نجاح أول علاج لسرطان الدم بـ"تعديل الجينات"

time reading iconدقائق القراءة - 6
صورة من أحد معامل مستشفى "جريت أورموند ستريت" للأطفال في بريطانيا. - gosh.nhs.uk
صورة من أحد معامل مستشفى "جريت أورموند ستريت" للأطفال في بريطانيا. - gosh.nhs.uk
القاهرة- محمد منصور

نجح فريق مشترك من علماء بجامعة "لندن جلوبال" وأطباء من مستشفى "جريت أورموند ستريت" للأطفال في بريطانيا، في علاج طفلة تعاني من سرطان الدم الحاد بواسطة خلايا تائية مُعدلة جينياً باستخدام تقنية جديدة.

والخلايا التائية - المعروفة أيضاً باسم الخلايا اللِّمفاوية - هي كريات الدم البيضاء التي تساهم في حدوث المناعة المكتسبة، وتوجد منها 3 أنواع، المساعدة، والسامة للخلايا، والتنظيمية.

وفي حالة الإصابة بسرطان الدم تتكون خلايا تائية غير ناضجة - تسمى أحياناً الخلايا التائية السرطانية - لا تؤدي دورها بشكل طبيعي لذا يجد الجسم صعوبة في مكافحة العدوى، ويصاب بعض المرضى بنزيف مستمر.

وشُخصت الطفلة، التي تدعى أليسا وتبلغ من العمر 13 عاماً، عام 2021 بالإصابة بسرطان الدم الليمفاوي الحاد الناجم عن خلل الخلايا التائية بعد فترة طويلة من اعتقاد أسرتها أنها مصابة بنزلات برد وفيروسات وتعب عام.

وخضعت لجميع العلاجات القياسية لسرطان الدم، بما في ذلك العلاج الكيميائي وزرع النخاع، إلا أنها أصيبت بانتكاسة وعاد إليها السرطان مرة أخرى، ولم تتمكن الفرق الطبية في المستشفيات التي كانت تعالج بها من السيطرة على السرطان وإعادته إلى حالة الهدوء، ولم تكن هناك أي خيارات للعلاج.

أول تجربة سريرية

وبعد مناقشة مع عائلتها، سُجلت أليسا كأول مريضة في تجربة سريرية تستهدف زرع خلايا مُعدلة بتقنية التحرير الجيني، وفي مايو 2022 دخلت وحدة نخاع العظم في المستشفى لتلقى خلايا مناعية سليمة من متبرع قام الأطباء بتحريرها قبل حقنها في جسد الفتاة.

وتم تزويد الخلايا بمستقبل يجعلها تُطارد الخلايا التائية السرطانية وقتلها، دون أن تُهاجم بعضها البعض، وبعد 28 يوماً فقط، كانت أليسا في حالة جيدة، وأجريت لها عملية زرع نخاع عظمي لاستعادة جهازها المناعي. 

والآن، وبعد 6 أشهر من زرع النخاع، بدأت الطفلة التعافى مع استمرار متابعتها في المستشفى، وأكد الأطباء أنها "أصبحت خالية من اللوكيميا الآن".

الخيار الوحيد

وقال فريق الباحثين والأطباء إنه دون هذا العلاج التجريبي، كان الخيار الوحيد للطفلة هو "الرعاية التلطيفية" أي تناول المسكنات وانتظار الموت.

وقدم الباحثون بيانات التجربة لأول مرة في الاجتماع السنوي للجمعية الأميركية لأمراض الدم في نيو أورلينز، في الولايات المتحدة.

والتجربة السريرية لهذا العلاج مفتوحة حالياً وتهدف إلى تطبيقها على 10 مرضى ممن استنفدوا جميع خيارات العلاج التقليدية، وإذا ثبت نجاحها على نطاق واسع، يأمل فريق الباحثين والأطباء إجراءها على الأطفال في وقت مبكر من رحلة العلاج عندما يكونون أقل مرضاً، ومن المتوقع تقديم المزيد من التطبيقات لأنواع أخرى من سرطان الدم عام 2023.

وأضاف الفريق أن أليسا كانت دائماً في قلب القرارات المتعلقة برعايتها، موضحين أنها بمجرد معرفتها التجربة السريرية قالت: "بمجرد أن أفعل ذلك، سيعرف الناس ما يحتاجون إلى القيام به، بطريقة أو بأخرى، لذا فإن القيام بذلك سيساعد الناس.. بالطبع سأفعل ذلك".

توسيع التجربة

وقال أستاذ علوم المناعة بجامعة "لندن جلوبال" والمشرف على العلاج البروفيسور وسيم قاسم، إن "الفريق البحثي صمم وطور العلاج من المختبر إلى العيادة، ونجري الآن تجربته على الأطفال من جميع أنحاء المملكة المتحدة".

وقالت كيونا، والدة أليسا، في بيان تلقت "الشرق" نسخة منه: "قال الأطباء إن الأشهر الستة الأولى هي الأكثر أهمية ولا نريد أن نكون متعجرفين للغاية لكننا ظللنا نفكر، فإذا تمكنوا من التخلص منها، مرة واحدة فقط، ستكون على ما يرام". 

وأضافت: "أليسا ناضجة جداً ويمكنك أن تنسى أنها مجرد طفلة لكن نأمل أن يثبت هذا أن البحث ناجح ويمكن تقديمه لمزيد من الأطفال"، مشيرة إلى أن ابنتها تريد العودة إلى المدرسة وقد يصبح ذلك حقيقة واقعة قريباً.

تحرير الخلايا

وأوضح الأطباء والباحثون أنه لتحرير هذه الخلايا "تم تصميم خلايا التائية السليمة المتبرع بها في غرفة داخل المستشفى مع 4 تغييرات منفصلة، وكانت الخطوة الأولى هي إزالة المستقبلات الموجودة بحيث يُمكن تخزين الخلايا التائية من المتبرع واستخدامها دون مطابقة، ما يجعلها عالمية أي صالحة للزراعة في أيّ شخص".

بعد ذلك أزال الباحثون علامة تسمى "CD7" والتي تحددها كخلايا تائية، مشيرين إلى أنه دون هذه الخطوة، فإن الخلايا التائية المبرمجة لقتل الخلايا التائية ستؤدي ببساطة إلى تدمير خلايا الجسم السليمة بـ"النيران الصديقة".

وفي الخطوة الثالثة أزال الباحثون علامة أخرى تسمى "CD52" وهو ما يجعل الخلايا المعدلة غير مرئية لبعض الأدوية القوية التي تعطى للمريض أثناء العلاج، وفي الخطوة الرابعة والأخيرة، وضعوا أحد المستقبلات المعروفة باسم "CAR" والتي تتعرف على مستقبلات الخلايا التائية "CD7" على الخلايا التائية السرطانية، وبتلك الخطوة تصبح الخلايا مسلحة ضد "CD7" وتتعرف على سرطان الدم في الخلايا التائية وتدمره.

وفي السابق اعتمد العلاج على تقنية "TALENS" أو "كريسبر-كاس 9" لإحداث تغييرات في الجينات من خلال قطع جزء من الحمض النووي بواسطة إنزيم يقوم بدور "المقص" الجزيئي، لكن التعديل الجديد يعمل دون التسبب في حدوث انقطاع في الحمض النووي، ما يسمح بمزيد من التعديلات، مع مخاطر أقل للتأثيرات غير المرغوب فيها على الكروموسومات.

والكروموسوم هو جين، أي جزء من النواة، والبنيان المركزي الذي تحتوي عليه كل خلية حية من خلايا الجسم.

اقرأ أيضاً: