دراسة.. إنتاج مادة من "الشعاب المرجانية" قد تُعالج السرطان

time reading iconدقائق القراءة - 6
شعاب مرجانية في منطقة كولوسين بتايلاند- 20 يونيو 2021 - REUTERS
شعاب مرجانية في منطقة كولوسين بتايلاند- 20 يونيو 2021 - REUTERS
القاهرة-محمد منصور

منذ نعومة أظفاره اهتم الباحث الأميركي بول سيسا بالمحيطات، فبيئته التي نشأ في كنفها بولاية فلوريدا، كانت عبارة عن الكثير من المياه، والكثير من الرمال.

كان المحيط ملعبه الذي قضى فيه ساعات لا تُحصى، مستكشفاً أعماقه وحياته البرية، وحين وصل لمدرسته العُليا، طور ميلاً واهتماماً بالكيمياء العضوية، ليجمع بينهما (المحيط والكيمياء) في محاولة لفهم بيولوجيا الكائنات البحرية بشكل أفضل.

والآن، بعد سنوات طويلة من البحث، تمكن سيسا، الذي يعمل في الوقت الحالي باحثاً أول بجامعة "يوتا" الصحية، من اكتشاف أحد أفضل الأسرار المخبأة في أعماق المحيط، وهي عبارة عن مادة طبيعية واعدة يُمكن استخدامها في علاج السرطان.

وعلى مدار 25 عاماً كان مبتكرو الأدوية يبحثون عن مصدر مادة كيميائية طبيعية لها خصائص واعدة في الدراسات الأولية لعلاج السرطان، لكن مؤخراً ذكر باحثون في جامعة "يوتا" الصحية أن من السهل العثور على تلك المادة في الشعاب المرجانية اللينة، والتي تُشبه في شكلها النباتات الموجودة تحت الماء.

وسمح تحديد المصدر للباحثين بإجراء مجموعة من الأبحاث والعثور على كود الحمض النووي للشعاب واللازم لتخليق المادة الكيميائية، وعبر اتباع هذه التعليمات، تمكنوا من تنفيذ الخطوات الأولى لإعادة تكوين المادة الكيميائية المرجانية اللينة في المختبر.

ويفتح هذا التقدم المجال أمام إمكانية إنتاج المركب بكميات كبيرة لازمة للاختبارات، بحيث يمكن أن يؤدي في يوم من الأيام إلى أداة جديدة لمكافحة السرطان.

تثبيط نمو الخلايا السرطانية

كما أظهرت مجموعة بحثية ثانية من معهد "سكريبس" لعلوم المحيطات بجامعة كاليفورنيا بشكل مستقل، أن الشعاب المرجانية تصنع جزيئات يُمكنها مكافحة السرطان والقضاء عليه. وقد تم نشر الدراستين الاثنين في دورية "نيتشر: البيولوجيا الكيميائية".

وتحتوي الشعاب المرجانية اللينة على آلاف المركبات الشبيهة بالعقاقير التي يمكن أن تعمل كعوامل مضادة للالتهابات ومضادات حيوية شديدة التنوع، لكن الحصول على ما يكفي من هذه المركبات كان عائقاً رئيسياً أمام تطويرها إلى أدوية للاستخدام السريري.

ويقول الباحثون إنه يمكن الآن الوصول إلى هذه المركبات الأخرى باستخدام هذا النهج الجديد.

والشعاب المرجانية ليست الحيوانات الوحيدة التي قد تحتوي على علاجات محتملة، إذ تزخر الطبيعة بالثعابين والعناكب والحيوانات الأخرى المعروفة بحملها للمواد الكيميائية ذات الخصائص العلاجية، ومع ذلك، فإن المركبات المأخوذة من الشعاب المرجانية اللينة تقدم مزايا مميزة لتطوير الأدوية.

وعلى عكس المواد الكيميائية السامة التي يتم حقنها في الفريسة، تستخدم الشعاب المرجانية موادها الكيميائية لدرء الحيوانات المفترسة التي تحاول أكلها، ونظراً لأنها مصنوعة لتؤكل، فإن المواد الكيميائية للشعاب المرجانية اللينة سهلة الهضم.

وبالمثل يجب أن تكون الأدوية المشتقة من هذه الأنواع من المركبات قابلة للإعطاء كأقراص مع كوب من الماء، بدلاً من تناولها عن طريق الحقن أو وسائل أخرى أكثر تغلغلاً.

ويقول الباحثون إنه "يصعب العثور على هذه المركبات، لكن صنعها في المختبر أبسط، إضافة إلى أنها أسهل في تناولها كدواء".

كما وجد سيسا المُركب الذي طال انتظاره في نوع شائع من الشعاب المرجانية الناعمة التي تعيش قبالة ساحل فلوريدا، على بعد ميل واحد فقط من شقة شقيقه.

وفي تسعينيات القرن الماضي، أفاد علماء البحار بأن مرجاناً نادراً بالقرب من أستراليا يحمل مادة كيميائية "الإليوثروبين" لها خصائص مضادة للسرطان، حيث تعطل المادة الكيميائية الهيكل الخلوي، وهو دعامة رئيسية في الخلايا، وتستخدمها الشعاب المرجانية الناعمة كدفاع ضد الحيوانات المفترسة.

وقد أظهرت الدراسات المختبرية أن المُركب كان أيضاً مثبطاً قوياً لنمو الخلايا السرطانية.

وفي العقود التي تلت ذلك، بحث العلماء ولكن لم يتمكنوا من العثور على المادة الكيميائية بالكميات اللازمة لتطوير الأدوية، ولم يتمكنوا من معالجة المشكلة دون فهم كيفية صنع المادة الكيميائية.

وظن العلماء أنه وعلى غرار الأنواع الأخرى من الحياة البحرية، فإن المادة الكيميائية يتم تصنيعها بواسطة كائنات تكافلية تعيش داخل حيوانات المرجان.

ويقول سيسا: "لم يكن الأمر منطقياً، فقد كنا نعلم أن الشعاب المرجانية يجب أن تصنع "الإليوثروبين".

الشيفرة الجينية للشعاب المرجانية

وبعد سنوات من الأبحاث، استنتج سيسا وفريقه البحثي أن بعض أنواع الشعاب المرجانية اللينة لا تحتوي على كائنات حيّة تكافلية، ومع ذلك تحتوي أجسامها على نفس فئة المواد الكيميائية.

واشتبه الباحث في أن الأنواع المرجانية المألوفة لديه قد يكون لديها الإجابة، فجلب عينات حية صغيرة من فلوريدا إلى جامعة يوتا، وبدأت عملية "الصيد الحقيقية" كما يقول.

وكانت الخطوة التالية هي معرفة ما إذا كانت الشفرة الجينية للشعاب المرجانية تحمل تعليمات لصنع المركب.

وجعلت التطورات في تكنولوجيا الحمض النووي مؤخراً عملية تجميع الرموز التي يستخدمها أي كائن لصناعة المركبات الكيميائية ممكنة، لكن كانت الصعوبة في أن العلماء لم يعرفوا كيف يجب أن تبدو التعليمات الخاصة بصنع المادة الكيميائية.

ويقول الباحثون "كان الأمر أشبه بالخوض في الظلام والبحث عن إجابة، حيث لا تعرف السؤال"، لكنهم تمكنوا من معالجة المشكلة من خلال إيجاد مناطق من الحمض النووي للشعاب المرجانية تشبه التعليمات الجينية لأنواع مماثلة من المركبات من الأنواع الأخرى.

وبعد برمجة البكتيريا التي نمت في المختبر لاتباع تعليمات الحمض النووي للشعاب المرجانية الخاصة بالشعاب المرجانية اللينة، تمكنت الكائنات الحية الدقيقة من تكرار الخطوات الأولى لجعل علاج السرطان المحتمل يُفرز بكميات معقولة.

وأثبت هذا أن الشعاب المرجانية اللينة هي مصدر "الإليوثروبين" كما أظهر أنه من الممكن تصنيع المركب في المختبر.

ويركز عمل سيسا وفريقه البحثي الآن على ملء الخطوات المفقودة من وصفة المركب، وتحديد أفضل طريقة لإنتاج كميات كبيرة من الدواء المحتمل.

تصنيفات