يُشير مصطلح "مفارقة السمنة" إلى أحد الملاحظات الغريبة في عالم الصحة، فعلى الرغم من أن السمنة، عامل خطر رئيسي لتطور أمراض القلب والأوعية الدموية، فإن المرضى الذين يُعانون من السمنة لديهم معدلات بقاء أفضل.
كما يلاحظ الأطباء أيضاً أن المرضى الذين يُعانون من "السمنة المفرطة" يميلون للتحسن بعد العمليات الجراحية الكبرى أسرع من المرضى الذين لا يُعانون من السمنة، كما لاحظوا أيضاً أن مرضى السمنة المصابين بارتفاع ضغط الدم المزمن يعيشون أطول من الأشخاص أصحاب الوزن الطبيعي.
وتُظهر بعض الأدلة أن السمنة تمنح فوائد للبقاء على قيد الحياة بغض النظر عن العمر أو الرعاية الطبية أو العلاج، إلا أن دراسة جديدة تُكشف زيف تلك الفكرة، إذ لا توجد بالفعل "مفارقة السمنة".
أظهرت الدراسة، التي نُشرت في "مجلة القلب الأوروبية" أن تلك المفارقة تنجم عن قياس السمنة بشكل خاطئ.
مقياس كتلة الجسم
يعتمد الأطباء على النظر إلى مؤشر كتلة الجسم (وزن الجسم مقسوماً على مربع الطول)، يعاني الشخص من السمنة إذا ما كان مؤشر كتلة جسمه أكبر من 30.
إلا أن الباحثين في الدراسة الجديدة يقولون إن ذلك المقياس يؤدي في بعض الأحيان لفهم خاطئ، وإن "مفارقة السمنة" تختفي بشكل كامل إذ استخدم مؤشراً آخر يُسمى قياس نسبة الخصر للطول.
ويقول الباحثون إن قياس نسبة الخصر للطول مقياس أفضل للسمنة من مؤشر كتلة الجسم، كما يؤكدون أن تلك النسبة مقياس أفضل أيضاً لأمراض القلب والأوعية الدموية.
ويُعتبر الشخص سميناً إذ ما زادت تلك النسبة عن 0.52 للذكور، 0.49 للإناث. ويقول الباحثون إن الأشخاص الذين يُعانون من زيادة في نسبة الخصر للطول لديهم معدلات بقاء أقل في كل الحالات، وهو ما ينسف أساس المصطلح المعروف باسم "مفارقة السمنة".
فشل المؤشر
ويقول أستاذ طب القلب في جامعة "جلاسكو" جون ماكموري وهو المؤلف الرئيسي لذلك البحث، إن فرضية التعايش مع السمنة باعتبارها "أمر جيد للمرضى الذين يعانون من قصور القلب"، لا يمكن أن تكون صحيحة، إذ أن السمنة يجب أن تكون سيئة وليست جيدة.
وأوضح أن فريقه البحثي يرى أن جزءاً من المشكلة هو أن مؤشر كتلة الجسم، هو مؤشر ضعيف لو تم استخدامه لحساب مقدار الأنسجة الدهنية لدى المريض، مشيراً إلى فشل مؤشر كتلة الجسم، في مراعاة تكوين الجسم للدهون والعضلات والعظام، أو حيث يتم توزيع الدهون.
وأضاف ماكموري: "هل من الممكن افتراض أن مصارع محترف أميركي (عضلات أكثر) ومصارع سومو ياباني (أكثر دهوناً) لهما نفس مؤشر كتلة الجسم سيكونان معرضين لخطر مماثل للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية؟".
والدراسة المنشورة هي الأولى التي تبحث في طرق مختلفة لقياس حجم ونسب المرضى، بما في ذلك مؤشر كتلة الجسم، ولكن أيضاً القياسات مثل نسبة الخصر إلى الطول ومحيط الخصر ونسبة الخصر إلى الورك.
ويجب أن تأخذ نتائج المريض في الاعتبار، العوامل الأخرى التي تلعب دوراً في هذه النتائج أو تتنبأ بها، مثل مستويات الهرمونات (ببتيدات الناتريوتريك)، التي تفرز في الدم عندما يكون القلب تحت الضغط، كما هو الحال مع قصور القلب.
والببتيدات الطبيعية هي أهم متغير تنبؤي في مرضى قصور القلب. عادة، ترتفع مستويات "ببتيدات الناتريوتريك" لدى الأشخاص المصابين بقصور القلب، ولكن المرضى الذين يعانون من السمنة لديهم مستويات أقل من أولئك الذين يتمتعون بوزن طبيعي.
مفارقة السمنة
قام الباحثون في الدراسة بتحليل بيانات 1832 امرأة و6567 رجلاً يعانون من قصور في القلب ممن تم تسجيلهم في تجربة كبيرة أجريت في 47 دولة بست قارات.
جمع الأطباء بيانات عن مؤشر كتلة الجسم، وضغط الدم، وقياسات الخصر للطول، ونتائج اختبارات الدم والتاريخ الطبي والعلاجات. كان الباحثون مهتمين بمعرفة المرضى الذين تم نقلهم إلى المستشفى بسبب قصور القلب أو الذين ماتوا بسببه.
وأظهرت "مفارقة السمنة والبقاء على قيد الحياة"، انخفاض معدلات الوفيات للأشخاص الذين يبلغ مؤشر كتلة الجسم لديهم 25 كجم لكل متر مربع أو أكثر، ولكن تم التخلص من تلك المفارقة عندما عدل الباحثون النتائج لمراعاة جميع العوامل التي يمكن أن تؤثر على النتائج، بما في ذلك المستويات من ببتيدات الناتريوتريك.
وكانت المفارقة أقل وضوحاً عندما نظر الباحثون إلى نسب الخصر إلى الطول، واختفت تماماً بعد تعديل مجموعة أخرى من العوامل.
وأظهر كل من مؤشر كتلة الجسم، ونسبة الخصر إلى الطول، أن زيادة الدهون في الجسم مرتبطة بزيادة خطر الوفاة أو الاستشفاء من قصور القلب، ولكن كان هذا التأثير أكثر وضوحاً بالنسبة لنسبة الخصر إلى الطول.
عند النظر إلى نسبة الخصر إلى الطول، وجد الباحثون أن أعلى 20% من الأشخاص الذين لديهم أعلى نسبة دهون لديهم زيادة بنسبة 39%، يعانون من خطر دخولهم المستشفى بسبب قصور القلب مقارنة بالأشخاص في أدنى 20% ممن لديهم أقل نسبة دهون.
وتظهر تلك الدراسة عدم وجود مقاربة للبقاء على قيد الحياة بسبب السمنة.
ولا يأخذ مؤشر كتلة الجسم بعين الاعتبار، موقع الدهون في الجسم أو مقدارها بالنسبة للعضلات أو وزن الهيكل العظمي، والتي قد تختلف حسب الجنس والعمر والعرق.
في قصور القلب على وجه التحديد، تساهم السوائل المحتجزة أيضاً في زيادة وزن الجسم. وبالتالي، فإن المؤشرات التي لا تتضمن الوزن، مثل نسبة الخصر إلى الطول، هي التي تستطيع توضيح العلاقة الحقيقية بين دهون الجسم ونتائج المرضى في الدراسات العلمية، ما يدل على أن زيادة السمنة ترتبط في الواقع بنتائج أسوأ وليس أفضل، بما في ذلك المعدلات المرتفعة الاستشفاء وسوء نوعية الحياة المرتبطة بالصحة، حسبما يقول الباحثون.
وأشار ماكموري إلى أن "السمنة ليست جيدة، وهي سيئة في المرضى الذين يعانون من قصور القلب".
وتثير هذه الملاحظات السؤال حول ما إذا كان فقدان الوزن قد يحسن النتائج، إلا أن الباحثون بحاجة إلى تجارب لاختبار ذلك.
اقرا أيضاً: