نجح الجيش الأميركي في استخدام خوارزمية جديدة لمراجعة ملفات جميع الضباط المرشحين لقيادة وحدات عسكرية، إذ تم تقليل الفترة الزمنية اللازمة لهذا الاختيار من شهرين إلى أقل من 18 ساعة.
وتوجه قسم الموارد البشرية في الجيش الأميركي، في الفترة الأخيرة، إلى تطبيق خوارزمية التعلم الآلي لمراجعة ملفات جميع الضباط المتنافسين على برنامج تقييم القيادة (CAP)، ومن ثم إنشاء قائمة رسمية من المرشحين يجتازون الاختبارات، وأخيراً اختيار الأكثر كفاءة لقيادة الكتائب العسكرية في السنة المالية 2025، وفق تقرير لموقع "Defense Scoop".
هذه هي المرة الأولى التي تعتمد فيها خلية الابتكار التابعة للقيادة العسكرية في الولايات المتحدة، على الأتمتة لإعداد القائمة الرئيسية لفحص ملفات الضباط الكبار القادرين على التنافس في برنامج تقييم القيادة.
والفريق الذي يدير خلية الابتكار، يعمل أيضاً على استكشاف مجموعة متنوعة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي الأخرى، والتي يمكن أن تسهم في تحسين وتسريع عمليات الموارد البشرية في المؤسسات التنظيمية. ومن الممكن أن تشهد المستقبل القريب تطورات إضافية في هذا المجال بفضل تلك التقنيات المبتكرة.
مرحلة أولية لتطوير البرنامج
استغرق المشروع الذي أُطلق عليه "قائمة الاختيار المركزية الآلية" (AutoCSL)، سنوات عدة ليصل إلى هذه المرحلة، وهي خطوة تراها الكولونيل كريستين سالينج، مديرة خلية الابتكار بالجيش، ضرورية بالنظر إلى أن "عملية الاختيار شاقة للغاية".
وقد تستغرق هذه العملية أسابيع لحين إنهاء عدد من كبار الضباط إجراءات المنافسة. وبعد الكثير من الإعداد، يُسافرون إلى قاعدة "نوكس" العسكرية، ويجلسون في غرفة الاجتماعات لفحص ومراجعة هذه الملفات يدوياً، وبناء عليه يُقرر 10 من كبار الضباط من سيشارك في هذه المنافسة.
وتُؤثر هذه الخوارزمية المستخدمة في المشروع على المرحلة الأولية في عملية المراجعة، كخطوة فرز أولية لاستبعاد المرشحين غير المؤهلين، لاستكمال عملية المنافسة.
وتشرح سالينج: "في حالة برنامج تقييم قيادة الوحدات العسكرية، نختار جميع الضباط المؤهلين من الفروع المعنية، ونقوم بتدوين ذلك حتى تكون لدينا قائمة المنافسين. وأولئك الذين لديهم ملفات أقوى، يتلقون الدعوة للمنافسة".
بدوره، قال الميجور توم ماليكو، أحد القائمين على "خلية الابتكار"، إن المرحلة التالية، وهي برنامج تقييم القيادة (CAP)، تستهلك الكثير من الوقت والجهد الذي يحتاجه الجيش بعد تحديد المرشحين المحتملين، وبالتالي، فإن استخدام الخوارزمية لا يُعنى بالاختيار في حد ذاته، بل بتوفير الوقت للقادة لاتخاذ القرار بشأن الاختيار الأفضل.
"مراعاة النساء والأقليات"
وقام الفريق التقني المكلف بالتركيز على المجالات التي تهم القائمين على تقييم كبار الضباط. وبالإضافة إلى ذلك، احتفظ الفريق على بعض المعلومات الديموغرافية المحددة، مثل التفرع والعرق وجنس المرشحين المحتملين، بهدف تقدير وفحص أي تحيز قد يظهر في النهاية عند استخدام الخوارزمية.
وأوضحت التقرير أن القائمين على الخوارزمية راعوا ضمان إدخال ملفات النساء والأقليات في المنافسة، إذ أن هناك العديد من التعقيدات المرتبطة بالمشكلات النظامية في الجيش الأميركي، ما يجعل هاتين الفئتين أقل تمثيلاً في مواقع الأسلحة القتالية، لا سيما سلاح المشاة، والمدرعات، والمدفعية، والطيارين المقاتلين. وبالتالي من الصعب ترقيتهم إلى المناصب العليا.
وراجع فريق قيادة الموارد البشرية في الجيش الأميركي عدداً من نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية مفتوحة المصدر لاستخدامها، واختار في النهاية نموذجاً يُعرف باسم "الغابة العشوائية" أو "Random Forest".
وبشكل عام، يُشير نموذج "الغابة العشوائية" إلى تقنية التعلم الآلي (أو الخوارزمية) التي تُنشئ مجموعة قرارات على شكل فروع الأشجار، يعمل كل فرع بشكل مستقل، ثم يتم تجميع نتائجها في ناتج نهائي واحد.
ويوضح الميجور توم ماليكو أن النموذج بسيط نسبياً مقارنة بـ"ChatGPT" أو "Bard AI"، لكنه يسمح بالنظر في التفاصيل والكيفية، بما يُمكّن فريقه من معرفة سبب قيام النموذج بتوليد نتائج محددة، وهو ما لاقى ترحيباً من كبار القادة العسكريين، الذين يرغبون في معرفة الدافع وراء اختيارات الخوارزمية.
وهذا يعني، بحسب التقرير، أنه إذا أظهر النظام سلوكاً غير طبيعي، يُمكن للبشر التدخل وإزالة أي بيانات تُسبب في حدوث خطأ، قبل أن تتحول إلى مشكلة كبيرة تنشرها الخوارزمية.
وأجرى الفريق تدريباً للنموذج على حوالي 300 ألف تقييم حقيقي سابق قام به البشر، وكان التشابه بين النتيجة الخوارزمية والبشرية 96.4%. كما رشح "AutoCSL" أيضاً تقريباً نفس عدد الترشيحات التي أنجزها الموظفون في السنوات السابقة.
تقييم عادل
الكولونيل كريستين سالينج، أكدت أن الهدف النهائي لفريقها ليس استبعاد العنصر البشري من عملية الاختيار، بل توفير الوقت لكبار القادة للقيام بالأشياء التي يُجيدها البشر بطبيعتهم، مثل اتخاذ قرارات معقدة.
وقام قادة الجيش الأميركي باستبدال أكثر من 12 مرشحاً في قائمة المدعوين للترشح التي أنشأها الذكاء الاصطناعي.
وأفاد الميجور ماليكو، أن العنصر البشري يُمكنه التدخل إذا شعر أن الخوارزمية قد أغفلت أحد الأعضاء الواعدين، لافتاً إلى أن "كل ما تحاول الخلية تحقيقه، هو زيادة كفاءة العملية لإتاحة المزيد من الوقت للمرشحين المتنافسين".
وكان الميجور وفريقه قد أجروا أبحاثاً واختبارات موسعة على النتائج الغريبة، وخاصة حين يسجل النموذج شيئاً مختلفاً تماماً عن الطريقة التي قام بها المراجعون البشريون.
وأوضحت سالينج أن هناك أوقاتاً اكتشف فريقها أشياء فاتت المراجع، بينما في حالات أخرى تسببت فيها معالج اللغة إلى استبعاد أحد الضباط؛ بسبب لغة التقييم السيئة، لكن بصفة عامة، كان النموذج الآلي "أكثر إنصافاً في مناسبات عدة"، وفق قولها.
الجدير بالذكر أن النموذج الذي تم نشره ليس نموذجاً يتمتع باستمرارية التعلم، بل تم تدريبه إلى نقطة معينة فقط، على أن يستمر تدريبه للمراحل الأخرى حتى آخر العام، وفق التغيرات السريعة في الجيش.
ومع إحراز تقدم في هذا الإطار، يقوم المسؤولون في خلية الابتكار أيضاً باستخلاص البيانات من جميع أنحاء المؤسسة العسكرية، وتحديد الفرص الأخرى لاستخدام الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة فيها، بهدف تسريع الخروج بالنتائج المتعلقة بشؤون الجيش وتعزيزها.