أعلن علماء من معهد تكساس للقلب في الولايات المتحدة، نتائج أكبر تجربة علاج خلوي حتى الآن لمرضى يُعانون من قصور القلب المزمن، إذ تم في هذه التجربة حقن القلب المصاب بخلايا جذعية.
وأثبت العلاج الجديد نجاحاً في خفض معدلات النوبات القلبية أو السكتات الدماغية بنسبة 58% عند مرضى قصور القلب، وذلك بسبب انخفاض "الكسر القذفي".
و"الكسر القذفي" هو النسبة المئوية للدم في حجرة القلب الرئيسية التي تُقذف مع كل نبضة. وعند مرضي القصور، تقلُّ قدرة القلب على ضخ ما يكفي من الدم، ما يُسبب انخفاضاً حاداً في الدم الواصل إلى أجزاء الجسم المختلفة، ويُصبح القلب غير قادر على تلبية احتياجات الجسم بسبب انخفاض الكسر القذفي.
ويُحسّن العلاج الخلوي الجديد قدرة القلب على ضخ الدم، والتي يتم قياسها بواسطة الكسر القذفي، كما يُقلل مخاطر الإصابة بالنوبات القلبية أو السكتة الدماغية.
كما أظهر العلاج نتائج قوية في الحد من الموت القلبي الوعائي في المرضى الذين عولجوا بالخلايا.
وأظهر الباحثون في هذه التجربة السريرية البارزة، التي نُشرت في دورية الجمعية الأميركية لأمراض القلب، أن نوعاً خاصاً من الخلايا المعدلة للمناعة (الخلايا الجذعية الوسيطة MPC) لديه القدرة، لأول مرة، على معالجة أحد الأسباب الرئيسية لفشل القلب، وهو الالتهاب.
والخلايا الجذعية الوسيطة هي خلايا أنسجة متعددة القدرات يُمكن أن تتمايز، أي تتحول، إلى مجموعة متنوعة من أنواع الخلايا، بما في ذلك الخلايا العظمية والغضروفية والعضلية، كعضلة القلب، والخلايا الشحمية (الخلايا الدهنية التي تؤدي إلى تكوين النسيج الدهني للنخاع).
وأثناء التجربة، حصل المرضى على العلاج الدوائي الكامل الموصى به من قبل المبادئ التوجيهية لفشل القلب، مما يشير إلى أن تأثير العلاج الخلوي كان متآزراً مع العلاج القياسي.
وفيات مرتفعة بسبب المرض
ويُعاني عشرات الملايين حول العالم من قصور القلب، وتهدف معظم العقاقير المستخدمة اليوم لهذا المرض إلى معالجة التغيّرات الضارة التي تحدث في القلب نتيجة المسارات الهرمونية العصبية المعقدة التي يتم تنشيطها أثناء قصور القلب، بهدف التعويض عن ضعف وظائف القلب.
وتُساهم هذه المسارات المُفعَّلة في نهاية المطاف في تطور قصور القلب، ودخول المستشفى المتكرر.
ورغم التقدم في العلاجات التي تستهدف هذه المسارات، لا تزال معدلات الوفيات جراء ذلك المرض مرتفعة.
ويبدو أن آلية عمل الخلايا الجديدة تُوفر نهجاً بديلاً لديه القدرة على إحداث تأثير كبير على معدل الوفيات المرتفع لهذا المرض.
وقال العالم بمركز البحوث السريرية في معهد تكساس للقلب إيمرسون بيرين، وهو المؤلف الرئيسي لتلك الدراسة، إن الخلايا الجذعية يُمكن أن تنجح في علاج الالتهاب الذي يسبب قصور القلب، مشيراً في تصريحات لـ"الشرق"، إلى أن العلاج الخلوي الجديد حسّن "لأول مرة" من قدرة القلب على ضخ الدم، خاصةً في المرضى الذين يُعانون من مستويات عالية من الالتهاب.
وأجرى الباحثون تجربة سريرية استمرت عامين ونصف.
حقنات قلبية مباشرة
الدراسة الجديدة تتحدث عن المرحلة الثالثة من التجارب السريرية التي أُجريت في 51 موقعاً على 565 مريضاً يُعانون من قصور القلب المزمن، والذين كانوا أيضاً يتلقون علاج قصور القلب القياسي.
وصُممت الدراسة، لفحص تأثيرات الخلايا الجذعية الوسيطة على عدد حالات الاستشفاء وأحداث القلب، كالجلطات والسكتات، والأوعية الدموية العكسية الرئيسية في قصور القلب.
وقال الباحثون إن الخلايا الجذعية الوسيطة مُرشحة بشكل جيد للاستخدام في قصور القلب مع انخفاض نسبة القذف، لأن لها تأثيرات قوية مضادة للالتهابات، ومحفزة للأوعية وتُساعد على الشفاء.
وتم الحصول على الخلايا من النخاع العظمي للمتبرعين البالغين الأصحاء.
حماية من الموت وتحسين تدفق الدم
المرضى الذين عُولجوا بالخلايا خلال الدراسة الجديدة، تلقوا حقنات قلبية مباشرة من تلك الخلايا، وخضع مرضى المجموعة الضابطة لإجراء "زائف" أو وهمي بدون حقن (مع حصولهم على العلاج القياسي).
وأظهر المرضى الذين عولجوا بالخلايا الجذعية الوسيطة تقوية كبيرة لعضلة البطين الأيسر خلال الـ 12 شهراً الأولى. كما تم قياسها من خلال زيادة جزء طرد البطين الأيسر، والذي يقيس قدرة ضخ القلب، وهو أحد المقاييس المستخدمة لتقييم وظيفة القلب بشكل عام.
وعلى مدى متابعة متوسطة لمدة 30 شهراً، قلّل العلاج من خطر الموت القلبي الوعائي أو النوبات القلبية أو السكتة الدماغية، مع انخفاض أكبر في المرضى الذين يُعانون من زيادة الالتهاب.
لكن، لم يُقلل العلاج الجديد من أحداث قصور القلب المتكررة التي تتطلب دخول المستشفى.
وقال الباحثون إن العلاج الخلوي الجديد "خطوة مهمة في فهم الفوائد التي يُمكن أن تُوفرها عملية الحقن الخلوي للمرضى"، الذين يُعانون من قصور القلب المزمن بسبب ضعف وظيفة العضلة.
ويُمكن أن يحمي حقن الخلايا الجذعية الوسيطة، خلايا عضلة القلب من الموت، ويمكن أن يُحسن تدفق الدم والطاقة.
وفي الأوعية الدموية الكبيرة في جميع أنحاء الجسم، قد يُؤدي انخفاض الالتهاب الناتج عن تنشيط الخلايا الجذعية الوسيطة إلى تقليل عدم استقرار اللويحات، وهو ما يؤدي إلى النوبات القلبية والسكتات الدماغية.
ويبدو أن الخلايا لها تأثير منظم مناعي ومضاد للالتهابات.
إجراء طفيف التوغل
في حديثه لـ"الشرق"، قال العالم إيمرسون بيرين، إن حقن الخلايا الجذعية في القلب هو "إجراء طفيف التوغل، يُمكن إجراؤه في معمل قسطرة القلب، وقد تمكن المرضى من العودة إلى المنزل في صباح اليوم التالي".
وأضاف "لم تكن هناك أي آثار جانبية من هذا العلاج، إذ لم نلاحظ أي رد فعل سلبي أو أي مضاعفات طويلة الأمد في المرضى الذين عولجوا به".
وأشار الباحث إلى أن الخطوة التالية ستشمل إجراء تجربة سريرية أخرى للحصول في النهاية على الموافقة على هذا العلاج.
ولم يجب بيرين على تساؤل "الشرق" فيما يتعلق بالتكلفة المتوقعة لذلك العلاج، إلا أنه قال إن "العلاج سيُقلل من مخاطر حدوث أحداث قلبية أخرى مهددة للحياة ومكلفة للغاية".
وجاء العلاج تتويجاً لأكثر من عقدين من العمل لشرح كيفية عمل العلاج الخلوي لمكافحة التهاب القلب، وأوضح العالم في معهد تكساس للقلب أنه "الآن بعد أن أصبح لدينا خارطة الطريق، يُمكننا استخدام ما نعرفه في المزيد من التطبيقات، والاستمرار في تحسين حياة أولئك الذين يعيشون مع أمراض القلب".
اقرأ أيضاً: