الشبكات الاجتماعية متهمة بمفاقمة مرض فقدان الشهية

time reading iconدقائق القراءة - 7
مراهقتان تمشيان أمام متجر لبيع الملابس في بوينس آيرس في الأول من يوليو 2005 حيث يخبر المسؤولون الأرجنتينيون تجار التجزئة وصناعة الأزياء ببيع أحجام أكبر لجيوش من المراهقين في هذا البلد المهووس بالنحافة، والذي يعاني من ثاني أعلى معدل لفقدان الشهية والشره المرضي في العالم بعد اليابان - REUTERS
مراهقتان تمشيان أمام متجر لبيع الملابس في بوينس آيرس في الأول من يوليو 2005 حيث يخبر المسؤولون الأرجنتينيون تجار التجزئة وصناعة الأزياء ببيع أحجام أكبر لجيوش من المراهقين في هذا البلد المهووس بالنحافة، والذي يعاني من ثاني أعلى معدل لفقدان الشهية والشره المرضي في العالم بعد اليابان - REUTERS
باريس- أ ف ب

يحذر متخصصون من استمرار ظاهرة التضليل في أنماط الغذاء وشكل الجسد ومعايير الجمال من حسابات عديدة على شبكات التواصل الاجتماعي حلت محل مدونات ومجلات اعتمدت في الماضي على تصوير النحافة "نموذجاً منشوداً" ما يؤدي إلى اضطرابات في الأكل لدى الكثيرين مثل فقدان الشهية.

ويأتي هذا التحذير لمناسبة اليوم العالمي لاضطرابات الأكل السلوكية الذي يصادف الخميس. ورغم كون هذه الشبكات تتيح إنشاء مجموعات دعم لمن يعانون هذه الاضطرابات، فقد يتسبب ذلك في جعلهم أسرى هذه الحالة المرضية.

وهذه الظاهرة ليست جديدة، إذ سُجلت على سبيل المثال في مطلع العقد الثاني من القرن  الـ21 طفرة مدونات مؤيدة لفقدان الشهية تسمى "برو آنا" (pro-ana) أو للشره المرضي وتسمى "برو ميا" (pro-mia).

وبادرت الشركات الموفرة لخدمات الإنترنت لاحقاً إلى حذف هذه المدوّنات.

"التحديات"

ومن هذه الأشكال ما يسمى "التحديات" (challenges) التي غالباً ما يطلقها شباب على شبكتي التواصل الاجتماعي تيك توك وإنستجرام وتتوجه إلى شباب آخرين.

ومن هذه "التحديات" تلك التي تسمى "ورقة إيه4 (A4)"، ويتطلب الفوز بها أن يقتصر مقاس محيط الخصر على 21 سنتيمتراً، أي بعرض ورقة A4، وهو ما يستحيل تحقيقه إلا باتباع حمية قاسية جداً تصل إلى حد الامتناع عن تناول الطعام مدة طويلة.

وتنتشر على الشبكات الاجتماعية آلاف الحسابات التي تمجّد النحافة، ويمكن أن تتسبب بعقد لدى المراهقين.

ويرى الأستاذ المحاضر في علم النفس السريري بجامعة نانت (غرب فرنسا) فالنتان فلودياس، أن إقبال الشباب على حسابات هؤلاء المشاهير النحفاء الذين يتمتعون بلياقة بدنية وبصحة جيدة يعود أولاً إلى "الأفكار السائدة في المجتمع".

حسابات "الشفاء"

ولاحظ فلودياس في حديث لوكالة "فرانس برس"، أن "مكافحة البدانة والدعوة إلى النشاط البدني يعززان نزعة اللجوء إلى هذه الحسابات التي تتوافق مع مبدأ النحافة"، مذكراً بالتصريحات المقلقة لمنظمة الصحة العالمية في مايو الماضي عن "وباء بدانة" في أوروبا.

وترى الطبيبة النفسية للأطفال ورئيسة الاتحاد الفرنسي لفقدان الشهية والشره المرضي ناتالي جودار، أن "المسألة الجمالية" الحاضرة بكثافة على الشبكات الاجتماعية وفي صورها المحسّنة بالفلاتر وتقنيات التنقيح، تُحدث تأثيراً على الأشخاص الذين يعانون أساساً اضطرابات الأكل.

وتشرح جودار أن فقدان الشهية العصبي هو نتيجة "لعوامل عدة" ولا يمكن تالياً القول إن "الشبكات الاجتماعية هي سببه الحصري"، مع أن هذه المنصات يمكن أن تكون "عاملاً في توليد شعور بالانزعاج والاستخفاف بالنفس".

وهنا باتت الشابات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و 25 عاماً يستخدمن الشبكات لعرض تجاربهنّ الاستشفائية وعلاقتهن بالمرض من خلال إنشاء حسابات "ريكوفيري" (أي "شفاء").

وهذا ما يؤدي إلى إنشاء مجموعات تتبادل أعضاؤها المريضات المساعدة أملاً في التحسن. ومع أن فلودياس يصفها بـ"الأمر الجيد"، يرى في المقابل أنها "تنطوي على مخاطر".

ويوضح أن "فقدان الشهية غالباً ما يكون مشكلة مرتبطة بالعلاقة مع الآخرين، ويكمن الخطر في أن هذه الحسابات قد تؤدي إلى أن يصبح مرض الشخص مرادفاً لهويته، ما يجعله تالياً أسيراً لهذا المرض".

تركيز على الجسم

ويلاحظ الباحث اتساع حركة "الإيجابية الجسدية" (أي حبّ الشخص لجسده) على الشبكات، ويرى أنها "أفضل طبعاً من حركة "برو-آنا"، لكن (هذا النوع من الحسابات) يركز كثيراً على الجسم، بينما يتطلب الشفاء من فقدان الشهية الابتعاد" عن هذا الهاجس.

وتلاحظ ناتالي جودار أن هذه الحسابات التي تتحول أحياناً إلى نوع من "التوجيه الغذائي"، تؤدي إلى "اجتياح" مسألة الأكل فكر الأشخاص.

وقد يعتقد بعض المرضى أنهم شفوا ولكنهم قد يصابون باضطراب مشابه، هو الأرثوريكسيا أو الهوس بالأكل الصحي.

ولا يعود هاجس هؤلاء الأشخاص وزنهم، ومن هنا الاختلاف مع فقدان الشهية، لكنهم يفرطون في الانتباه إلى ما يأكلونه، ما يؤثر سلباً في حياتهم الاجتماعية.

تجربة المرضى

وشاركت عالمة النفس بباريس بولين دريك عام 2019 في تأسيس ورشة عمل جماعية في مستشفى نهاري يستند إلى تجربة المرضى على الشبكات الاجتماعية.

وتقول إن هؤلاء الشباب الذين يعانون من اضطرابات الأكل "يتصفحون الشبكات الاجتماعية مساءً في غرفهم، عندما يكونون بمفردهم، وأحياناً في لحظات القلق".

وخلال ورش العمل يعلقون على "منشور على إنستجرام أو فيديو على يوتيوب" ويحللون آثاره الإيجابية أو السلبية على وضعهم النفسي.

لكن دريك ترى أن النظرة إلى المحتوى تختلف "بحسب المريض، ومرحلة مرضه". وتشير مثلاً إلى أن حساباً عن الطهو "قد يوفر احتمالات شفاء لمريض ما، لكنه قد يفاقم القيود الغذائية لدى مريض آخر".

ولا يتمثل الهدف في شيطنة الشبكات الاجتماعية، بل في توعية المرضى بالتأثير الذي يمكن أن تُحدثه هذه المنصات على الاضطرابات التي يعانونها "لكي يستخدموها بانتباه"، على قول دريك.

اقرأ أيضاً:

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.