صراع تحت الماء.. الصين تنهي عصر الهيمنة المطلقة للغواصات الأميركية

توصل بكين لتكنولوجيا تقلل ضجيج محركات الغواصات شكل عاملاً حاسماً

time reading iconدقائق القراءة - 8
غواصات صواريخ باليستية صينية من طراز 094A Jin تعمل بالطاقة النووية خلال استعراض عسكري في بحر الصين الجنوبي. 12 أبريل 2018 - Reuters
غواصات صواريخ باليستية صينية من طراز 094A Jin تعمل بالطاقة النووية خلال استعراض عسكري في بحر الصين الجنوبي. 12 أبريل 2018 - Reuters
دبي-الشرق

على مدى عقود، لم تكن الولايات المتحدة بحاجة إلى أن تشعر بقلق كبير بشأن الغواصات الصينية، لأنها كانت تصدر صوتاً صاخباً ويسهل تتبعها، بينما كان الجيش الصيني يواجه صعوبات في اكتشاف الغواصات الأميركية التي تتحرك في صمت تام، لكن يبدو أن هناك تطورات تشير إلى أن "عصر هيمنة واشنطن المطلقة تحت المياه المحيطة بالصين ينتهي"، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

أوضحت الصحيفة الأميركية أن بكين تعمل حالياً على تضييق واحدة من أكبر الفجوات التي تفصل بين الجيشين الأميركي والصيني، مؤكدة أنها "تحرز تقدماً في تكنولوجيا الغواصات، وقدرات المراقبة تحت سطح البحر، ما يؤثر بشكل كبير على التخطيط العسكري الأميركي حال وقوع صراع في تايوان".

وفي وقت سابق من العام الجاري، أظهرت صور التقطتها الأقمار الصناعية أن الصين دشنت غواصة هجومية تعمل بالطاقة النووية ومزودة بنظام دفع بالمضخات النفاثة بدلاً من المحركات المروحية، وهي المرة الأولى التي ترصد فيها تقنية الحد من الضوضاء، المستخدمة في أحدث الغواصات الأميركية، في غواصة صينية.

وقبل ذلك ببضعة أشهر، أظهرت صور ملتقطة بالأقمار الاصطناعية لقاعدة تصنيع غواصات تعمل بالطاقة النووية في مدينة هولوداو، شمال شرق الصين، أجزاء من جسم غواصة في المجمع. وكان هذا الجسم أكبر من أي غواصة صينية موجودة حالياً، كما انتهت بكين من قاعة بناء حديثة ثانية داخل المجمع عام 2021، ما يشير إلى وجود خطط لزيادة الإنتاج، بحسب الصحيفة.

"سور الصين العظيم تحت الماء"

وفي الوقت ذاته، أصبح غرب المحيط الهادي أكثر خطورة بالنسبة للغواصات الأميركية، إذ تمكنت الصين -أو اقتربت من الانتهاء - من بناء العديد من شبكات أجهزة الاستشعار تحت الماء في بحر الصين الجنوبي ومناطق أخرى حول الساحل الصيني.

وتعمل هذه الشبكات، التي تعرف باسم "سور الصين العظيم تحت الماء"، على تحسين القدرة على اكتشاف غواصات العدو، وفقاً لوثائق عسكرية وأكاديمية صينية.

وقالت "وول ستريت جورنال" إن قدرة جيش التحرير الشعبي الصيني على العثور على غواصات العدو تحسنت بعد إضافة طائرات ومروحيات استطلاع، تلتقط المعلومات من أجهزة الموجات الصوتية المثبتة على العوامات في البحر.

وأضافت أن معظم القوات البحرية الصينية لديها الآن القدرة على استخدام أجهزة تنصت تحت الماء، تعرف باسم السماعات المائية أو "الهيدروفون".

وفي أغسطس الماضي، أجرت الصين تدريبات على مطاردة الغواصات في بحر الصين الجنوبي. واستخدمت في هذه التدريبات، التي استمرت لأكثر من 40 ساعة، طائرات استطلاع مضادة للغواصات من طراز "واي-8". وقبل بضعة أسابيع من ذلك، أجرت القوات البحرية الصينية والروسية تدريبات مشتركة ضد الغواصات في بحر بيرنج، قبالة سواحل ألاسكا.

وقالت الصحيفة إن هذه التطورات تعني أن عصر الهيمنة المطلقة للولايات المتحدة تحت المياه المحيطة بالصين ينتهي. 

وفي السنوات الماضية، وسعت الصين أسطولها السطحي، والذي يتفوق الآن على نظيره الأميركي من حيث عدد السفن، لكن السفن الصينية أصغر حجماً وأقل تطوراً بشكل عام. 

المحيط الهادئ في قلب الصراع

واستجابة لذلك، رفعت الولايات المتحدة حجم قواتها البحرية في المحيط الهادئ، ونشرت بعضاً من سفنها وطائراتها الأكثر تقدماً، كما زادت من وتيرة العمليات البحرية في المنطقة، وعززت التنسيق مع أساطيل الحلفاء، مثل اليابان.

ويرى كريستوفر كارلسون، وهو ضابط سابق في البحرية الأميركية، أن الولايات المتحدة تحتاج أيضاً إلى استراتيجيات جديدة تحت سطح البحر لمواجهة خصم أكثر قوة.

وقال كارلسون إن بلاده تحتاج إلى المزيد من الموارد -مثل طائرات الاستطلاع والغواصات الهجومية- لتحديد مواقع، وتتبع، واستهداف جيل جديد من الغواصات الصينية الأقل ضجيجاً.

وأضاف أن "تداعيات ذلك على الولايات المتحدة وحلفائنا في المحيط الهادئ ستكون شديدة".

وغالباً ما تستند عمليات المحاكاة التي يجريها الجيش الأميركي لأي غزو صيني محتمل لتايوان، إلى افتراض بأن الغواصات الأميركية ستحاول إغراق سفن الأسطول الصيني المهاجم.

ويُمكن أن يساعد تدمير السفن الصينية على تمكين تايوان من الدفاع عن نفسها بشكل أفضل، لكن وجود تهديد أكبر للغواصات الأميركية من شأنه أن يعقد هذه المهمة، حسبما ذكرت الصحيفة. 

وقال برنت سادلر، وهو ضابط سابق في البحرية الأميركية، إن الاقتراب من مضيق تايوان قد يصبح أكثر خطورة إذا كُلفت الغواصات الصينية التي تعمل بالطاقة النووية بمطاردة غواصات الولايات المتحدة وحلفائها شرق تايوان.

وأظهرت أبحاث أكاديمية أن الصين تعمل على تطوير تقنيات أخرى للحد من ضجيج الغواصات، مثل مواد جديدة لجسم الغواصات ومفاعلات نووية أكثر كفاءة للدفع، وفقاً للصحيفة.

ويتوقع كارلسون، الضابط السابق في البحرية الأميركية، أن تكون الغواصات الصينية الجديدة هادئة مثل الغواصات الهجومية الروسية "آكولا"، والتي لا تزال في الخدمة منذ تشغيلها في تسعينيات القرن الماضي وحتى الآن.

وقال كارلسون: "العثور على مركبة مائية بهذا الهدوء سيكون أمراً صعباً للغاية".

سباق التسلح

وأوضحت "وول ستريت جورنال" أن الصين تحصل على جزء كبير من تكنولوجيا الغواصات الحالية من تفكيك غواصات تعمل بالديزل والكهرباء سبق أن اشترتها من روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

وأثار تقارب العلاقات العسكرية بين موسكو وبكين في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا مخاوف من أن روسيا قد تكون على استعداد لمشاركة بعض التقنيات المتقدمة الخاصة بالغواصات مع الصين، ولكن لم تظهر أي مؤشرات واضحة على حدوث عمليات نقل من هذا النوع.

وسلط التقدم الذي أحرزته الصين أخيراً، الضوء على العجز الذي تواجهه الولايات المتحدة في أسطول الغواصات الخاص بها، وبدأت البحرية الأميركية في نقل المزيد من الغواصات إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتقول إنها تحتاج إلى 66 غواصة هجومية تعمل بالطاقة النووية لتنفيذ المهام العالمية، حسبما ذكرت الصحيفة.

وتمتلك الولايات المتحدة 67 غواصة تعمل بالطاقة النووية، من بينها 49 غواصة هجومية فقط، وأرجعت "وول ستريت جورنال" هذا الانخفاض في عدد الغواصات الهجومية إلى تراجع عمليات البناء بعد نهاية الحرب الباردة.

ومن المتوقع أن يتقلص حجم الأسطول الأميركي من الغواصات الهجومية إلى 46 غواصة بحلول عام 2030 مع خروج الغواصات القديمة من الخدمة، وسيرتفع عدد الغواصات إلى 50 بحلول عام 2036 إذا ارتفع معدل الإنتاج السنوي إلى غواصتين من 1.2. ويشير السيناريو الأكثر تفاؤلاً إلى وصول عدد الغواصات إلى 66 غواصة بحلول عام 2049. 

تصنيفات

قصص قد تهمك