"المسؤولون السابقون" سلاح شركات التكنولوجيا الدفاعية لعقد صفقات مع البنتاجون

"نيويورك تايمز": 50 مسؤولاً وضابطاً سابقاً يستغلون علاقاتهم في إبرام عقود أسلحة

time reading iconدقائق القراءة - 15
وزير الدفاع الأميركي السابق مارك إسبر - New York Times
وزير الدفاع الأميركي السابق مارك إسبر - New York Times
دبي -الشرق

انضم نحو 50 ضابطاً ومسؤولاً سابقاً بوزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون"، إلى شركات التكنولوجيا الدفاعية الأميركية الناشئة، فيما تستخدم تلك الشركات هؤلاء المسؤولين السابقين في الضغط على الحكومة، واستغلال علاقاتهم في البنتاجون والكونجرس، لعقد صفقات أسلحة، حسبما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز".

وقالت الصحيفة، في تحقيق نشرته، السبت، إن الضباط المتقاعدين والمسؤولين السابقين تدفقوا على شركات الاستثمار، وشركات رأس المال المغامر التي تضغط على الحكومة؛ لتوفير المزيد من الأموال للشركات الناشئة في مجال تكنولوجيا الدفاع، معتبرة أن ذلك يمثل "الباب الدوار" الذي يربط بين وزارة الدفاع، وأعمال المقاولات العسكرية.

وذكرت الصحيفة، أن الجنرالات والمسؤولين المستقيلين يذهبون إلى شركات تصنيع الأسلحة الكبرى مثل "لوكهيد مارتن"، و"بوينج"، لكنهم باتوا يتدفقون بشكل متزايد على الشركات الاستثمارية التي ضخت مليارات الدولارات في الشركات الناشئة التي تقدم إلى البنتاجون، أدوات جديدة للحروب مثل الطائرات دون طيار المقاتلة، والطائرات النفاثة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ومعدات مراقبة الفضاء.

ويعد المسار الجديد للعمل داخل القطاع الخاص، أحد المؤشرات على الطرق التي تحاول بها الولايات المتحدة أن تصبح أكثر مرونة في تسخير التقدم التكنولوجي للحفاظ على التفوق العسكري على الصين والمنافسين الآخرين.

وأبرزت العلاقات الوثيقة الحالية بين "شركات رأس المال المغامر وصناع القرار في وزارة الدفاع الأميركية"، تساؤلات بشأن الوصول إلى الصناعة ونفوذها في وقت يتعرض فيه البنتاجون، إلى ضغوط لإعادة التفكير في كيفية تخصيص ميزانية مشترياته الضخمة.

الصحيفة أوضحت أنه عندما اجتمع وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، وكبار المسؤولين في منتدى ريجان السنوي للدفاع الوطني، في ديسمبر، والذي عقد في مكتبة رونالد ريجان الرئاسية، كان من الواضح ملاحظة "كيف تغير عالم جماعات الضغط المحفوف بالأخطار في البنتاجون من خلال ظهور الشركات الناشئة في مجال تكنولوجيا الدفاع".

"تواصل مستمر من أجل الضغط"

ولفتت الصحيفة إلى أن الفعالية شهدت حضور كبار القادة في الحكومة وصناعة الأسلحة، بينهم مارك إسبر، الذي شغل منصب وزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، والذي تحدث كثيراً مع مسؤولي "ريد سيل"، وهي شركة رأس المال المغامر التي استثمرت في شركات عسكرية ناشئة جديدة مثل "إيبراس"، التي قال إسبر في مقابلة مع الصحيفة، إنه ساعد على الترويج لتقنيتها المضادة للطائرات دون طيار لكبار مسؤولي البنتاجون.

وكان من بين الحضور أيضاً، رايان مكارثي، وهو وزير الجيش الأميركي السابق، وراج شاه، الرئيس السابق لوحدة الابتكار الدفاعي في البنتاجون، وكلاهما يعمل الآن في شركات رأس مال مغامر.

وحددت "نيويورك تايمز" ما لا يقل عن 50 مسؤولاً سابقاً في البنتاجون والأمن القومي الأميركي، معظمهم تركوا الحكومة الفيدرالية في السنوات الخمس الماضية، ويعملون الآن في شركات استثمارية مرتبطة بالدفاع، أو لهم أسهم خاصة كمديرين تنفيذيين أو مستشارين.

وأشارت إلى أنهم في كثير من الحالات استمروا في التواصل بشكل منتظم مع مسؤولي البنتاجون، أو أعضاء الكونجرس للضغط من أجل إجراء تغييرات في السياسات، أو لزيادة الإنفاق العسكري بشكل يمكن أن يفيد الشركات التي استثمروا فيها.

ونقلت الصحيفة عن إلين إم لورد، وكيلة وزارة الدفاع الأميركية السابقة لشؤون الاستحواذ، قولها إنها تلقت طلبات من عدد من شركات رأس المال المغامر للعمل معها، لكنها قررت التركيز على تقديم المشورة فقط للمقاولين العسكريين بشكل فردي.

ووفقاً للصحيفة، لدى هذا الجيل الجديد من أصحاب رأس المال المغامر، حوافز كبيرة للاستفادة من شبكتهم من العلاقات الحكومية والعسكرية، والتي ساعدت العديد منهم في السابق على المضي قدماً في حياتهم المهنية.

وعلى عكس المسؤولين السابقين، الذين انضموا إلى شركات مقاولات عسكرية كبرى، فإن هؤلاء ليسوا مديرين تنفيذيين يتقاضون رواتب داخل الشركات العامة، ولكنهم يستفيدون جزئياً عندما تحقق الشركات الناشئة التي يدعمونها نجاحاً كبيراً.

وبالنظر إلى كونهم أصحاب رأس مال مغامر، فهم يراهنون على أن عدداً قليلاً من الشركات التي استثمروا فيها، على الأقل، ستفوز بالجائزة الكبرى في شكل عقود عسكرية كبيرة.

ضعف الراتب وحصة بكل صفقة

وقال كريس أودونيل، جندي سابق في القوات البحرية، ويعمل حالياً مديراً في شركة Franklin Venture Partners التي تشمل استثماراتها شركة Air Space Intelligence التابعة للبحرية الأميركية: "قبل بضع سنوات لم يكن الأمر مغرياً على الإطلاق أن تتولى منصب نائب الرئيس التنفيذي في شركة (لوكهيد مارتن)، ولكن الآن، يأتي رجل من الشركات الاستثمارية الجديدة، ويقول سندفع لك ضِعف راتبك، وسنعطيك حصة في الصفقة، ولذا فالأمر أصبح أكثر جاذبية بكثير."

ويقول أصحاب هذه الشركات الاستثمارية الجديدة إنهم عادةً ما يستخدمون علاقاتهم للضغط على البنتاجون من أجل توفير المزيد من التمويل للتكنولوجيات الناشئة بشكل عام، بدلاً من الضغط من أجل الحصول على عقود لشركة ناشئة معينة يدعمونها.

وذكر إسبر، وهو عضو جماعات الضغط السابق في صناعة الدفاع، في مقابلة: "يمكنني الاستفادة من خبرتي ومواقفي وصوتي للمساعدة على تسريع تبني الابتكارات الجديدة".

وركز أصحاب رؤوس الأموال المغامرة في الفترات الأخيرة جهودهم على حث الكونجرس على تخصيص مليار دولار على الأقل في العام المقبل، للتقنيات المتطورة التي تسعى شركاتهم الناشئة إلى تحقيقها، لكي يضمنوا حصول الشركات الجديدة المبتكرة على شريحة أكبر من إنفاق البنتاجون، بعد عقود من سيطرة مجموعة من المقاولين الرئيسيين العملاقين على الأعمال وهو أمر حيوي للأمن القومي.

وقالت سالي دونيلي، المسؤولة السابقة في وزارة الدفاع الأميركية، والتي أصبحت شريكة مؤسسة في شركة Pallas Ventures التي تستثمر في الشركات الناشئة، وتساعد على التواصل مع مسؤولي البنتاجون، إن "المجمع العسكري الصناعي في الكونجرس مرتاح جداً لفكرة الإبقاء على حصة السوق كما هي".

وقال مسؤولو المشتريات في البنتاجون، إنهم التقوا مسؤولين سابقين في وزارة الدفاع أصبحوا من أصحاب رأس المال المغامر، لافتين إلى أن توصياتهم لعبت دوراً في طريقة حصول البنتاجون على التكنولوجيا، ما ساعد على تسريع عمليات الشراء من بعض الشركات الناشئة، مثل Saildrone التي تصنع معدات المراقبة البحرية.

125 مليار دولار "مال مغامر"

وفي السنوات الأربع الماضية، تدفق ما لا يقل عن 125 مليار دولار من رأس المال المغامر إلى الشركات الناشئة التي تطور تكنولوجيا الدفاع، وفقاً لبيانات جمعتها شركة PitchBook التي تتبع هذه الاستثمارات، لصالح "نيويورك تايمز"، مقارنةً بـ 43 مليار دولار في السنوات الأربع السابقة عليها.

ولم يحقق قطاع التكنولوجيا الدفاعية سوى معدل قليل من النجاح، بما في ذلك شركة Palantir التي تصنع برامج الذكاء الاصطناعي، وشركة "سبيس إكس" SpaceX التي تبلغ قيمتها السوقية أكثر من 175 مليار دولار، أي أكبر من القيمة السوقية لـ"لوكهيد مارتن"، أكبر مقاول عسكري في العالم.

وتابعت الصحيفة: "استمر كفاح شركات تكنولوجيا الدفاع المدعومة برأس المال المغامر من أجل تأمين عقود واسعة النطاق، وهنا يأتي دور الجيل الجديد من أصحاب رؤوس الأموال المغامرة ذوي العلاقات الجيدة، إذ يضغط أكثر من 12 منهم على الكونجرس ووزارة الدفاع، بمساعدة مؤسسات الفكر والرأي ومنظمات غير ربحية أخرى التي تحصل على تمويل من مجموعات رأس المال المغامر، لتسريع تمويل الشركات التكنولوجيا الدفاعية، أو إجراء تغييرات في السياسات تجعل من الأسهل لهم الحصول على أموال البنتاجون".

ورحب مشرعون ومسؤولون في البنتاجون، بهذه المساهمة، إذ يقول النائب الجمهوري كين كالفرت، وهو رئيس اللجنة الفرعية للمخصصات بمجلس النواب الأميركي التي تشرف على ميزانية البنتاجون: "دعونا نواجه الأمر، ميزانياتهم المخصصة للبحث وتطوير التقنيات الجديدة أفضل بكثير من ميزانياتنا ولذا، فهم يطورون تقنيات لا نستطيع القيام بها".

التربح من الحروب

الصحيفة أشارت إلى أنه ليس كل من في الكونجرس، راض عن هذا الباب الدوَار الجديد، بما في ذلك السيناتور الديمقراطية إليزابيث وارين، التي أثارت مخاوف بشأن الأمر مع البنتاجون في الصيف الماضي.

وقالت، في بيان: "بعد الاطلاع على القائمة التي أعدتها (نيويورك تايمز) بأسماء مسؤولي البنتاجون السابقين الذين انتقلوا إلى عالم رأس المال المغامر، التربح من الحروب ليس بالأمر الجديد، ولكن التوسع الكبير لهذا الأمر يهدد بتعزيز المصالح المالية الخاصة على حساب الأمن القومي للولايات المتحدة".

ولفتت الصحيفة إلى أن منتدى ريجان السنوي للدفاع الوطني، حضره مجموعة كبيرة من أصحاب رأس المال المغامر الحريصين على الاختلاط مع صناع القرار الحكوميين في الحفلات وأثناء تناول الوجبات، والتي كان بعضها في الردهة الرئيسية لمكتبة ريجان.

ومن بين الحضور كان دوج فيليبون، وهو جندي سابق في الجيش الأميركي، وهو الآن المؤسس المشارك لشركة Snowpoint Ventures وهي شركة رأس مال مغامر في قطاع الدفاع، وهايدي شيو، وكيلة وزارة الدفاع للأبحاث والهندسة، والنائب الديمقراطي بات رايان من لجنة القوات المسلحة.

وقال فيليبون، الذي استثمرت شركته 172 مليون دولار على مدى العامين الماضيين، معظمها في شركات التكنولوجيا الدفاعية، إنه حث المسؤولين الحكوميين مراراً وتكراراً على اختيار الشركات التي تفوز بتدفق الأموال إليها، مشيراً إلى أنه يجب أن يتم الأمر بشكل أسرع، وتساءل: "لماذا يستغرق الأمر وقتاً طويلاً؟".

عقود البنتاجون 

وقالت "نيويورك تايمز"، إن بعض الشركات الناشئة مثل Shield AI بنَت أعمالها بالكامل تقريباً في البداية من إيرادات عقود البنتاجون ومنح الأبحاث، وهو رهان محفوف بالأخطار؛ نظراً لمدى بطء تحرك وزارة الدفاع.

ولا يشعر فيليبون، المعروف على نطاق واسع في الصناعة بدوره في المساعدة على تسهيل مبيعات شركة Palantir لدى البنتاجون، قبل أن ينشئ شركته الخاصة لرأس المال المغامر، بحرج من الدور الذي يؤديه.

وقال إنه يعمل مع كل شركة يستثمر فيها لدفع البنتاجون، أو الوكالات الأخرى للتحرك بسرعة أكبر، مضيفاً: "اجتمع مع أعضاء في الكونجرس، وأتحدث مع أفراد من الجيش، وأعمل على تقديمهم لأشخاص مختلفين".

لكن إسبر لم يكشف عن أسماء المسؤولين الحكوميين الذين تحدث معهم نيابةً عن استثمارات شركته، واكتفى بالقول إن من بينهم مسؤولين في البنتاجون، لافتا إلى أنه كان يحثهم في بعض الأحيان على النظر في تقنيات محددة، مثل الموجودة في شركة Epirus التي تستخدم النبض الكهرومغناطيسي لتعطيل طائرات العدو المسيرة.

وأشار إسبر، إلى أن جهوده في هذا المجال تعتمد على اعتقاده أنه يستطيع مساعدة البنتاجون، على مواجهة التغيير.

وأضاف: "جزء من هذا الجهد هو مجرد القدرة على التواصل مع القادة داخل المبنى، والقول إن هناك تقنية رائعة يجب عليكم التحقق منها".

وكان نك سيناي، المسؤول في البيت الأبيض في عهد الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، والذي أصبح الآن صاحب رأس مال مغامر مع شركة "إنسايت بارتنرز" سافر إلى الشرق الأوسط، في الربيع الماضي، للقاء الجنرال مايكل كوريلا، الذي يشرف على عمليات القيادة المركزية للبنتاجون في المنطقة، لاقتراح طرق لتعزيز المعدات العسكرية المستخدمة في ذلك الوقت

بيع بيانات الأقمار الصناعية

واقترح سيناي، الذي من بين استثمارات شركته HawkEye 360 وهي شركة ناشئة تبيع بيانات الأقمار الصناعية التي يمكن أن تسمح للجيش بتتبع تحركات العدو، أن يحصل البنتاجون على المزيد من البيانات من شركات الأقمار الصناعية التجارية التي يمكن أن تساعده في تحسين معرفته بما يحدث في مياه المحيط.

ووفقاً للصحيفة، فإنه بعد عدة أشهر من الزيارة، ضاعفت البحرية الأميركية حجم العقد مع HawkEye 360 لتوفير مجموعة أكثر شمولاً من بيانات الأقمار الصناعية.

ويحتفظ العديد من أصحاب رأس المال المغامر بعلاقات مع واشنطن، إذ يعمل شاه، وهو الرئيس السابق لوحدة الابتكار الدفاعي، في لجنة عينها الكونجرس تتولى مهمة بحث سبل تجديد عملية إعداد ميزانية البنتاجون.

وذكر شاه، أن شركته التي تعمل في العاصمة واشنطن، وتضم مايكل براون، الذي شغل منصب رئيس وحدة الابتكار الدفاعي حتى العام الماضي، تتمتع بالترابط.

ويعد إسبر الرئيس المشارك للجنة التي شكلها المجلس الأطلسي لدراسة سبل تسريع تبني البنتاجون للتكنولوجيا الجديدة، وأعد موظفو المجلس 70 إحاطة لمسؤولي وزارة الدفاع والكونجرس للترويج لأفكارهم.

وساعد أودونيل، من Franklin Venture Partners في تأسيس مجموعة Silicon Valley Defense، التي رعت عشرات من حفلات العشاء على مدى العام الماضي، ما قدم فرصاً غير رسمية للمديرين التنفيذيين لرأس المال المغامر للاجتماع مع مسؤولي البنتاجون وأعضاء الكونجرس.

جذب أعضاء الكونجرس للاستثمار

وأرسلت المجموعة رسائل إلى أعضاء الكونجرس لدفعهم إلى استثمار مليار دولار العام المقبل في وحدة الابتكار الدفاعي، التي توزع حصة كبيرة من أموالها على الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا.

وقال سام جراي، المدير التنفيذي السابق لشؤون الاستحواذ في البنتاجون، والذي يشغل الآن منصب مدير Silicon Valley Defense ومقرها واشنطن، وهو أيضاً شريك في Franklin Venture Partners: "الهدف هو إجراء الكثير من المحادثات مع الأشخاص المناسبين".

وفي حين أن العديد من الشركات الناشئة لم تحصل بعد على تمويل حكومي كبير، فقد بدأ بعضها الحصول على بعض التمويلات، إذ حصلت Anduril على عقد تصل قيمته إلى مليار دولار مع قيادة العمليات الخاصة الأميركية لتحديد وتتبع واعتراض طائرات العدو، كما حصلت شركة Hermeus الناشئة للطائرات النفاثة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت على عقد كبير لوحدة الابتكار الدفاعي.

وقال دوج بيك، المدير التنفيذي السابق لشركة أبل، والذي يقود الآن وحدة الابتكار الدفاعي، في مقابلة مع الصحيفة إن "أصحاب رأس المال المغامر لم يحصلوا على خدمات خاصة، ولم يطلبوا ذلك، ولكنهم يعتمدون على السياسات التي تساعد على التغلب على العوائق النظامية".

تصنيفات

قصص قد تهمك