تمكن باحثون من جامعة نورث وسترن الأميركية، مؤخراً، من ابتكار غرسة طبية متطورة، ناعمة ومرنة وخالية من البطاريات، بإمكانها مراقبة المثانة بشكل متقدم، ومساعدة المرضى الذين يعانون من متاعب صحية في الجهاز البولي، من التغلب على تضرر ذلك الجزء الحيوي من جسم الإنسان.
ومن الممكن توصيل الجهاز المبتكر بجدار المثانة لاستشعار الامتلاء، ونقل البيانات لاسلكياً في الوقت الفعلي إلى تطبيق الهاتف الذكي.
وبحسب ما نشر في دورية وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم" (PNAS)، ستساعد تلك الغرسة كثيراً الأشخاص المصابين بالشلل، أو سرطان المثانة، أو السنسنة المشقوقة (المولودون مع إصابة بتلف في العمود الفقري)، أو سرطان البروستاتا؛ حيث غالباً ما تتعرض وظيفة المثانة للخطر، وقد تكون هناك حاجة لعملية جراحية لإعادة بنائها.
ويمكن لنظام الاستشعار أيضاً، تمكين الأطباء من مراقبة مرضاهم عن بعد، وبشكل مستمر، لاتخاذ قرارات علاجية أكثر استنارة، وبشكل أسرع.
ويقول المؤلف الرئيسي للدراسة، جييرمو أمير، وهو باحث في الجامعة نفسها، إن الأمراض التي تؤدي إلى تضرر أعصاب المثانة تُفقد المريض الإحساس بامتلائها، ولإفراغها، غالباً ما يضطرون إلى استخدام القسطرة، في عملية غير مريحة، ويمكن أن تؤدي إلى التهابات مؤلمة.
وأضاف: "نريد التخلص من استخدام القسطرة، وتجاوز إجراءات مراقبة وظائف المثانة الحالية، والتي تعتبر شديدة التدخل ومزعجة للغاية، ويجب إجراؤها في المستشفى، أو في بيئة سريرية".
خلل وظائف المثانة
وبسبب مشكلات في الأعصاب، أو الدماغ، أو الحبل الشوكي، يعاني ملايين البشر من خلل وظيفي في المثانة، ويمكن أن تنشأ هذه المشكلات من عيوب خلقية مثل السنسنة المشقوقة، أو إصابات مؤلمة يتعرض لها في أي مرحلة من حياته.
وعندما تترك تلك الأمراض دون علاج، يمكن أن يسبب الخلل الشديد في المثانة، التهابات روتينية، ومشكلات في التبول، مما يؤدي في النهاية إلى تلف الكُلى، مما يؤثر على الجسم بأكمله، وبإمكان تلك الغرسة مساعدة الأطباء في مراقبة مرضاهم عن بعد، وتتيح لهم تدخلات أسرع.
ولمراقبة المثانة، يشتمل الجهاز الجديد على أجهزة استشعار متعددة تعمل معاً لقياس عامل واحد بسيط: الإجهاد؛ فعندما تمتلئ المثانة، تتوسع، وكلما أصبحت المثانة ممتلئة تمددت أكثر، ويسحب هذا التمدد الجهاز المرن للإشارة إلى الإجهاد، وبالمثل، عندما تفرغ المثانة، فإنها تنقبض، مما يخفف الضغط عليها.
وتستطيع المستشعرات اكتشاف مستويات مختلفة من الضغط، ويستخدم الجهاز تقنية "البلوتوث"، لنقل هذه المعلومات إلى هاتف ذكي، أو جهاز لوحي.
ويقول الباحثون إن التقدم الرئيسي في تلك الغرسة هو تطوير مقاييس الضغط فائقة النعومة، والرفيعة للغاية، والقابلة للتمدد والتي يمكنها لف السطح الخارجي للمثانة بلطف، دون فرض أي قيود ميكانيكية على سلوكيات الحشو، والإفراغ الطبيعية.
وفي الدراسات التي أجريت على الحيوانات، نجحت الغرسة في تقديم قياسات في الوقت الفعلي لملء المثانة وإفراغها لمدة 30 يوماً، وبعد ذلك، وفي دراسة أجريت على الرئيسيات غير البشرية، نجح النظام في توصيل المعلومات لمدة ثمانية أسابيع.
ووفق الدورية، فقد أثبت الباحثون أيضاً أن المستشعرات حساسة بدرجة كافية لاكتشاف الإجهاد الناتج عن الكميات المنخفضة جداً من البول، ويقول المؤلف الرئيسي للدراسة إن هذا العمل هو الأول من نوعه الذي يتم تطويره للاستخدام البشري.
تقنية مراقبة لاسلكية
ويضيف المؤلف: "أظهرنا الوظيفة المحتملة لهذه التكنولوجيا على المدى الطويل، واعتماداً على حالة الاستخدام، يمكننا تصميم التكنولوجيا بحيث تبقى بشكل دائم داخل الجسم، أو تذوب دون ضرر بعد أن يتعافى المريض تماماً".
ورغم أن التكنولوجيا الجديدة مفيدة في حد ذاتها، إلا أن "أمير" يعتبرها أحد مكونات نظام متكامل تماماً، لاستعادة وظيفة المثانة.
في الشهر الماضي فقط، قدَّم جييرمو أمير "رقعة المثانة" الاصطناعية المرنة القابلة للتحلل، حيث تساعد هذه الرقعة المصنوعة من مواد تُعرف بالسقالات المؤيدة للتجدد، والتي يتم زرعها بالخلايا الجذعية الخاصة بالمريض، الجراحين من إعادة بناء المثانة، أو إعادة بنائها دون الحاجة إلى حصاد الأنسجة المعوية، وهو المعيار السريري الحالي لاستئصال المثانة.
وتستطيع "الرقعة" التوسع والتقلص مع أنسجة المثانة الأصلية، بما يدعم نمو خلايا المثانة، ثم تذوب ببطء، تاركة وراءها أنسجة المثانة الجديدة، وأثبت الباحثون أن الأنسجة الجديدة، ظلت فعالة طوال فترة الدراسة التي استمرت عامين.
ويقول "أمير" إن فريقه يعمل على دمج تقنية تجديد المثانة مع تقنية مراقبة المثانة اللاسلكية الجديدة، لاستعادة وظيفة المثانة، ومراقبة عملية التعافي بعد الجراحة.
تقدم تكنولوجي كبير
ويقول الباحثون إن الغرسة الجديدة تمكنهم من التقدم في أنظمة التجديد الذكية، وهي أجهزة قابلة للزرع ومؤيدة للتجديد، وقادرة على فحص بيئتها الدقيقة، والإبلاغ لاسلكياً عن تلك النتائج خارج الجسم أو برمجتها.
وتمثل هذه التكنولوجيا تقدماً كبيراً، حيث لا توجد حالياً أي أساليب أخرى، تعتمد على هندسة الأنسجة، متاحة لهؤلاء المرضى، وهو الأمر الذي سيساعد على تحسين نوعية الحياة للعديد من المرضى، الذين سيكونون الآن قادرين على تجنب استخدام الأنسجة المعوية، ومضاعفاتها.
ويستكشف الباحثون حالياً الطرق التي يمكن من خلالها للزرع أن يحفز المثانة، للحث على التبول عند الطلب.
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة: "بالإضافة إلى مراقبة عملية التعبئة، سيتمكن التطبيق من إرسال تحذيرات للمريض ثم توجيهه إلى مواقع أقرب دورات المياه، وفي يوم من الأيام أيضاً، سيتمكن المرضى من تحفيز التبول، عند الطلب، من خلال هواتفهم الذكية".