منذ هجوم 7 أكتوبر، حشدت إسرائيل غالبية قوات الاحتياط، وأعلنت عن أهداف عمليتها العسكرية، والتي كان أبرزها القضاء على حركة "حماس"، وترتيب وضع أمني جديد في قطاع غزة الذي يسكنه أكثر من 2.3 مليون فلسطيني، أي نحو 70% من النازحين عقب حرب 1948 المعروفة عربياً بـ"النكبة"، ولدى إسرائيل بـ"حرب الاستقلال".
واكتشفت قادة الجيش الإسرائيلي مدى صعوبة تحقيق أهدافهم المعلنة مع استعار المواجهة مع مقاتلي حركة حماس، حتى في منطقة شمال غزة، التي قال الجيش الإسرائيلي إنه بات يسيطر عليها، بينما حرصت الحركة الفلسطينية على تسليم مجموعة من المحتجزين لديها، بموجب صفقة لتبادل الأسرى مع حماس، في منطقة شمال غزة وفي وضح النهار، وعلى مرأى ومسمع من العالم.
ومع استئناف الحرب بعد فشل تمديد الهدنة لفترة إضافية، بات من المهم الوقوف على مهام ومواقع تمركز القوات الإسرائيلية في غزة.
الحشد الكبير.. كل المدافع نحو القطاع
حشدت إسرائيل، بحسب دراسة لمعهد شؤون الأمن العالمي والدفاع وحصلت عليها "الشرق" حصرياً، عدداً ضخماً من القوات المُدرعة، داخل قطاع غزة ومحيطه، تمثلت في 3 فرق مدرعة وفرقة اقتحام جوي.
إلى جانب ذلك، استدعت تل أبيب 6 ألوية مدرعة وميكانيكية ومشاة مختلفة، بهدف ضمان القدرة على إدارة عملية عسكرية واسعة ضد الفصائل الفلسطينية وفرض السيطرة على القطاع، فضلاً عن القيام بعمليات تطهير مسار القوات من الألغام.
ورصدت الدراسة نشر الجيش الإسرائيلي "اللواء 460"، وهو لواء مدرع مستقل، و"اللواء 205" من الفرقة المدرعة 146 ضمن القوات، ونشر أيضاً "اللواء 474"، وهو لواء ميكانيكي يتبع الفرقة 210 ميكانيكي، واللواء 11 مشاة ميكانيكي، وهو لواء مدعوم بالمدرعات خاصة من طراز "النمر"، ويتبع الفرقة 99 ميكانيكي الإسرائيلية.
أما على مستوى قوات المشاة، فحشد الجيش اللواء المستقل رقم 838، فضلاً عن اللواء المختلط، وهو لواء متخصص في البحث والإنقاذ، ويتكون من 4 كتائب هي "498 شاحار" (مجندين ومجندات)، و489 المعروفة باسم "كتيبة كيديم"، فضلاً عن كتيبة "894 تافور"، وأخيراً كتيبة 668 المعروفة باسم "كتيبة رام"، والتي كانت تعمل من قبل على الحدود المصرية والأردنية، وفي الضفة الغربية.
اتجاهات القوات.. طريق الرصاص
وخصص الجيش الإسرائيلي اتجاهات رئيسية منذ بداية الغزو البري للقطاع في 27 و28 أكتوبر، بحيث تتحرك كل فرقة مدرعة في اتجاه ضربة رئيسية.
وبحسب المعهد، فإن الفرقة 162 مدرعة المعروفة باسم "فرقة الصلب"، وهي واحدة من أقوى الفرق المدرعة الإسرائيلية، تولت الهجوم على بيت حانون، وبيت لاهيا شمالي القطاع، من الاتجاهين الشمالي والشمالي الشرقي.
وتضم الفرقة 162، بخلاف اللواء المدرع 401، الذي شكل القوة المدرعة الضاربة للفرقة، كلاً من "اللواء 84 جفعاتي، واللواء 933 ناحال"، وكل منهما لواء ميكانيكي.
واللافت أن "لواء ناحال"، وهو لواء من قوات النخبة الأكثر تدريباً في إسرائيل، دفعت به القيادة العسكرية في هجوم 2014 على القطاع، للسيطرة على مناطق في بيت حانون أيضاً، وخاض معارك عنيفة مع كتائب "القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس".
أما "اللواء 84 جفعاتي" فهو أحد أقدم ألوية النخبة في إسرائيل، ويضم كتائب عمليات خاصة، مثل الكتيبة 846 المعروفة باسم "شوعالي شيمشون" (ثعالب شمشون)، وهي قوات تلقت تدريباً متقدماً يستغرق عاماً وشهرين في مكافحة الإرهاب والاستطلاع والتخريب والقنص.
فيما يتمتع اللواء بوحدات هندسة عسكرية متخصصة مثل "وحدة دوليف" الهندسية.
وعلى المحور نفسه، نشرت إسرائيل اللواء 460، وهو لواء مدرع مستقل، لمعاونة الفرقة.
وكان محور الشمال شهد أكثر مواقع القتال شراسة، وأعلنت "حماس"، في 26 نوفمبر، خسارة قائد لواء الشمال وعضو المجلس العسكري للحركة أحمد الغندور، وعدد من قيادات الجناح العسكري خلال المعارك.
وبحسب الدراسة، نشرت إسرائيل أيضاً الفرقة 36 مدرع (احتياطي) المعروفة باسم "فرقة الغضب"، وهي واحدة من أكبر التشكيلات المدرعة العاملة في الجيش الإسرائيلي، وتضم لواءين مدرعين، هما السابع مدرع و188 مدرع، المعروف باسم "لواء باراك"، فضلاً عن اللواء جولاني، وهو اللواء المعروف باسم "اللواء رقم 1"، ويُعد أقوى ألوية قوات النخبة الإسرائيلية.
وتخدم الفرقة 36 مدرع في نطاق المنطقة الشمالية، لكن الجيش الإسرائيلي نقل التشكيل إلى منطقة العمليات في غزة، لتدعيم قدراته البرية لغزو القطاع، خاصة مع دعم الفرقة باللواء 205 من الفرقة 146 مدرع، كما نشر فرقة غزة، وهي الفرقة 252 مدرع.
وكانت فرقة غزة، وهي الفرقة 252 مدرع (احتياطي) إحدى النقاط الرئيسية التي استهدفتها هجمات "حماس" في 7 أكتوبر، وكانت الفرقة من قبل تسمى "فرقة سيناء". وتضم اللواءين 10 و14 مدرع.
كما نشر الجيش اللواء 474، وهو لواء ميكانيكي تابع للفرقة 210 ميكانيكي، فضلاً عن اللواء 11 مشاة ميكانيكي من الفرقة 99. وكذلك اثنين من ألوية قوات المظلات، هما 35 و551 من الفرقة 98 المتخصصة في الاقتحام الجوي.
خارطة المهام وخطوط الاشتباك
وزع الجيش الإسرائيلي، بعد الحشد الضخم لقواته، الفرق على اتجاهين رئيسيين للغزو البري في المرحلة الأولى، أول هذه الاتجاهات هو الاتجاه الشمالي، والثاني هو الاتجاه الشرقي.
وفي الاتجاه الشمالي، تمتد خطوط الجيش من شمال القطاع نحو المحور الساحلي، في اتجاه شارعي الرشيد والممتد لشارع أحمد عرابي على ساحل البحر المتوسط.
وبحسب الدراسة، فإن "جفعاتي" من الفرقة 162 مدرع، بالتعاون مع اللواء 460 المدرع المستقل، وبالإضافة إلى مجموعة قتالية من اللواء 474 ميكانيكي/ الفرقة 210 ميكانيكي، حصلت على مهمة للتقدم من اتجاه الشمال إلى الجنوب تجاه مخيم "الشاطئ"، ومع استكمال تدمير قدرات الفصائل الفلسطينية، وتأمين طريق الرشيد الساحلي والاتصال مع قوات اللواء 401 مدرع التي تعمل جنوب نطاق عمل القوات.
وفي الوقت نفسه، انتهت مهام القتال للواء 48 جولاني، و460 مدرع مستقل في مناطق التوام والصفطاوي غربي جباليا، فيما تحرك "نحال" من شمال مخيم الشاطئ إلى غرب جباليا، ومعه اللواء 11 مشاة ميكانيكي، بينما تقدم اللواء 10 مدرع مدعوماً بقوات المظلات إلى جباليا بهدف تأمين المناطق التي تم الاستيلاء عليها.
أما في منطقة الشيخ رضوان، فيتحرك اللواء 401 مدرع/ الفرقة 162 مدرع باتجاه الجنوب عبر حي النصر وصولاً إلى المربع الأمني بمدينة غزة غربي القطاع، فيما تنتشر قوات اللواء 84 جفعاتي واللواء 460 مدرع للاشتباك في المنطقة القريبة من المربع الأمني والمستشفيات، مع تولي مهمة تأمين امتداد شارع الرشيد الساحلي (وشارع أحمد عرابي) لإنجاز الاتصال بقوات الفرقة 36 مدرع التي تعمل على الساحل جنوباً.
محور إيريز/ طريق صلاح الدين.. الدروع الثقيلة
وفي هذه المنطقة، حشدت تل أبيب قوات مشتركة مدرعة مدعومة بقوات مظلات من الفرقة 98 بر/ جو، وتولى اللواء 14 مدرع/ الفرقة 252 مدرع مهمة العمل باتجاه بيت حانون، فيما انطلق اللواء 205 مدرع/ الفرقة 146 مدرع مع كتيبة من لواء جولاني وكتيبة من اللواء 35 مظلات للعمل باتجاه بيت لاهيا شمالي القطاع.
وتستهدف مجموعات القتال الإسرائيلية في كل من بيت حانون وبيت لاهيا القريبتين من الحدود الشمالية لقطاع غزة، مهمة تدمير قوات ومعدات الفصائل الفلسطينية في المنطقتين، وعزل كل منهما عن الأخرى.
فضلاً عن ذلك، تستهدف عزل القوات التابعة للفصائل عن جوارهم التكتيكي في جباليا، وذلك لإنشاء مربعات أمنية معزولة، تتمكن فيها القوات الإسرائيلية من القضاء على أفراد وقدرات في مساحات صغيرة من الأرض، خاصة أن المنطقة شمالي القطاع شهدت عمليات متعددة وإطلاق رشقات صاروخية تجاه عسقلان وأشدود، فضلاً عن مهاجمة حشد القوات في زيكيم.
الاتجاه الشرقي.. الهدف غزة
ويختلف الاتجاه الشرقي بسبب طوله الكبير الذي يصل إلى 40 كيلومتراً، وصولاً لالتقاء حدود القطاع مع مصر. كما يتميز هذا الاتجاه، بأنه المنطقة التي شهدت الهجمات الرئيسية في 7 أكتوبر، إذ شملت الهجمات عمقاً وصل إلى 22 كيلومتراً شرقي القطاع.
وحسبما رصدت دراسة المعهد، دفعت إسرائيل عبر هذا المحور قوات مختلفة بمهام متنوعة، إذ حشدت الكتيبة 101 مظلات من اللواء 35 مظلات، مع الكتيبة 13 مشاة ميكانيكي من لواء جولاني، للعمل في منطقة الشيخ عجلين جنوب غرب مدينة غزة.
وبالمقابل، دفع الجيش الإسرائيلي بلواء جولاني، عدا كتيبة واحدة، للسيطرة على مناطق تل الهوى وحي الزيتون جنوبي المدينة.
أما القوة المدرعة، فتحركت قوات اللواء 188 مدرع من الفرقة 36 مدرع للعمل في منطقة ميناء غزة غربي القطاع، بينما دفع الجيش الإسرائيلي باللواء السابع مدرع التابع للفرقة نفسها، للعمل في منطقة حي الرمال الجنوبي.
أما منطقة "جحر الديك"، التي شهدت اشتباكات دامية وهجمات متتالية للفصائل الفلسطينية، فتنتشر فيها قوات اللواء الخامس مشاة.
وتعمل القوات على هدفين، الأول هو تأمين المحور الساحلي الممتد من الشمال حتى جنوب مدينة غزة، والثاني هو عزل مدينة غزة عن مخيم جباليا شمالاً وأحياء الشجاعية والتركمان شرقاً، وذلك بهدف منع إسناد المقاتلين الفلسطينيين بالنيران أو القوات، وتسهيلاً على أي مهام لاقتحام قلب مدينة غزة والسيطرة عليه إذا انهارت الهدنة.
وسط وجنوب القطاع.. القتال الحذر
ورغم تركز العمليات الرئيسية في المرحلة الأولى في شمال قطاع غزة ومدينة غزة، إلا أن الجيش الإسرائيلي حشد بالفعل قوات لمواجهة ما أسماه رئيس الأركان الإسرائيلي "المرحلة الثانية من المناورة البرية" التي من المتوقع أن تشمل توغلاً برياً في جنوب ووسط القطاع.
وعلى المستوى العسكري، رصدت الدراسة حشد إسرائيل قوات اللواء 838 مشاة مستقل، باستثناء مجموعة قتال واحدة، لتنفيذ عمليات في منطقة الشهداء وشارع كيسوفيم.
وبحسب المعهد، فإن المهام الموكلة للقوات الإسرائيلية حتى الآن، هي "التوغل المحدود والاستطلاع بالقوات"، وهو نشاط عسكري حذر يستهدف القتال ضد أي عناصر فلسطينية نشطة في وسط القطاع، لمنعها من التدخل لإسناد مقاتلي الفصائل الفلسطينية في مدينة غزة وشمال القطاع، حيث دارت معارك شرسة بصورة متزايدة إلى أن توقفت بسبب الهدنة الحذرة الحالية.
جنوب القطاع.. البحث عن معلومة
ورصدت الدراسة نشر إسرائيل لمجموعة قتال من اللواء 838 مشاة مستقل، مع عناصر من لواء البحث والإنقاذ، على محور صوفا وشارع النصر.
وبحسب المعهد، تحمل القوات المتمركزة هناك مهمة رئيسية هي الاستطلاع والبحث بالوسائل والتفتيش بالنيران والقتال الحذر، خاصة في مدينة خان يونس ومحيطها.
وتقول الدراسة إن طبيعة القوات وحجم العمليات ما قبل الهدنة، يرجح أن تكون المهمة التي يسعى خلفها الجيش الإسرائيلي في هذه المرحلة، هي تنفيذ الكمائن ونشر دوريات استطلاع مكثفة، في محاولة للحصول على معلومات أوفر عن المنطقة والرهائن وتحركات المقاتلين الفلسطينيين، فضلاً عن إمكانية تنفيذ هجمات حذرة بهدف أسْر عناصر من الفصائل الفلسطينية، لإظهار صورة إنجاز للقوات الإسرائيلية.