بعد أسابيع قليلة من بدء إسرائيل التوغل براً في قطاع غزة، رداً على هجوم 7 أكتوبر الذي شنته حركة "حماس". بدأت جماعة الحوثي اليمنية، في 19 نوفمبر الماضي، استهداف السفن التجارية في البحر الأحمر، وأوضحت أنها سوف تهاجم السفن الإسرائيلية المارة في البحر الأحمر باتجاه موانئ إسرائيل، وكذلك السفن التي تحمل دعماً لإسرائيل.
واستخدم الحوثيون الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء وموانئ يمنية رئيسية في البحر الأحمر، مزيجاً من الصواريخ والطائرات المُسيرة، وكذلك الزوارق السطحية والأنظمة البحرية غير المأهولة، لمهاجمة السفن في البحر الأحمر.
ويعتبر مضيق باب المندب، الذي لا يتجاوز عرضه الإجمالي 30 كيلومتراً (20 ميلاً بحرياً)، أحد أكثر الممرات الملاحية ازدحاماً، وينقسم إلى قسمين غير متساويين بسبب جزيرة بريم، هما ممر باب إسكندر شرقي المضيق، وعرضه لا يتجاوز 3 كيلومترات وهو الأقل عمقاً، إذ يصل العمق فيه إلى نحو 30 متراً. بينما الجزء الغربي من المضيق، المعروف باسم "دقة المايون"، القسم الأكبر، بعرض 25 كيلومتراً، فيما يصل العمق فيه إلى أكثر من 300 متراً.
وتسببت تلك الهجمات في تعريض حركة الملاحة عبر البحر الأحمر للخطر، ما اضطر عدد متزايد من شركات الشحن البحري الكبرى إلى إبعاد سفنها عن المنطقة، والتوجه إلى طريق رأس الرجاء الصالح، بديلاً عن المرور من البحر الأحمر، وهو ما أضاف نحو أسبوعين لخطوط الملاحة البحرية.
وبخلاف باب المندب وخليج عدن، أعلنت الجماعة اليمنية الأسبوع الماضي عزمها توسيع دائرة الاستهداف لتشمل السفن المتجه لإسرائيل، والتي تُبحر في المحيط الهندي باتجاه رأس الرجاء الصالح.
قيادة غير موحدة
ومع تصاعد العبء الذي فرضته الهجمات الحوثية على قطاع الشحن البحري، أرسلت عدة دول قطعاً عسكرية إلى البحر الأحمر والمنطقة في محاولة لحماية السفن التجارية، ورغم تزايد أعداد الدول المشاركة في العمليات القتالية لردع الحوثيين، إلا أن تلك القوات لا تعمل تحت قيادة واحدة، رغم تقارب مواقع غالبية الدول التي أرسلت مجموعات من قواتها البحرية لتأمين الملاحة في البحر الأحمر.
ومع استمرار الهجمات الحوثية، وتصاعد الردود العسكرية عليها، يبدو القتال في منطقة باب المندب ومحيطها، أكثر تعقيداً، خاصة مع عدم توحيد الجهود العسكرية لمواجهة الحوثيين، في واحد من أهم وأضيق الممرات الملاحية في العالم، وأكثرها ازدحاماً.
وذكر موقع Breaking Defense، أن هناك العديد من المهام العسكرية المتداخلة تحت مسميات مثل "حارس الازدهار" Prosperity Guardian، و"أسبيديس" Aspides، و"قوس بوسيدون" Poseidon Archer، إذ يشارك عدد متزايد من الدول في محاولة تأمين الملاحة البحرية بالمنطقة.
وقال مسؤول دفاعي أميركي لـ Breaking Defense، إن الجهود الفردية من الدول تعمل بشكل جيد، ولكنها لم تتمكن من إعادة حركة الملاحة في المنطقة إلى مستويات ما قبل 7 أكتوبر الماضي،
وأضاف أن الملاحة في المنطقة أصبحت تمثل حوالي 70% من حركة المرور التجارية المتوقعة عادة.
ونتيجة لوجود عدد كبير جداً من السفن العسكرية العاملة في نفس الممر المائي الاستراتيجي، أصبحت الأمور مربكة بشكل كبير، ما تسبب في حادثة نيران صديقة كادت أن تدمر طائرة أميركية بدون طيار قبل أيام.
"حارس الازدهار" ورهان الردع
كانت أول مبادرة حماية متعددة الجنسيات هي عملية حارس الازدهار Prosperity Guardian، التي أعلن عنها وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، في ديسمبر الماضي باعتبارها مبادرة أمنية متعددة الجنسيات تحت مظلة القوات البحرية المشتركة، تتكون من 10 دول: الولايات المتحدة، وبريطانيا، والبحرين، وكندا، فرنسا، إيطاليا، هولندا، النرويج، سيشيل وإسبانيا.
وبعد ثلاثة أيام، قال السكرتير الصحافي للبنتاجون، بات رايدر، إن ما يصل إلى 20 دولة أعلنت دعم المبادرة، على الرغم من أن بعض الدول الأصلية، مثل إسبانيا وإيطاليا، أصدرت في وقت لاحق بيانات عامة بدا أنها تنأى بنفسها عن العملية.
وتعد أبرز السمات الأساسية لعملية Prosperity Guardian، هي أنها ذات طبيعة دفاعية بالكامل، إذ تقوم في كثير من الأحيان بإسقاط صواريخ الحوثيين وطائراتهم بدون طيار من السماء.
"قوس بوسيدون".. نهج أكثر صرامة
اتخذت الولايات المتحدة وبريطانيا، نهجاً أكثر صرامة رداً على الهجمات الحوثية المتصاعدة في البحر الأحمر، وهي العمليات التي تطورت وامتدت إلى خليج عدن، لتطلق الدولتان، عملية "قوس بوسيدون" Poseidon Archer.
وشنت واشنطن ولندن سلسلة من الضربات العسكرية على مواقع الحوثيين في اليمن، بدءاً من 11 يناير الماضي، بدعم من أستراليا، والبحرين، وكندا وهولندا.
وبحسب الموقع الأميركي، فإن هذه العملية "تعتبر أكثر إثارة للجدل في نظر بعض الدول وتفتقر بشكل خاص إلى الدعم الشعبي من العديد من الدول الأوروبية الصديقة للولايات المتحدة".
ونفذت واشنطن ولندن أكثر من 32 هجوماً ضد أهداف حوثية لإضعاف قدرات الجماعة اليمنية خلال أسبوعٍ واحد، حسبما أعلن زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي في خطاب بثته منصات الحوثيين يوم الخميس الماضي.
ومع الضربات المتصاعدة للولايات المتحدة وبريطانيا ضد الحوثيين، أدانت روسيا وإيران الهجمات التي استهدفت مخازن ذخيرة وأنظمة رادارات ومنصات إطلاق صواريخ ومُسيرات. واعتبرت موسكو وطهران أن الهجمات الأميركية البريطانية غير مشروعة، في حين قالت الصين إن "الهجمات على اليمن لم تتوقف عند تدمير المنشآت، بل أدت إلى تصعيد التوترات في المنطقة".
ورغم تصاعد الضربات التي تقودها واشنطن، أقر الرئيس الأميركي جو بايدن بأن الضربات الأولية لم توقف عدوان الحوثيين، لكن المسؤولين الأميركيين دافعوا عن الرد الهجومي الذي تبنته واشنطن لمعالجة الأزمة التي أشعلتها هجمات الحوثيين.
وقال المتحدث باسم البنتاجون، بيت نجوين، لـ Breaking Defense، إن المسلحين الحوثيين هاجموا أو هددوا السفن البحرية والتجارية الأميركية 99 مرة منذ 19 نوفمبر الماضي.
وأضاف أن الولايات المتحدة وشركائها شنوا "أربع ضربات مشتركة في 11 يناير و22 يناير و3 فبراير و24 فبراير، بالإضافة إلى 44 ضربة للدفاع عن النفس".
وأوضح نجوين، أن الضربات المشتركة وضربات الدفاع عن النفس دمرت أكثر من 150 صاروخاً ومنصة إطلاق، ومباني التخزين والدعم ومباني تخزين الطائرات بدون طيار ومباني الاتصالات، ومرافق التخزين تحت الأرض، والمحطات الأرضية للطائرات بدون طيار.
تحرك أوروبي منفرد
أعلن المجلس الأوروبي في 19 فبراير الماضي، عن مهمته الدفاعية متعددة الجنسيات في البحر الأحمر تحت مسمى EUNAVFOR Aspides، فيما اعتبره المحللون بمثابة رفض للجهود التي تقودها الولايات المتحدة.
وقال الاتحاد الأوروبي إن عملية ASPIDES ستتضمن وجوداً بحرياً للاتحاد الأوروبي في المنطقة، مضيفاً أنه بالتعاون الوثيق مع الشركاء الدوليين ذوي التفكير المماثل، ستساهم ASPIDES في حماية الأمن البحري وضمان حرية الملاحة، خاصة للسفن التجارية.
وستوفر العملية الأوروبية، الوعي بالوضع البحري، وترافق السفن، وتحميها من الهجمات المحتملة متعددة المجالات في البحر.
وتشير التقارير إلى أن هذه المهمة تشمل حلفاء الولايات المتحدة، بلجيكا، والدنمارك، وفرنسا، وألمانيا، واليونان، وإيطاليا، وأسبانيا.
وقال ديفيد دي روش، الزميل في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الأمنية، في تصريحات سابقة لـBreaking Defense إن الاتحاد الأوروبي يبدو "مصمماً على صياغة هويته الخاصة في المجال العسكري المتميز عن الناتو، الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، ما جعل أوروبا يعزف عن المشاركة في عملية حارس الازدهار".
وأكد المجلس الأطلسي للأبحاث، ومقره واشنطن، في تقرير تحليلي، أنه بينما تواصل العديد من الدول الأوروبية التعاون مع عملية حارس الازدهار، تم إطلاق عملية الاتحاد الأوروبي كدليل على الانفصال عن العملية التي تقودها الولايات المتحدة ضد الحوثيين، وهو ما تعتبره بعض الحكومات الأوروبية تصعيدياً في السياق الإقليمي الأوسع الهش والمتوتر.
وأضاف أن الدول الأوروبية قد تكون أكثر فعالية في جهودها في غياب القيادة الأميركية.
وقال محللون إنه في كلتا العمليتين سيتم التعاون والتنسيق بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لكن حادثة وقعت في أواخر فبراير الماضي، أوضحت مخاطر المهام المتباينة عندما أطلقت فرقاطة ألمانية عن طريق الخطأ النار مرتين على طائرة بدون طيار من طراز MQ-9B تديرها الولايات المتحدة.
وقال مسؤول دفاعي أميركي لموقع Breaking Defense، إنه يمكن تأكيد استهداف مركبة جوية أميركية بدون طيار من طراز MQ-9 في البحر الأحمر في 27 فبراير الماضي. وأضاف أنه لم تتعرض الطائرة بدون طيار لأضرار وواصلت مهمتها.
وتعمل القيادة المركزية الأميركية، بالتنسيق الوثيق مع الاتحاد الأوروبي وعملية Aspides، للتحقيق في الظروف التي أدت إلى هذا الحدث ولضمان تفادي التعارض الآمن في المجال الجوي.
وتواصل العمليتان التحرك جنباً إلى جنب لضمان حرية الملاحة.
تعارض مصالح
ومع تدفق السفن العسكرية الغربية إلى البحر الأحمر، لم تعلن سوى البحرين من بين الدول العربية عن مشاركتها في مواجهة الهجمات الحوثية. فيما حذرت دول عربية وخليجية رئيسية من مغبة استمرار التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد قطاع غزة، وما قد يؤدي إليه من تداعيات سلبية على أمن المنطقة ككل.
ويقول المحلل الاستراتيجي البحريني يوسف مبارك لـ Breaking Defense، إن السياسة الخارجية الأميركية الحالية وتحالفاتها وتحركاتها العسكرية الأخيرة وضعت مصالح الأمن القومي لحلفاء واشنطن التاريخيين الرئيسيين مثل السعودية والإمارات في مرتبة أقل بالأولويات، مقارنة بالمنافسين الإقليميين ووكلائهم، حسب مبارك.
وتطالب السعودية والإمارات ومصر وقطر، منذ بداية العمليات العسكرية الإسرائيلية، بوقف القتال وفتح الباب أمام مسار تفاوضي لحل القضية عبر حل الدولتين، إلا أن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض عدة مرات في مجلس الأمن، لمنع صدور قرار يلزم إسرائيل بوقف القتال في قطاع غزة.
حصانة السفن الصينية
يوجد ما بين أربع إلى ثماني سفن تابعة للتحالف بقيادة الولايات المتحدة في المنطقة لتأمين حركة الملاحة البحرية التجارية، وفقاً لمسؤول الدفاع الأميركي، ولكنها ليست القوة العظمى الوحيدة في المنطقة. وأشار Breaking defense، إلى أن الصين حاضرة بسفنها في المنطقة.
وأرسلت بكين الأسطول السادس والأربعين التابع للبحرية إلى الشرق الأوسط.
جورجيو كافييرو، الرئيس التنفيذي لشركة Gulf State Analytics، أشار إلى أن جميع الدول لديها مصالح خاصة في أمن البحر الأحمر بالنظر إلى مدى أهمية هذا المسطح المائي للتجارة الدولية.
وقال إنه من غير المرجح أن تشارك الصين في العملية الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة، لأن بكين لا تريد دعم ما تعتبره هيمنة أميركية، لافتاً إلى أن الانضمام إلى عملية "حارس الازدهار" يمكن أن يخاطر بإرسال رسالة بشأن تحالف الصين مع الولايات المتحدة من حيث دعم إسرائيل في صراع غزة.
وأوضح أن الصين "حريصة جداً على نقل رواية إلى العالم العربي الإسلامي، وعلى نطاق أوسع، إلى الجنوب العالمي، مفادها أن الصين تدافع عن القضية الفلسطينية".
ويبدو أن السفن الصينية "تتمتع بحصانة، إذ لا يستهدفها الحوثيون خلال هجماتهم البحرية في المنطقة، وبالتالي ليس لدى بكين بالضرورة أي حافز كبير للعمل مع الغرب لردع الحوثيين"، حسبما يرى موقع Breaking Defense.