في عام 1985، أجرى الأطباء أول جراحة روبوتية موثقة، باستخدام ذراع جراحية روبوتية لمساعدتهم في عملية استئصال "خزعة عينة" من ورم عصبي، ثم سرعان ما تم استخدام العديد من الروبوتات في عمليات طفيفة التوغل، على غرار تنظير البطن.
وفي عام 2000، فتح الروبوت "دافنشي" آفاقاً جديدة حين أصبح أول نظام جراحة آلي تتم الموافقة عليه من قبل "إدارة الغذاء والدواء الأميركية" للجراحة العامة بالمنظار.
وللجراحة الروبوتية عدة فوائد، من ضمنها تراجع احتمالية الإصابة بالعدوى، وحدوث ندوب أقل، والشفاء بشكل أسرع، علاوة على احتمالية أقل لحدوث المضاعفات.
والآن، حققت الجراحة الروبوتية انتصاراً جديداً، إذ اكتشف الباحثون أنها تُقلل أيضاً من فرص العودة للمستشفى بعد الجراحة بمقدار 52%.
وكشفت دراسة، نشرت في دورية "جاما"، عن انخفاض بمقدار 4 أضعاف (77%) في الإصابة بالجلطات الدموية والصمة الرئوية بعد الجراحات، وهو سبب مهم لتدهور صحة المرضى بعد إجراء الجراحات.
وتقدم تلك الدراسة الدليل الأقوى حتى الآن على الفوائد، التي يُمكن أن تقدمها الجراحة الروبوتية للمرضى.
تعافي أسرع
وبحث المعهد البريطاني للصحة والتميز السريري "NICE"، في الدراسة، مدى أهمية إتاحة الفرصة للأطباء باستخدام الروبوتات الجراحية كخيار سريري في جميع جراحات البطن الرئيسية، بما في ذلك جراحات القولون والمستقيم وأمراض النساء.
وتقدم الدراسة دليلاً جديداً على ضرورة الإسراع في إتاحة تلك الفرصة، بحسب ما يقول أستاذ جراحة المسالك البولية في قسم الأورام بجامعة "شيفيلد" جيمس كاتو، وهو أيضاً الباحث الرئيسي في الدراسة، والذي يؤكد أن الجراحات الروبوتية ستسمح للمرضى بالعودة إلى منازلهم بسرعة أكبر بسبب المضاعفات الأقل، وحركتهم الأفضل، وقضاء وقت أقل في عملية التعافي.
وتشير الدراسة أيضاً إلى الاتجاهات المستقبلية في الرعاية الصحية، إذ قد تتمكن قريباً من مراقبة التعافي بعد الخروج من المستشفى عبر استخدام الأجهزة القابلة للارتداء، والتي يُمكنها فحص مستويات النشاط البدني للمرضى.
ومن الممكن أن يؤدي تتبع مستويات المشي مثلاً إلى تحديد أولئك الذين يحتاجون إلى زيارة منزلية علاجية أو ربما إجراء فحص عاجل في المستشفى.
انخفاض جلطات الدم
التجارب السابقة للجراحة الروبوتية ركزت على النتائج طويلة المدى، وأظهرت معدلات شفاء مماثلة من السرطان ومستويات مماثلة من التعافي على المدى الطويل بعد الجراحة، ولم ينظر أي منهم في الاختلافات في الأيام والأسابيع التي تلي الجراحة مباشرة.
وعلى الرغم من أن الجراحة بمساعدة الروبوت أصبحت متاحة على نطاق واسع، لكن لم يكن هناك أي أهمية للتقييم السريري بخصوص فائدته العامة في تعافي المرضى.
وفي هذه الدراسة أراد الباحثون تحديد ما إذا كانت الجراحة بمساعدة الروبوت، عند مقارنتها بالجراحة العادية، قللت من الوقت الذي يقضيه المريض في المستشفى، وتقلل إعادة الدخول للمستشفى، وإذا ما كانت تؤدي إلى مستويات أفضل من اللياقة ونوعية الحياة.
وحين مضى الباحثون قدماً في تلك الدراسة، وجدوا ذلك الاكتشاف غير المتوقع والمتمثل في الانخفاض المذهل في جلطات الدم لدى المرضى الذين يخضعون للجراحة الروبوتية؛ وهذا يشير إلى إجراء عملية جراحية آمنة مع المرضى الذين يستفيدون من مضاعفات أقل بكثير، كما أن العودة للحياة الطبيعية تحدث بشكل أسرع، كما يقول الباحثون.
وعلى عكس الجراحة المفتوحة، حيث يعمل الجراح مباشرة على المريض مُحدثاً شقوقاً كبيرة في الجلد والعضلات، تسمح الجراحة بمساعدة الروبوت للجراحين بتوجيه الأدوات طفيفة التوغل عن بُعد باستخدام وحدة التحكم بمساعدة العرض ثلاثي الأبعاد.
وعن الرغم من أن الجراحة المفتوحة هي "المعيار الذهبي" الجيد للعمليات الجراحية المعقدة للغاية، يأمل فريق البحث أن يتغير ذلك قريباً، إذ يقول الباحثون إنه في ضوء النتائج الإيجابية، فإن مفهوم الجراحة المفتوحة كمعيار ذهبي للعمليات الجراحية الكبرى أصبح الآن موضع تحد للمرة الأولى.
338 مريضاً بالسرطان
تم تنفيذ تلك الدراسة بمساعدة بيانات مأخوذة من 9 مستشفيات في المملكة المتحدة، تم اختيار 338 مريضاً مصاباً بسرطان المثانة "غير النقيلي" عشوائياً وتقسيمهم إلى مجموعتين: 169 مريضاً خضعوا لعملية استئصال جذري للمثانة بمساعدة الروبوت (إزالة المثانة) مع إعادة البناء داخل الجسم (عملية أخذ جزء من الأمعاء لعمل مثانة جديدة)، و169 مريضاً خضعوا لعملية استئصال المثانة الجذري المفتوح.
وكانت نقطة النهاية الأولية للتجربة هي مدة الإقامة في المستشفى بعد الجراحة.
وفي المتوسط، بقيت المجموعة المدعومة بالروبوت 8 أيام في المستشفى، مقارنة بـ 10 أيام لمجموعة الجراحة المفتوحة، أي بنسبة 20%. كما تم تخفيض إعادة الإدخال إلى المستشفى في غضون 90 يوماً من الجراحة بشكل كبير، 21% للمجموعة التي تعمل بمساعدة الروبوت، مقابل 32% للمجموعة المفتوحة.
وتم تقييم 20 نتيجة ثانوية أخرى في 90 يوماً، على مدى عام و6 أشهر بعد الجراحة، بحيث شمل ذلك التقييم انتشار الجلطة الدموية، ومضاعفات الجروح، ونوعية الحياة، والإعاقة، والقدرة على التحمل، ومستويات النشاط، والبقاء على قيد الحياة.
وأظهرت النتائج أن جميع نقاط التقييم تأتي لصالح الجراحة الروبوتية.
وأظهرت هذه الدراسة أيضاً أن كلاً من الجراحة بمساعدة الروبوت والجراحة المفتوحة لهما نفس القدر من الفعالية في ما يتعلق بتكرار الإصابة بالسرطان ومدة البقاء على قيد الحياة.
اقرأ أيضاً: