
كشفت دراسة جديدة أن معظم تقنيات تنقية الهواء المصممة لمنع انتقال العدوى الفيروسية مثل "الإنفلونزا" و"كورونا" لم تُختبر بشكل كافٍ على البشر، ولا تزال مخاطرها المحتملة غير مفهومة بالكامل.
وحلل الباحثون نحو 700 دراسة نُشرت بين عامَي 1929 و2024، وركزت هذه الأبحاث على تقنيات تنقية الهواء مثل فلاتر HEPA، والأشعة فوق البنفسجية، والأيونات، وأنظمة التهوية المتطورة.
ورغم الانتشار الواسع لهذه الأجهزة في المنازل والمدارس والمباني العامة، إلا أن الدراسة وجدت أن 9% فقط من الأبحاث تناولت تأثير هذه التقنيات فعلياً على تقليل الإصابة بالأمراض بين البشر.
تعمل أجهزة تنقية الهواء باستخدام تقنيات متعددة تهدف إلى إزالة الملوثات من الهواء وتحسين جودته داخل الأماكن المغلقة وأكثر هذه الأجهزة شيوعاً تعتمد على فلاتر (HEPA) التي تلتقط الجزيئات الدقيقة مثل الغبار وحبوب اللقاح ووبر الحيوانات، وتصل كفاءتها إلى إزالة نحو 99.97% من الجزيئات التي يبلغ حجمها 0.3 ميكرون، لكنها لا تزيل الغازات أو الروائح.
وتضيف بعض الأجهزة تقنية الأشعة فوق البنفسجية التي تُستخدم لتعقيم الهواء وقتل الفيروسات والبكتيريا عبر تدمير حمضها النووي، إلا أن فاعليتها تعتمد على شدة الضوء ومدة التعرض، وقد تولد الأوزون كمنتج جانبي ضار.
لا نقول إن هذه التقنيات لا تعمل، بل نقول إننا لا نعرف بعد بشكل كاف
ليزا بيرو- أستاذة الطب الباطني بجامعة كولورادو الأميركية
كما أن هناك أيضاً أجهزة المؤينات التي تطلق شحنات سالبة ترتبط بالجسيمات المحمولة في الهواء، فتصبح أثقل وتسقط على الأسطح أو تُلتقط داخل الجهاز، لكنها لا تزيل الملوثات بالكامل من البيئة وقد تنتج أيضاً أوزوناً مهيّجاً للرئتين.
بينما تستخدم بعض الأجهزة تقنيات تعتمد على البلازما أو التحفيز الضوئي، في حين تشمل الأنظمة المتقدمة وحدات تهوية ميكانيكية تجلب الهواء النقي من الخارج وتُخرج الهواء الملوث، وهو ما يُعد من أكثر الحلول فاعلية على المدى الطويل، خاصة إذا تم دمجه مع فلاتر عالية الجودة.
لذلك تختلف كفاءة أجهزة تنقية الهواء باختلاف التقنية المستخدمة، ويُفضل دائماً اختيار الأجهزة التي خضعت لاختبارات مستقلة وأثبتت فاعليتها في بيئات واقعية دون أن تنتج مواد ضارة.
دراسات أقوى
ونشرت الدراسة في دورية "أنالز أوف إنتيرنال ميديسن" (Annals of Internal Medicine) وقادها باحثون من جامعة "كولورادو آنشوتز الطبية" بالولايات المتحدة بالتعاون مع "المعهد الوطني للسلامة المهنية والصحة" التابع لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها.
وقالت المؤلفة المشاركة في الدراسة، ليزا بيرو، أستاذة الطب الباطني في جامعة كولورادو: "فوجئنا بأن معظم الأبحاث تمت في غرف مختبرية مغلقة، وليس في بيئات واقعية يعيش أو يعمل أو يدرس فيها الناس".
وأضافت بيرو: "نحتاج إلى دراسات أقوى تركّز على النتائج الصحية الحقيقية، مثل انخفاض معدلات العدوى، وليس فقط قياسات الجزيئات في الهواء".
واستخدمت غالبية الدراسات التي راجعها الفريق مؤشرات غير مباشرة، مثل الغازات المتعقبة أو جزيئات الغبار أو ميكروبات غير ضارة، بدلاً من تتبع فيروسات أو بكتيريا ممرِضة فعلية، فيما تتبعت القليل من الدراسات ما إذا كان الأشخاص الذين يستخدمون هذه الأجهزة قد أصيبوا بعدد أقل من العدوى.
من جانبه، قال المؤلف الرئيسي في الدراسة، أميرن بادواشفيلي، أستاذ الطب المشارك بجامعة كولورادو، إن الكثير من هذه التقنيات تبدو واعدة نظرياً.
وأضاف بادواشفيلي: "لكننا ببساطة لا نعرف إن كانت فعّالة على أرض الواقع، يستخدمها الناس في بيوتهم ومدارسهم لحماية أسرهم، لكن العلم لم يواكب بعد وعود الإعلانات"، مشيراً إلى أن "بعض الأجهزة قد تضر أكثر مما تنفع".
مخاطر صحية
ورغم ما يروج عن دورها في تنقية الهواء، أثارت الدراسة مخاوف بشأن مخاطر صحية محتملة ترتبط بهذه الأجهزة، إذ أن عدداً قليلاً جداً من الأبحاث راقب الانبعاثات الجانبية الضارة، مثل الأوزون، الذي قد يهيّج الرئتين ويزيد من حدة أمراض الجهاز التنفسي.
وأوضحت الدراسة أن تقنيات عديدة، مثل أجهزة الأيونات، والتقنيات القائمة على البلازما، وأنظمة الأشعة فوق البنفسجية، يمكن أن تُنتج الأوزون، إلا أن تقييمات السلامة لتأثيرها الطويل الأمد داخل البيوت وأماكن العمل نادرة جداً.
ولفت الباحثون إلى أن الأوزون وغيره من المواد الكيميائية المنبعثة من بعض أجهزة تنقية الهواء قد تلحق ضرراً بالجهاز التنفسي، لا سيما لدى الأطفال أو المرضى المصابين بأمراض تنفسية مزمنة.
وأكدوا على ضرورة أن يتحقق المستهلك مما إذا كانت الشركة المصنّعة توفر بيانات حول الانبعاثات الضارة المحتملة من الجهاز، وما إذا كانت هناك طرق للتقليل منها، ونبَّهوا إلى أن "الوعي بالمخاطر المحتملة عنصر أساسي لاتخاذ قرارات مستنيرة".
ودعت الدراسة إلى تطوير جيل جديد من الدراسات الميدانية تُجرى في بيئات واقعية كالفصول الدراسية والمستشفيات، وتركز على تتبع معدلات العدوى فعلياً بدلاً من مجرد قياس عدد الجزيئات في الهواء.
كما شدد الباحثون على أهمية تقييم التأثيرات الجانبية، والجدوى الاقتصادية، والتأثير البيئي، ومدى إمكانية الوصول لهذه التقنيات في البيئات المختلفة.
تلوث الهواء.. منظمة الصحة العالمية
-
مستويات تلوث الهواء ظلت مرتفعة وثابتة خلال السنوات الست الأخيرة.
-
أعلى معدلات التلوث في شرق المتوسط وجنوب شرق آسيا، تليها إفريقيا وغرب المحيط الهادئ.
-
إفريقيا تعاني من نقص حاد في بيانات تلوث الهواء، رغم تحسن التغطية مؤخراً.
-
أوروبا تسجل أكبر عدد من المواقع التي تبلّغ عن بيانات التلوث.
-
أقل مستويات التلوث توجد في البلدان ذات الدخل المرتفع، خصوصاً في أوروبا والأميركتين.
- في بعض مدن أوروبا الغنية، يؤدي التلوث لتقليل متوسط العمر المتوقع بين شهرين إلى 24 شهراً.
كذلك أوصى الفريق البحثي بوضع مجموعة موحدة من "المخرجات الصحية" لتقييم فاعلية هذه الأجهزة، ما يسهل المقارنة بين الدراسات المختلفة ويجعل نتائجها أكثر فائدة في توجيه السياسات الصحية العامة.
وأكد الباحثون كذلك أن قرارات الصحة العامة يجب أن تُبنى على أدلة قوية ومستقلة.
وتابعت المؤلفة المشاركة في الدراسة، ليزا بيرو: "لا نقول إن هذه التقنيات لا تعمل، بل نقول إننا لا نعرف بعد بشكل كافٍ. كثير من الدراسات تمولها الشركات المنتجة لهذه الأجهزة، وهو ما يُثير شبهة تضارب المصالح. وحتى نحصل على معلومات أوضح، يستحق الناس شفافية كاملة".
وفي ختام الدراسة، أوصى الباحثون المستهلكين الذين يفكرون في شراء أجهزة تنقية الهواء أو أنظمة تهوية جديدة للحد من انتقال العدوى، باختيار التقنيات التي خضعت لاختبارات مستقلة في بيئات واقعية، وتجنّب المنتجات التي قد تُنتج الأوزون أو ملوثات كيميائية أخرى.
لكن الأهم من كل ذلك، بحسب الباحثين، هو عدم نسيان الإجراءات التقليدية المعتمدة: "تحسين التهوية، وفتح النوافذ، والتنظيف المنتظم".