المرضى النفسيون خارج حسابات أغلب الدول الأوروبية في أولوية التطعيم ضد كورونا

time reading iconدقائق القراءة - 6
أحد أفراد الطواقم الطبيعة يعمل على تجهيز جرعة من لقاح كورونا في السلفادور - REUTERS
أحد أفراد الطواقم الطبيعة يعمل على تجهيز جرعة من لقاح كورونا في السلفادور - REUTERS
القاهرة -محمد منصور

أظهر مسح أجرته منظمات المرضى النفسيين والصحة العقلية الرئيسية في أوروبا، أن 4 دول فقط من أصل 20 دولة أوروبية، تعطي الأولوية لمن يعانون اضطرابات عقلية حادة، لأخذ لقاح كورونا.

ويأتي ذلك الأمر برغم الأدلة العلمية التي تُظهر أن هؤلاء المرضى من بين الأكثر تعرضاً للخطر، حسبما ورد في دراسة نشرت في دورية "لانسيت" للطب النفسي.

وينصح الاتحاد الأوروبي بإعطاء الأولوية لتطعيم الأشخاص الذين تُعرضهم ظروفهم الصحية لخطر المضاعفات الخطيرة لعدوى كورونا "كوفيد 19". لكن يُترك الأمر للدول الأعضاء لتحديد الحالات الطبية التي تحظى بتلك الأولوية. 

واستخدم الباحثون في تلك الدراسة الاعتبارات الأخلاقية وعلم الأعصاب ومبادئ الصحة العامة، لتحديد أولويات الأفراد الذين يعانون أمراضاً نفسية شديدة، كالاضطرابات الذهانية والاضطرابات ثنائية القطب واضطراب الاكتئاب الرئيسي الشديد. 

4 دول فقط

وراجع المؤلفون خطط نشر اللقاحات الرسمية المتاحة للجمهور، واتصلوا بالأطباء السريريين في 20 دولة أوروبية لتأكيد سياسات التطعيم الوطنية.

ووجد العلماء في تلك الدراسة أن هولندا وألمانيا والدنمارك والمملكة المتحدة فقط هي التي تعترف بالمرض العقلي الحاد كحالة طبية عالية الخطورة مؤهلة للتطعيم المبكر ضد فيروس كورونا.

واللافت للنظر أن أغلبية البلدان التي شملها الاستطلاع لا تذكر الصحة العقلية في إرشادات أولوية التطعيم الخاصة بها، فيما تعطي بعض البلدان الأولوية للعلاج لأولئك الموجودين في مؤسسات الصحة العقلية، لكن معظم المرضى الذين يعانون أمراضاً عقلية حادة يعيشون الآن ويتلقون العلاج في "المجتمع" أي خارج المستشفيات العقلية والنفسية، ولذا لا تغطيهم خطط التطعيم. 

وقالت الباحثة في معهد أنتويرب التعاوني لبحوث الطب النفسي، ليفيا دي بيكر، المؤلفة الرئيسية لتلك الدراسة، إن "الورقة البحثية بمنزلة تنبيه شديد الأهمية لكل دول العالم".

وأضافت الباحثة لـ"الشرق"، أنها "تدعو إلى إعطاء أولوية التطعيم لهؤلاء الذين يعانون مرضاً عقلياً حاداً". 

وأكدت بيكر، أن السبب الأكثر أهمية لمنح هؤلاء الأولوية للتطعيم هو أن الدراسات أشارت إلى أن الأشخاص الذين يعانون مرضاً عقلياً لديهم خطر مضاعف لدخولهم المستشفى والموت بمرض كورونا.

وتابعت، أن "هذا يعني وجوب معاملتهم كمجموعة ذات مخاطر طبية عالية، تماماً مثل الأشخاص الذين يعانون اضطرابات أخرى تُكسبهم مخاطر متزايدة مثل السرطان والسكري". 

الأولولية للمرضى النفسيين

ويعاني شخص من كل 20 شخصاً في أوروبا من مشكلة صحية عقلية خطيرة في مرحلة ما من حياته.

ويعيش معظم الأشخاص الذين يعانون الاضطرابات النفسية الحادة ويعالجون في "المجتمع"، أيّ خارج المستشفيات، و"يتم تجاهلهم تماماً في معظم خطط التطعيم"، وهو ما تطالب الورقة البحثية بتغييره.  

وبحسب الدراسة، فإنه لا يكفي على الإطلاق إعطاء الأولوية للمرضى النفسيين الذين يعيشون في مؤسسات رعاية، أو المرضى الذين يعانون مشكلات سلوكية تمنعهم من اتباع المعايير الخاصة بالتباعد الاجتماعي. 

وشدد بيكر، على أن ذلك يُمثل "وصماً وتجاهل مجموعة كبيرة من المرضى الذين يعيشون في خطر متزايد". 

ويتعرض الأشخاص المصابون بمرض عقلي خطير لخطر متزايد للإصابة بكورونا، ولديهم معدلات أكبر للإصابة بالأمراض والوفيات.

وتسهم العوامل التي تُحيط بهؤلاء المرضى بارتفاع احتمالية إصابتهم بأعراض وخيمة. وتشمل تلك العوامل الأدوية المصاحبة والصحة العامة والأمراض الجسدية المشتركة ومحدودية الوصول للرعاية الطبية والعوامل البيئية ونمط الحياة، مثل انخفاض الحالة الاجتماعية والاقتصادية. 

وفي ضوء نقاط الضعف هذه، من المهم أن يكون الأشخاص الذين يعانون من الأمراض العقلية أكثر قدرة على الوصول للتطعيمات واللقاحات، كما يجب إدراجهم في خطط التطعيم ومعاملتهم معاملة كبار السن، والمصابين بأمراض جسدية مُصاحبة، وفق دراسة نُشرت في دورية "غاما- علم النفس". 

لكن الدلائل المستمدة من برامج التطعيم الحالية، تشير إلى أن هناك تحديات في تحقيق هذا الهدف. فالأشخاص الذين يعانون أمراضاً عقلية "أقل عرضة لتلقي رعاية صحية وقائية أو توجيهية مناسبة". 

ويبدو أن نتائج ذلك المسح يُمكن "تطبيقها أيضاً على النموذج الأميركي، لكن في الإنفلونزا". 

وبحسب دراستين منفصلتين، وعلى عكس المجموعات المرضية الأخرى، تبلغ معدلات التطعيم ضد الإنفلونزا بين الأشخاص الذين يعانون أمراضاً عقلية وخيمة نحو 25% فقط، مقارنة بنسبة متوسطة تبلغ 72% في بقية الأمراض.

"تحديد الأولويات"

ويحتاج المجتمع إلى إعطاء الأولوية للفئات المعرضة للخطر، ولكن من المحبط أن نرى أنه حتى أثناء الوباء، فإن "الصحة العقلية هي فكرة هامشية ومتأخرة بالنسبة للعديد من البلدان"، بحسب الدراسة.

والدليل العلمي واضح على أن الوباء الحالي والإغلاق فاقما من خطورة تلك الأمراض على وجه التحديد، ما يعني ضرورة تطعيم هؤلاء "الذين تضرروا بشدة من إغلاق باب منازلهم عليهم"، وفق بيكر. 

وتقول الدراسة الحالية إن التطعيم المبكر "ضروري لحماية كل الفئات من العدوى الشديدة والمميتة" لكن في ظل نقص المعروض من التطعيمات "يجب تحديد الأولويات"، ومن بينهم "المرضى النفسيون" بحسب تصريحات بيكر لـ"الشرق".

وترى بيكر أنه على الرغم من هذه الإحصائيات، فإن هناك بعض الأمثلة الإيجابية. إذ غيّرت 3 دول على الأقل (هولندا وألمانيا والدنمارك) سياستها وزادت من مستوى الأولوية للمرضى النفسيين، بعد مناصرة جمعيات الطب النفسي، وبعد كشف الأدلة العلمية الجديدة على زيادة معدلات الخطورة عند هؤلاء المرضى، معربة عن أملها في أن تحذو الدول الأخرى حذوها.