
توصل باحثون أميركيون إلى اختبار مبتكر للكشف عن سرطان البروستاتا من خلال عينات البول، يعتمد على مؤشرات حيوية دقيقة يمكنها تقليل الحاجة إلى الخزعات التقليدية المؤلمة والمكلفة، وهو ما قد يغير، بشكل كبير، أسلوب تشخيص المرض.
وحلل الباحثون، في دراسة نشرتها دورية "eBioMedicine"، عينات بول لمصابين بسرطان البروستاتا قبل وبعد الخضوع لجراحات استئصالها، بالإضافة إلى عينات من متطوعين أصحاء.
ونجح الباحثون في تحديد 3 مؤشرات حيوية رئيسية هي "TTC3" و"H4C5" و"EPCAM"، وظهرت هذه المؤشرات بوضوح في عينات المرضى قبل الجراحة، بينما تراجعت بشكل كبير، أو اختفت بعد إزالة البروستاتا، وهو ما يؤكد أن مصدرها أنسجة البروستاتا نفسها.
مؤشرات حيوية
يرتبط بروتين TTC3 بعملية انقسام الخلايا، وبالتحديد بالانقسام غير المتناظر، وهي آلية حيوية تسمح للخلايا بإنتاج خلايا جديدة بخصائص مختلفة، ما يسهم في التنوع الخلوي وتجديد الأنسجة في الظروف الطبيعية.
غير أن هذه العملية ربما تُستغل بصورة غير طبيعية في حالة السرطان، فتتحول إلى وسيلة لتكاثر غير مضبوط للخلايا السرطانية.
وتشير المستويات المرتفعة من بروتين " TTC3" في عينات البول المأخوذة من مرضى سرطان البروستاتا إلى وجود نشاط غير طبيعي في دورة حياة الخلية، الأمر الذي يجعله مؤشراً قوياً على وجود الورم.
فيما يعد بروتين H4C5 أحد المكونات الأساسية لمجموعة البروتينات المعروفة بالهيستونات، والتي تتحكم في كيفية التفاف الحمض النووي داخل نواة الخلية.
ويرتبط دور هذا البروتين مباشرة ببنية الكروماتين، وهو المعقد المكون من الحمض النووي والبروتينات.
وتؤدي أي تغييرات في تنظيم الكروماتين إلى التأثير على الجينات التي يتم تفعيلها أو إيقافها، وبالتالي تمثل عاملاً محورياً في التحكم في سلوك الخلية.
وفي حالة السرطان، يؤدي الخلل في عمل الهيستونات إلى تعطيل هذا النظام، فتبدأ الخلايا السرطانية في تنشيط جينات تساعدها على النمو السريع، ومقاومة العلاجات، ولهذا يعد ذلك البروتين مؤشراً مهماً على وجود اضطراب سرطاني في الخلية.
وبروتين EPCAM من أبرز الجزيئات المرتبطة بالسرطانات البشرية، وهو بروتين التصاق الخلايا، ويوجد بكثرة على أسطح الخلايا الظهارية التي تغطي الأعضاء والأنسجة.
ويتمثل دوره الطبيعي في المساعدة على تماسك الخلايا وتنظيم نموها، غير أن الدراسات أظهرت أن مستويات هذا البروتين ترتفع بشكل غير طبيعي في العديد من الأورام، ومنها سرطان البروستاتا.
ولا يقتصر الأمر على كونه مؤشراً لوجود الورم، بل يشارك أيضاً في تمكين الخلايا السرطانية من الانفصال عن موقعها الأصلي، والانتقال إلى أماكن أخرى في الجسم، وهي العملية المعروفة بتكوين النقائل، ومن ثم فإن بروتين EPCAM يمثل ليس فقط علامة حيوية على المرض، بل عنصراً فاعلاً في تطور عدوانية الأورام وانتشارها.
دقة عالية
وأثبت الاختبار دقة عالية؛ ففي التجارب التطويرية والمرحلة اللاحقة من التحقق، بلغ معدل التمييز بين وجود السرطان وعدمه نسبة دقيقة للغاية؛ فقد تمكن من التعرف الصحيح على وجود المرض بنسبة وصلت إلى 91%.
وفي المقابل، نجح في استبعاد الأصحاء بنسبة 84%، مع وصول المساحة تحت منحنى التقييم الإحصائي إلى 0.92%، وهو رقم قريب من الكمال، كما أظهر الاختبار قدرة أعلى من المؤشر المعروف باسم "PCA3" في التفرقة بين سرطان البروستاتا، وتضخم البروستاتا الحميد.
وأفادت البيانات أيضاً أن المؤشرات الحيوية الثلاث حافظت على دقتها حتى في الحالات الصعبة التي لا يظهر فيها بروتين "PCA" في الدم بمستويات مرتفعة، إذ بلغت دقته 78.6% في الدراسات الأولية و85.7% في دراسات التحقق، كما بلغت دقة 0.89% في التمييز بين السرطان والأمراض الحميدة مثل التهاب البروستاتا أو التضخم الحميد.
ويعد سرطان البروستاتا من أبرز أسباب الوفاة بين الرجال في العالم، وغالباً ما يتم اكتشافه عبر فحص الدم لقياس مستوى بروتين "PCA"، غير أن هذا الفحص ليس دقيقاً دائماً، إذ ربما يؤدي إلى توصية غير ضرورية بأخذ خزعات، وهي إجراءات جراحية صغيرة، لكنها ربما تسبب مضاعفات، كما أن هذا الفحص يمكن أن يقود إلى علاج غير ضروري لحالات أورام ضعيفة الشدة لا تشكل خطراً سريعاً.
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة، رانجان بيريرا، مدير مركز أبحاث الحمض النووي الريبي في مستشفى جونز هوبكنز للأطفال الأميركية، وأستاذ الأورام والجراحة العصبية في جامعة جونز هوبكنز، إن هذا الاختبار الجديد يقدم وسيلة غير جراحية وحساسة للكشف عن المرض، ويمكنها تقليل الخزعات غير الضرورية وتحسين دقة التشخيص، خاصة لدى المرضى الذين تكون نتائج "PCA" لديهم طبيعية.
وأوضح المؤلف المشارك في الدراسة، كريستيان بافلوفيتش، أستاذ جراحة المسالك البولية ومدير برنامج المراقبة النشطة لسرطان البروستاتا في الجامعة، أن البول مادة يسهل جمعها في العيادات، وأن وجود مؤشر بولي دقيق سيكون إضافة بالغة الأهمية لترسانة التشخيص المتاحة حالياً.
جينات البروستاتا
شملت الدراسة عينات من 341 شخصاً في مرحلة التطوير، بينهم 107 أصحاء، و136 مريضاً قبل الجراحة، و98 بعد الجراحة، بالإضافة إلى أكثر من 1055 عينة إضافية في مرحلة التحقق شملت مرضى وأصحاء.
ودرس الباحثون العينات باستخدام تقنيات متقدمة، تشمل تسلسل الحمض النووي الريبي، وتحليل التعبير الجيني، والتلوين الكيميائي النسيجي، فضلاً عن أساليب إحصائية دقيقة لمقارنة النتائج.
ما هو سرطان البروستاتا؟
-
الأعراض: نمو غير طبيعي للخلايا يبدأ في غدة البروستاتا، وهي غدة صغيرة تقع تحت المثانة، وتساعد في تكوين السائل المنوي.
-
الانتشار: يُعد من أكثر أنواع السرطان شيوعًا بين الرجال، وغالبًا ما يُكتشف مبكرًا وينمو ببطء.
-
فرص الشفاء: معظم الحالات المبكرة يمكن علاجها بنجاح، مع توفر عدة خيارات للعلاج.
-
العلاج المبكر: الجراحة، العلاج الإشعاعي، أو المراقبة الدقيقة لمتابعة تطور السرطان.
-
الحالات المتقدمة: إذا انتشر السرطان خارج البروستاتا، تصبح السيطرة أصعب، لكن العلاج يمكن أن يبطئ نموه ويطيل العمر، حتى إن لم يكن الشفاء ممكنًا.
الأعراض المبكرة:
-
غالبًا لا تظهر أعراض في المراحل الأولى.
-
إذا ظهرت، فقد تشمل:
-
دم في البول (لون وردي، أحمر، أو بني داكن).
-
دم في السائل المنوي.
-
التبول المتكرر.
-
صعوبة في بدء التبول.
-
الاستيقاظ ليلًا للتبول بشكل متكرر.
-
الأعراض المتقدمة (السرطان النقيلي):
-
تسرب بول غير مقصود.
-
ألم في الظهر أو العظام.
-
ضعف الانتصاب.
-
تعب شديد.
-
فقدان وزن غير مبرر.
-
ضعف في الذراعين أو الساقين.
من أصل 815 جيناً مرتبطا بالبروستاتا جرى تحديدها في البداية، ركز الفريق على أفضل 50 جيناً، ثم 9، قبل أن يقع الاختيار النهائي على أقوى 3، وأظهرت النتائج أن التعبير الجيني لهذه المؤشرات كان أعلى بكثير في عينات البول من مرضى السرطان مقارنة بالأصحاء، وتراجع بعد استئصال البروستاتا، كما سجل تفوقاً على المؤشر التقليدي.
وقال المؤلف المشارك في الدراسة، فيبول باتيل، مدير قسم أورام المسالك البولية في معهد السرطان التابع لمجموعة AdventHealth الطبية، إن هذا الاختبار ربما يساعد الأطباء في تقليل التدخلات غير الضرورية، مع تحسين فرص العلاج المبكر لمن يحتاجونه فعلاً.
وأشار إلى أن النتائج تمثل خطوة واعدة لصالح المرضى حول العالم.
ويقدم الاختبار البولي الجديد أملاً في تحسين دقة التشخيص، وتخفيف الأعباء عن المرضى، وتوفير أداة أكثر حساسية وأماناً للأطباء في مواجهة سرطان البروستاتا، أحد أكثر السرطانات فتكاً بالرجال.
ويخطط الباحثون للمرحلة التالية من خلال إجراء تجارب مستقلة في مؤسسات أخرى لتأكيد النتائج، إلى جانب تطوير النسخة السريرية من الاختبار ليصبح جاهزاً للاستخدام في المختبرات.
وقدمت جامعة جونز هوبكنز طلب براءة اختراع، وتعمل وحدتها المتخصصة في الابتكار على تأسيس شركة ناشئة لتسويق التكنولوجيا الجديدة.