دراسة تربط متغيرات وراثية نادرة باستخدام اليد اليسرى

المؤلف الرئيسي لـ"الشرق": النتائج مؤثرة في مجال الطب النفسي وأمراض الدماغ

time reading iconدقائق القراءة - 8
صورة تعبيرية لشخص يستخدم يده اليسرى في الكتابة على لوحة مفاتيح الكمبيوتر - Reuters
صورة تعبيرية لشخص يستخدم يده اليسرى في الكتابة على لوحة مفاتيح الكمبيوتر - Reuters
القاهرة-محمد منصور

كشفت دراسة حديثة عن أدلة جديدة، تشير إلى أن المتغيرات الجينية النادرة، تلعب دوراً مهماً في تفضيل استخدام اليد اليسرى. 

وتسلط الدراسة التي نشرت، الثلاثاء، في دورية "نيتشر: جينتكس"، الضوء على الأساس الجيني المعقد لاستخدام إحدى اليدين، وارتباطاته المحتملة باضطرابات النمو العصبي.

وبالاعتماد على البيانات الجينية التي تم جمعها من حوالي 350 ألف شخص، كشفت الدراسة عن أدلة تشير إلى أن متغيرات التشفير النادرة تلعب دوراً مهماً في تحديد استخدام اليد اليسرى.

وتتحدى هذه النتائج الافتراضات القديمة بشأن العوامل البيئية التي تؤثر على استخدام إحدى اليدين، وتقدم رؤى جديدة عن تطور عدم تناسق الدماغ.

"متغيرات التشفير النادرة"

وأثار استخدام إحدى اليدين، وهو انعكاس للتخصص في نصف الكرة المخية، اهتمام العلماء منذ فترة طويلة؛ بسبب انتشاره بين البشر وارتباطه بالعديد من الحالات العصبية. 

وفي حين أن دراسات الارتباط على مستوى الجينوم السابقة، حددت التأثيرات الجينية الشائعة على استخدام إحدى اليدين، فإن هذه الدراسة الجديدة تتعمق أكثر في دور متغيرات التشفير النادرة، وهي تلك التي يقل ترددها عن 1%.

ومن خلال تحليل بيانات جينوم من حوالي 38 ألف شخص أعسر و313 ألفاً يستخدمون اليد اليمنى، حدد الباحثون ارتباطاً مذهلاً بين متغيرات التشفير النادرة في جين يُعرف باسم TUBB4B، واستخدام اليد اليسرى. 

وتوجد هذه المتغيرات بمعدل 2.7 مرة أكثر في الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى، مقارنة بنظرائهم الذين يستخدمون اليد اليمنى.

أظهرت الدراسات السابقة أن الوراثة، بجانب العوامل البيئية والثقافية والاجتماعية؛ تلعب دوراً في تفضيل استخدام إحدى اليدين، وتشير الأبحاث إلى أن استخدام اليد اليسرى يميل إلى الانتشار في العائلات، مما يشير إلى وجود عنصر وراثي في استخدام اليد اليسرى، لكن لا تزال الجينات المحددة المعنية ودورها الدقيق في تحديد استخدام إحدى اليدين قيد الدراسة.

وترتبط سيطرة اليد ارتباطاً وثيقاً بعدم تناسق الدماغ، خاصة في المناطق المسؤولة عن التحكم الحركي ومعالجة اللغة؛ وقد تؤثر الاختلافات في تطور مناطق الدماغ هذه على استخدام إحدى اليدين، على سبيل المثال، وجدت بعض الدراسات اختلافات في بنية ووظيفة نصفي الكرة المخية بين الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى والأشخاص الذين يستخدمون اليد اليمنى.

ويقول المؤلف الرئيسي للدراسة "كلايد فرانكس"، والذي يقود مجموعة أبحاث علم الجينوم التصويري في معهد ماكس بلانك في هولندا، إن العلماء يعرفون أن نصفي الكرة المخية يبدآن بالفعل في التطور بشكل مختلف في الجنين البشري، لكن الآلية غير معروفة. 

وأوضح لـ"الشرق" أن العثور على الجينات المرتبطة بعدم تناسق الدماغ أو السلوك، مثل استخدام إحدى اليدين، يمكن أن يعطي بعض الأدلة. 

ما هو جين TUBB4B؟

يقوم ذلك الجين بترميز بروتين خلوي من عائلة تُعرف باسم "عائلة توبولين"، والتي تُعد اللبنات الأساسية للأنابيب الدقيقة، وهي هياكل خيطية داخل الخلايا تلعب أدواراً حاسمة في العمليات الخلوية المختلفة.

وعند الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى؛ يحتوي ذلك الجين على تغييرات في تسلسل الحمض النووي، أي ترتيب الحروف المكونة للحمض النووي، وبالتالي تؤدي إلى اختلافات في البروتين المقابل الذي ينتجه الجين.

وجود متغيرات التشفير النادرة يعني أن طفرات أو تغيرات جينية معينة داخل هذا الجين قد تترافق مع زيادة احتمال استخدام اليد اليسرى، ولا توجد هذه المتغيرات النادرة بشكل شائع في عموم السكان، وقد تمثل خصائص وراثية فريدة موجودة لدى الأفراد الذين يميلون لاستخدام اليد اليسرى.

ويقول "فرانكس"، لـ"الشرق" إن المتغيرات الموجودة في الجين TUBB4B تُغير من بنية البروتين الذي يتم دمجه في الأنابيب الدقيقة؛ ما يُغير بدوره الطريقة التي يتحكم بها في أشكال وحركات الخلايا "وهذا يعني أن الأنابيب الدقيقة تشارك في إنشاء حالات عدم التماثل الطبيعية في الدماغ، مثل هيمنة اللغة في النصف الأيسر من الكرة الأرضية والتحكم في اليد".

متى يحدث التغير؟

يقول "فرانكس" إن التغير يحدث في الدماغ الجنيني، فقد تساعد الأنابيب الدقيقة في إنشاء الجزء الأيسر والأيمن للدماغ، عن طريق إعطاء بعض الخلايا تطوراً غير متماثل في مرحلة معينة. 

 

وقد تؤدي الأنابيب الدقيقة داخل الأهداب، وهي نتوءات من سطح الخلية تدعمها الأنابيب الدقيقة، إلى حركات غير متناظرة وتدفقات للسوائل إلى الدماغ أثناء تكونها، ويوضح فرانكس: "ببساطة يُمكننا القول إن الشخص الأعسر وُلد أعسراً وهو أمر يتحدى العديد من الدراسات السابقة التي تُعطى للعوامل البيئية والاجتماعية وزناً أكبر من حجمها في تفضيل استخدام اليد اليسرى".

يُفضل 90% من الناس استخدام اليد اليمنى، وهو ما يبدو واضحاً بالفعل في حركات الأجنة التي لم تولد بعد كما يتضح من المسح بالموجات فوق الصوتية، ويقول "فرانكس" إنه من المحتمل أن استخدام اليد اليمنى هو النتيجة الافتراضية لنمو الدماغ المبكر كما تم تشفيره بواسطة الجينوم، وبالنسبة للأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى، السؤال هو ما الذي يجعل عدم تناسق الدماغ يتطور بشكل مختلف عما هو عليه لدى معظم الناس. 

وبصرف النظر عن بلد الميلاد، إذ يرتبط تفضيل استخدام إحدى اليدين بالموروث الثقافي "فإن استخدام اليد اليسرى لا يرتبط إلا بشكل ضعيف بالعوامل البيئية أو عوامل الحياة المبكرة التي تمت دراستها حتى الآن مثل التوأمة، والرضاعة الطبيعية، والمشكلات الطبية المتعلقة بالولادة" حسب المؤلف الرئيسي للدراسة. 

ويعتقد "فرانكس" أن معظم حالات استخدام اليد اليسرى تحدث ببساطة بسبب الاختلاف العشوائي أثناء نمو الدماغ الجنيني، دون تأثيرات وراثية أو بيئية محددة، مضيفاً "على سبيل المثال، التقلبات العشوائية في تركيزات جزيئات معينة خلال المراحل الرئيسية لتكوين الدماغ".

أهداف البحث

بدأ "فرانكس" العمل على عدم تناسق الدماغ وعلاقته باستخدام اليد اليسرى قبل 25 عاماً تقريباً. ويقول إن لذلك العمل آثاراً أوسع في مجال الطب النفسي، وقد يؤثر على فهم آليات اختلاف الدماغ والكيفية التي  تؤثر بها على الاستعداد لأمراض الدماغ.

وأوضح أن "أحد الأهداف المهمة لهذا المجال هو تقسيم التشخيصات العامة، مثل مرض التوحد، والتي تعتمد على ملامح السلوك، إلى عدد من التشخيصات المختلفة التي ترتكز بشكل أكبر على الأسباب البيولوجية؛ وبالتالي فإن تحديد مجموعة فرعية من الأشخاص المتأثرين الذين يمثل تغير تطور عدم تناسق الدماغ لديهم ميزة سيكون بمثابة مساهمة في تحقيق هذا الهدف".

ويؤكد "فرانكس" أن هناك أيضاً بعض الصلة المحتملة بالطب النفسي، إذ "يعد استخدام اليد اليسرى أكثر شيوعاً في حالات التوحد والفصام مقارنة بعامة السكان، لذا فإن عدم تناسق الدماغ المتغير الناتج عن المتغيرات الجينية قد يميز مجموعة فرعية من الأشخاص المصابين، إذ إنه من الواضح أن معظم الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى لا يعانون من مرض التوحد أو الفصام".

وبالتالي؛ فإن النتائج ستعمل ليس على تعزيز فهم الأساس الجيني لاستخدام إحدى اليدين فحسب، بل ستفتح أيضاً طرقاً جديدة لاستكشاف التفاعل المعقد بين علم الوراثة وعدم تناسق الدماغ واضطرابات النمو العصبي.

تصنيفات

قصص قد تهمك