCAP، وقد تساهم في مشروع FCAS من خلال شركة Saab، المنتجة لمقاتلة Gripen، والتي تمتلك خبرة واسعة في مجالات الإلكترونيات الجوية، وأجهزة الاستشعار، وهياكل الطائرات خفيفة الوزن. ومن المقرر أن يزور وزير الدفاع السويدي، بول جونسون، برلين، الأسبوع المقبل.

وأشار المجلة في نسختها الأوروبية، إلى أن النقاشات داخل ألمانيا تعكس حجم الغضب المتصاعد من الجمود الصناعي بين شركة Dassault، التي تقود الجانب الفرنسي من المشروع، وشركة Airbus Defence & Space، بشأن مسائل القيادة وتقاسم التكنولوجيا وتوزيع أعمال الإنتاج. ويُذكر أن الشريك الصناعي لإسبانيا في المشروع هو شركة Indra.

وقالت "بوليتيكو"، إن مشروع FCAS لا يقتصر على تطوير طائرة مقاتلة فقط، بل يُصوّر على أنه منظومة متكاملة تُعرف باسم "نظام أسلحة الجيل القادم" NGWS، وتضم مقاتلة من الجيل القادم، وطائرات مسيّرة، بالإضافة إلى ارتباط مباشر بالأنظمة السحابية الرقمية.

ومن المقرر عقد اجتماع ثلاثي لوزراء دفاع ألمانيا وفرنسا وإسبانيا في أكتوبر المقبل، فيما تتواصل الاجتماعات الفنية الدورية بين قطاع الصناعات الدفاعية والمسؤولين الحكوميين ووكالات شراء الأسلحة، رغم الأزمة السياسية الراهنة في فرنسا، وذلك من أجل إعداد خيارات يمكن عرضها على الوزراء المعنيين.

ومن أبرز الملفات العالقة، بحسب "بوليتيكو"، مسألة تقاسم الأعمال داخل المشروع، والتي كان من المفترض أن تُوزّع بالتساوي بين فرنسا وألمانيا وإسبانيا.

وكان موقع Hartpunkt الألماني المتخصص في الشؤون الدفاعية، قد كشف خلال الصيف، أن شركة Dassault تضغط للحصول على حصة 80% من أعمال تطوير منظومة NGWS، وهو ما أثار غضباً في الأوساط الألمانية.

جهود ألمانية فرنسية لتوحيد المواقف

وفي مؤتمر صحافي، الأربعاء الماضي، صرَّح ستيفان كورنيليوس، المتحدث باسم المستشار الألماني فريدريش ميرتس، بأن برلين وباريس لا تزالان تسعيان لتوحيد مواقفهما، لكنه شدّد في الوقت ذاته على أن موقف ألمانيا واضح.

وأضاف كورنيليوس: "يجب توزيع الأعباء والأعمال في هذا المشروع الدفاعي وفقاً للعقد"، مضيفاً أنه "لا يوجد خلاف" بين برلين ومدريد.

وكان ميرتس قد التقى رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في مدريد، الخميس، حيث ناقشا آخر مستجدات مشروع FCAS. وقال المستشار الألماني: "نتفق على أن الوضع الحالي غير مرضٍ. نحن لا نحرز تقدماً في هذا المشروع. وكلانا يجري محادثات مع الحكومة الفرنسية، ونرغب في التوصل إلى حل بأسرع وقت ممكن".

ونفى مسؤولون فرنسيون، أن تكون شركة Dassault طالبت بالحصول على 80% من الأعمال ضمن مشروع NGWS، إلا أن الشركة أكدت في المقابل أنها تسعى للحصول على صلاحيات أوسع في اتخاذ القرارات المتعلقة بالمنظومة، بهدف تجنّب الحاجة إلى استشارة شركتي Airbus وIndra في كل مرحلة من مراحل التطوير، محذرة من أن آلية العمل الحالية قد تؤدي إلى تأخيرات في التسليم.

ونقلت المجلة عن مسؤول فرنسي مشارك في المشروع قوله: "هل تُعدّ الهيكلية الحالية، التي تقوم على تقاسم ديمقراطي للغاية للعمل والإدارة، هي الخطة الأكثر فاعلية؟ هذا سؤال طرحناه على الألمان والإسبان، ولا أحد يستطيع أن يثبت أن التنظيم الحالي، ومن دون قيادة واضحة، سيمكننا من تسليم المقاتلة في الموعد المحدد عام 2040".

وأشارت "بوليتيكو"، إلى أن أحد الخيارات المطروحة هو الإبقاء على التقسيم الثلاثي الحالي (حوالي 33% لكل دولة)، مع إدخال تعديلات على آليات الإدارة لتسريع عملية اتخاذ القرار.

وأضاف المسؤول الفرنسي: "هل يمكننا تعديل الإدارة الحالية لضمان اتخاذ قرارات أسرع وأكثر وضوحاً؟ لا توجد إجابة قاطعة حتى الآن، لكن جميع الأطراف المعنية تُظهر قدراً كبيراً من المرونة".

وشدد على أن باريس، لا تزال ملتزمة التزاماً كاملاً بإيجاد حل. وتابع قائلاً: "هناك خطة واحدة فقط وهي تنفيذ نظام FCAS، وعلينا إيجاد طريقة لتحقيق ذلك".

سباق مع الزمن

ووفق المجلة، لم تتخذ برلين بعد قراراً رسمياً بالمضي قدماً في "خطة بديلة"، لكن المسؤولين الألمان يشددون على ضرورة الإسراع في اتخاذ القرار.

ورفضت وزارة الدفاع الألمانية، الرد على طلب المجلة الحصول على تعليق على مستجدات المشروع، مكتفية بالإشارة إلى التصريحات التي أدلى بها كورنيليوس.

وتأتي هذه التطورات في ظل اضطرابات سياسية تشهدها باريس، حيث انهارت حكومة رئيس الوزراء السابق فرانسوا بايرو بعد تصويت بحجب الثقة، وتولى سيباستيان لوكورنو رئاسة الوزراء.

ويُنظر في برلين إلى لوكورنو، الذي شغل سابقاً منصب وزير القوات المسلحة الفرنسية، باعتباره الشخصية الوحيدة القادرة على إقناع شركة Dassault بالعودة إلى طاولة المفاوضات.

واختتمت المجلة تقريرها بالقول، إن المسؤولين الألمان يراقبون مواقف لوكورنو عن كثب خلال المرحلة المقبلة، فإن استخدم نفوذه الجديد لدفع Dassault نحو التوصل إلى تسوية مع Airbus، فقد ينتقل المشروع إلى مرحلته التالية. أما إذا أيّد الموقف المتشدد الذي تتبناه الشركة الفرنسية بشأن تقاسم الأعمال والقيادة، فإن البدائل التي تدرسها برلين، سواء بالتعاون مع بريطانيا أو السويد، أو حتى عبر مسار منفرد، قد تكتسب زخماً متزايداً.

تصنيفات

قصص قد تهمك