دراسة: كراهية الأجانب والعنصرية تهددان الصحة العامة

time reading iconدقائق القراءة - 6
امرأة تقف أمام لافتة خلال مسيرة ضد العنصرية في وسط العاصمة البريطانية لندن. 22 مارس 2014 - Reuters
امرأة تقف أمام لافتة خلال مسيرة ضد العنصرية في وسط العاصمة البريطانية لندن. 22 مارس 2014 - Reuters
القاهرة -محمد منصور

أفادت دراسة علمية جديدة نُشرت في وقت مبكر، الجمعة، بأن الممارسات العنصرية وكراهية الأجانب تؤثران بشكل عميق على صحة الأقليات وتشكلان تهديداً خطيراً للصحة العامة. 

وأشارت الدراسة التي نشرتها دورية "لانسيت" إلى أن التمييز محرك مهم لعدم المساواة في "الصحة العرقية"، أي الممارسات الصحية المُقدمة للأعراق المختلفة داخل المنطقة الجغرافية الواحدة، بما في ذلك التأثير المباشر على الجسم من خلال الاستجابات للضغط وتشكيل بيئات المعيشة بشكل عميق والحد من فرص الأفراد في تحسين الصحة.

ويدعو مؤلفو الدراسة إلى "اعتراف أوسع بالعنصرية وكراهية الأجانب" كمحددات أساسية للصحة، ويحثون المجتمع الصحي على الدفاع عن التدابير التي تركز على الأسباب الهيكلية لمواجهتها وتنفيذها.

تأثيرات أساسية

تعد العنصرية وكراهية الأجانب والتمييز من المؤثرات الأساسية في الصحة على مستوى العالم، ولكن تم تجاهلها حتى الآن من قبل الباحثين الصحيين وصنّاع السياسات والممارسين.

وقال الباحثون إن العنصرية وكراهية الأجانب موجودتان في كل مجتمع حديث، ولهما آثار عميقة على صحة الأشخاص المحرومين، وإلى أن يتم الاعتراف عالمياً بالعنصرية وكراهية الأجانب باعتبارهما من العوامل الرئيسية المؤثرة في محددات الصحة، ستظل الأسباب الجذرية للتمييز في الظل وستستمر في التسبب بالتفاوتات الصحية وتفاقمها.

إن العنصرية وكراهية الأجانب والتمييز قضايا عالمية، في حين تختلف السياقات والتاريخ، فإن الدوافع الاجتماعية والسياسية والعواقب الصحية للتمييز القائم على فئات الطبقة الاجتماعية والعرقية والأصل وحالة الهجرة والعرق والدين ولون البشرة متشابهة في جميع أنحاء العالم.

معاناة السكان الأصليين

العواقب الصحية لهذه الدوافع الاجتماعية والسياسية واضحة في جميع أنحاء العالم. في بريطانيا على سبيل المثال، شوهدت معدلات وفيات أعلى بين المجموعات العرقية ذات الأصول الإفريقية والكاريبية السمراء والبنجلاديشية والباكستانية والهندية في الموجة الثانية من وباء فيروس كورونا

كما أن مجموعات المهاجرين وغيرهم مثل "الطبقات المجدولة"، في إشارة إلى نظام طبقي في الهند، غالباً ما تكون في وضع غير مؤاتٍ بسبب العوائق التي تفرضها الحكومات على الرعاية الصحية. 

وبالمثل، يعاني السكان الأصليون في جميع أنحاء العالم من نتائج صحية سيئة، بما في ذلك انخفاض متوسط العمر المتوقع، وارتفاع معدل وفيات الرضّع والأمهات، وسوء التغذية.

ويوضح باحثون أيضاً في سلسلة من الدراسات، التي نُشرت بالتزامن مع تلك الدراسة، الكيفية التي ساهم بها العلم والطب تاريخياً في تشكيل ودعم تصنيف البشر، ما أدى إلى التسلسل الهرمي الاجتماعي في العصر الحديث. 

أسطورة التميز

بمرور الوقت أثبت العلم أن البشر هم أحد أكثر الأنواع تشابهاً وراثياً على وجه الأرض، كما أن التباين الجيني والفسيولوجي "يرسم بشكل سيئ" الفئات العرقية والإثنية التي هي هياكل اجتماعية وسياسية. 

ومع ذلك، فإن الأسطورة القائلة بأن الأجناس متميزة بيولوجياً لا تزال قائمة، وتتجلى في البحث الطبي والممارسة بطرق مختلفة. 

وعلى سبيل المثال، عند تشخيص أمراض الكلى المزمنة، تم استخدام العرق كمتغير لقياس وظائف الكلى لدى المرضى في العديد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا. 

قد يساهم استخدام النتيجة المستندة إلى العرق بشأن وظيفة الكلى في الصور النمطية العنصرية، وعدم المساواة بين المرضى من أصول إفريقية المصابين بمرض الكلى المزمن.

ومن السرطانات إلى أمراض القلب والأوعية الدموية إلى كورونا، غالباً ما يتم ضم العرق كعامل من عوامل الخطر. 

ومع ذلك، فإن الأسباب التي تجعل بعض الأقليات أكثر عرضة للإصابة بالأمراض لم تخضع للتدقيق الكافي من المهنيين الصحيين والباحثين، وهناك ميل لافتراض أن هذه التفاوتات محددة وراثياً وغير قابلة للتغيير.

عمليات معقدة

تتحدى سلسلة الدراسات المنشورة في دورية "لانسيت" هذه الفكرة، إذ على المستوى الفردي يمكن أن يؤدي التمييز إلى تنشيط هرمونات الجسم واستجابات الإجهاد، ما قد يتسبب في تغيرات بيولوجية قصيرة وطويلة المدى. 

ويشكل التمييز أيضاً البيئات المعيشية ويضع الأسس للعديد من عوامل الخطر المرتبطة بسوء الصحة، مثل التعرّض لمساكن رديئة الجودة والعنف وتلوث الهواء والوصول المحدود إلى المساحات الخضراء والأطعمة المغذية. 

بالإضافة إلى ذلك، فإن التمييز يحد من الفرص التي يمكن للأفراد من خلالها تحسين صحتهم ورفاهيتهم، من خلال التعليم الرسمي والترفيه والوظائف والرعاية الصحية. 

وتؤثر هذه العمليات المعقدة والمتفاعلة على الأفراد الأقل حظاً طوال حياتهم. وتوضح الأدلة أيضاً عواقب التمييز بين الأجيال، من خلال التغييرات في الصحة العقلية للأم والتغيرات اللاجينية، أي الطريقة التي تؤثر بها العوامل البيئية على كيفية عمل جينات الشخص. 

وتشير الدلائل الموجودة إلى أن الآثار البيولوجية المباشرة وغير المباشرة للتمييز تعد محركاً مهماً لعدم المساواة في الصحة العرقية في جميع أنحاء العالم، وليس الاختلاف الجيني، كما كان يُفترض في كثير من الأحيان بسبب المفاهيم المعيبة للاختلاف العنصري. 

تحسين التشريعات

وعلى المستوى المجتمعي، يكون التمييز مكلفاً ويؤدي إلى صدمة جماعية.

وهناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات أوسع وأعمق لتحويل النظم الحالية التي تدعم وتعيد إنتاج العنصرية وكره الأجانب، إلى جانب التدابير التي تقلل من الآثار الصحية للعنصرية وكراهية الأجانب على الأفراد.

واقترح مؤلفو الدراسة أن "مثل هذا التغيير يمكن تحقيقه من خلال تنفيذ تدخلات الصحة العامة المناهضة للعنصرية"، على سبيل المثال، برامج التعليم المبكر التي تقلل التحيز تجاه الفئات التي تتعرّض للتمييز، وتحسين الحساسية الثقافية بين مقدمي الرعاية الصحية، وتعزيز توفير الضمان الاجتماعي.

ويجب أيضاً تحسين التشريعات وسياسات المساواة بين الأعراق كنقاط انطلاق فعالة للتقدم، حيث تشير الأدلة إلى أن قوانين المساواة العرقية وعدم التمييز ترتبط بنتائج أفضل للمجموعات الأقل عرقياً.

اقرأ أيضاً: