ابتكار ياباني يعيد تشكيل طرق تشخيص وعلاج سرطان الرئة

time reading iconدقائق القراءة - 6
عامل رعاية صحية يساعد طبيباً في أخذ خزعة من رئة مريض بالسرطان في مركز يونايتد ميموريال الطبي (UMMC) بولاية تكساس في الولايات المتحدة. 10 يوليو 2020 - Reuters
عامل رعاية صحية يساعد طبيباً في أخذ خزعة من رئة مريض بالسرطان في مركز يونايتد ميموريال الطبي (UMMC) بولاية تكساس في الولايات المتحدة. 10 يوليو 2020 - Reuters
القاهرة -محمد منصور

ابتكر باحثون من جامعة أوساكا اليابانية طريقة طبية متقدمة من المتوقع أن تعيد تشكيل طرق تشخيص سرطان الرئة وعلاجها خلال السنوات المقبلة.

وطوّر الباحثون تقنية جديدة بالمنظار تحمل اسم "التوصيل بالمنظار بمساعدة البالون" كطريقة تتيح الوصول إلى الأورام الصغيرة المختبئة في أعماق الرئة بطريقة آمنة، مباشرة، ودون الحاجة إلى أدوات جراحية معقدة.

ويمثّل سرطان الرئة أحد أخطر أنواع السرطانات وأكثرها تسبباً في الوفيات على مستوى العالم، ورغم أن فحوص الأشعة المقطعية منخفضة الجرعة أسهمت في رفع نسب اكتشاف الأورام الصغيرة مبكراً، إلا أن الوصول مباشرة إلى هذه العقد الطرفية في الرئة للحصول على خزعة دقيقة ظل تحدياً كبيراً. 

ويرجع ذلك إلى الطبيعة التشريحية للشعب الهوائية، التي تتفرع تدريجياً إلى قنوات أضيق وأكثر تعقيداً كلما اقتربت من حواف الرئة وهو ما يجعل المناظير التقليدية عاجزة عن التقدم بما يكفي للوصول إلى موضع الورم، لذا يضطر الأطباء للتوقف قبل الهدف بعدة سنتيمترات، وهو ما يؤثّر على جودة التشخيص وخيارات العلاج.

ورأى فريق جامعة أوساكا أن الحل يكمن في إعادة التفكير في المسار بدلاً من الأداة، فبدلاً من تطوير منظار أرفع -وهو نهج حاولت عدة مؤسسات طبية اتباعه سابقاً واصطدم بعقبات تقنية وقيود ميكانيكية- فضَّل الباحثون توسيع الطريق نفسه، ومن هنا نشأت فكرة تقنية التوصيل بالمنظار بمساعدة البالون.

تعتمد هذه الطريقة على إدخال قسطرة رفيعة للغاية تحمل في طرفها بالوناً صغيراً، ويتم توجيهها عبر الشعبة الهوائية حتى تصل إلى النقطة التي يبدأ عندها التضيق، وعندها يُنفخ البالون بشكل مدروس بهدف توسيع الشعبة الهوائية بشكل مؤقت، بحيث يتسع الممر بدرجة تسمح للمنظار بالتقدم إلى عمق أبعد داخل الرئة، وصولاً إلى الآفة المراد فحصها.

التوصيل بالمنظار بمساعدة البالون.. أول نظام متكامل

وقد حاولت الفرق الطبية سابقاً استخدام أساليب مشابهة، لكن تقنية التوصيل بالمنظار بمساعدة البالون تُعد أول نظام متكامل وعملي يثبت فاعليته وسلامته في تجربة سريرية حقيقية.

وفي التجربة السريرية الأولى على البشر، نجح الفريق في الوصول إلى آفات صغيرة يصل قطرها إلى أقل من 20 ملم، وهو إنجاز بالغ الأهمية؛ نظراً لأن الأورام الصغيرة غالباً ما تكون قابلة للعلاج إذا شُخّصت مبكراً.

وأثبتت التجربة أن توسيع الشعب الهوائية باستخدام هذا البالون الدقيق لا يتسبب في أذى للرئة، ولا يؤدي إلى مضاعفات خطيرة، ما يشير إلى أن التقنية يمكن تطبيقها عملياً في بيئات سريرية واسعة.

وأكد الباحثون أن استخدام بالون لتوسيع المسار يُعد تحولاً في فلسفة التعامل مع الشعب الهوائية، إذ يعتمد على تدخُّل بسيط للغاية، منخفض التكلفة نسبياً، ولا يحتاج إلى أجهزة معقدة، وهو ما يجعل التقنية قابلة للاعتماد عليها في المؤسسات الطبية المختلفة، بما في ذلك المستشفيات التي لا تمتلك تجهيزات تكنولوجية فائقة.

كما يرجح أن يؤدي هذا التطور إلى تحسين كبير في دقة التشخيص، فعندما يقترب المنظار من مكان الورم بشكل مباشر، يصبح بالإمكان أخذ خزعة أكثر دقة، ما يقلل نسبة العينات غير الحاسمة أو السلبية الكاذبة التي كانت تظهر عندما تؤخذ العينات من مسافة بعيدة عن موضع الآفة، وهو ما يزيد قدرة الأطباء على تحديد نوع الورم مبكراً، وتوجيه المريض إلى العلاج الأنسب، سواء جراحة محدودة، أو علاج موجَّه، أو علاج مناعي.

ولا يتوقف أثر التقنية عند حدود التشخيص، إذ رأى فريق جامعة أوساكا أن القدرة الجديدة على الوصول العميق داخل الرئة قد تمهد الطريق لعلاجات مستقبلية تقدم مباشرة إلى الورم بالمنظار، دون الحاجة لعمليات جراحية كبيرة.

وقد يتيح هذا النهج تنفيذ إجراءات علاجية طفيفة التداخل، مثل الكي الموضعي، أو العلاج الضوئي الديناميكي، أو حقن الأدوية مباشرة داخل الآفة، وهو ما يفتح الباب أمام نموذج علاجي جديد تماماً لسرطان الرئة في مراحله المبكرة.

وقال المؤلف المشارك في الدراسة، أتسوشي كومانوجو، إن التقنية "تكنولوجيا يابانية خالصة" نتجت عن تعاون وثيق بين الجامعات والقطاع الصناعي.

وأضاف كومانوجو أن التجربة السريرية أثبتت "فاعلية وسلامة هذه الطريقة الجديدة"، وأن القدرة على الوصول إلى مناطق داخل الرئة لم يكن يمكن الاقتراب منها من قبل "سيكون لها أثر كبير في توسيع خيارات التشخيص والعلاج الطفيف التدخل لأورام الرئة المبكرة".

كما رأى الخبراء أن تطوير تلك التقنية لا يقتصر على تحسين دقة تشخيص سرطان الرئة فحسب، ولكنه يمثّل أيضاً تطوراً مفصلياً في قدرة المناظير على تجاوز القيود التشريحية الطبيعية.

وإذا استمرت الدراسات في إثبات فاعليتها، فمن المرجح أن تصبح هذه التقنية جزءاً أساسياً من بروتوكولات فحص الرئة في المستقبل، خصوصاً في ظل التوسع المتزايد في برامج الكشف المبكر.

تصنيفات

قصص قد تهمك