اكتشاف أصل البكتيريا المسببة للتسوس من أسنان عمرها 4000 عام

time reading iconدقائق القراءة - 6
طبيب أسنان يعمل بعيادته في زغرب، كرواتيا. 11 نوفمبر 2019 - Reuters
طبيب أسنان يعمل بعيادته في زغرب، كرواتيا. 11 نوفمبر 2019 - Reuters
القاهرة -محمد منصور

كشفت ورقة بحثية جديدة، نشرتها دورية "علم الأحياء الجزيئي والتطور"، مؤخراً، عن جراثيم محفوظة جيداً من أسنان عمرها 4000 عام في كهف من الحجر الجيري في إيرلندا.

وتقدم الجينومات الميكروبية القديمة، المستخرجة من تلك الأسنان، كبسولة زمنية لتطور مسببات الأمراض الفموية عبر آلاف السنين.

وتحتوي الأسنان، محل البحث، على بكتيريا تسبب أمراض اللثة، بالإضافة إلى أول جينوم قديم عالي الجودة من بكتيريا المكورات العقدية الطافرة، وهي نوع من البكتيريا توجد عادة في تجويف الفم البشري، وتعتبر واحدة من البكتيريا الأولية المشاركة في تكوين اللويحة السنية (غشاء لزج يتكون بالأساس من البكتيريا)، وتطور تسوس الأسنان.

تتكون اللويحة على الأسنان عند تفاعل النشويات والسكريات في الطعام مع البكتيريا الموجودة بصورة طبيعية في الفم، ويؤدي تنظيف الأسنان بالفرشاة مرتين يومياً، واستخدام خيط الأسنان مرة يومياً إلى إزالة اللويحة، ولكنها تتكون من جديد سريعاً.

ورغم أن الأسنان تعود إلى الشخص نفسه، إلا أنها احتوت على سلالات متباينة من تلك البكتيريا، مما يشير إلى تنوع أكبر في السلالات البكتيرية في مجموعات ما قبل التاريخ.

وسمحت هذه الاكتشافات للباحثين بتقييم تأثير التغييرات الغذائية السابقة على الميكروبيوم الفموي عبر آلاف السنين، بما في ذلك التغييرات الرئيسية التي تزامنت مع انتشار السكريات.

صحة الفم في الماضي

كما قدمت الأسنان لمحة سريعة عن صحة الفم في الماضي، حيث أظهرت إحدى الأسنان دليلاً على خلل الميكروبيوم الفموي.

وتقول المؤلفة الرئيسية للدراسة، لارا كاسيدي، وهي أستاذة في كلية ترينيتي في دبلن، إن الحمض النووي الميكروبي المستخرج من أسنان الإنسان القديم يُمكن أن يوفر معلومات عن تطور الميكروبيوم الفموي، مشيرة إلى أن الدراسة الجديدة تبحث في مدى وأسباب اختلاف أفواه أجدادنا عن أفواهنا.

وتشير كاسيدي إلى أن الحفـظ الممتاز للحمض النووي في لوحة الأسنان المتحجرة "جعل تجويف الفم أحد أفضل الجوانب التي تمت دراستها في جسم الإنسان القديم"، ومع ذلك، فقد استخرج العلماء عدداً قليلاً جداً من الجينومات الكاملة من البكتيريا الفموية قبل عصر العصور الوسطى "فلدى الباحثين معرفة محدودة حول التنوع البكتيري في عصور ما قبل التاريخ، والتأثير النسبي للتغيرات الغذائية الحديثة مقارنة بالتغيرات القديمة، مثل انتشار الزراعة التي بدأت منذ حوالي عشرة آلاف سنة".

ورغم أن بكتيريا "المكورات العقدية الطافرة" هي السبب الرئيسي لتسوس الأسنان "إلا أنها نادرة بشكل استثنائي في السجل الجينومي القديم، وقد يكون أحد أسباب ندرتها هو طبيعتها المنتجة للحمض "فهذا الحمض يتسبب في تسوس الأسنان، ولكنه يؤدي أيضاً إلى تحلل الحمض النووي، ويمنع البلاك من التمعدن" على حد ما تقول كاسيدي.

أسنان العصر البرونزي

وقد لاحظ علماء الآثار زيادة طفيفة في تجاويف الأسنان في بقايا الهيكل العظمي بعد اعتماد زراعة الحبوب، لكن التجاويف أصبحت أكثر شيوعاً في الفترة الحديثة المبكرة، بداية من حوالي عام 1500 الميلادي.

وللبحث عن تلك البكتيريا، فحص العلماء عينات الأسنان من بين مجموعة كبيرة من بقايا الهيكل العظمي التي تم استخراجها من كهف من الحجر الجيري في إيرلندا.

وبتحليل العينات، حدد الباحثون العديد من البكتيريا المرتبطة بأمراض اللثة، بما في ذلك المكورات العقدية الطافرة، وهي السبب الرئيسي وراء تسوس الأسنان اليوم، كما اكتشفوا أيضاً نوعاً آخر من البكتيريا يعرف باسم "تانيريلا فورسيثيا" وترتبط عادةً بأمراض اللثة، وخاصة التهاب اللثة المزمن، وهو عدوى خطيرة في اللثة تلحق الضرر بالأنسجة الرخوة، وتدمر العظام التي تدعم الأسنان.

لكن أسنان العصر البرونزي احتوت على سلالات متباينة للغاية من هذه البكتيريا، تختلف وراثياً عن أي سلالات حديثة معروفة، فمن خلال تحليل البكتيريا الموجودة على أسنان العصر البرونزي ومقارنتها بالعينات الحديثة، وجد الباحثون أن الشجرة التطورية القديمة لـلمكورات العقدية الطافرة أكثر تعقيداً؛ مما كان يعتقد في الأصل؛ إذ وجدوا سمات البكتيريا القديمة، مثل القدرة على التسبب في الإصابة، تطورت سوياً مع التغيرات في النظام الغذائي البشري، بما في ذلك انتشار السكر والحبوب.

تدعم الدراسة فكرة أن أسلافنا كانت لديهم جراثيم فموية أكثر تنوعاً مما لدينا اليوم، والمعروفة باسم فرضية "اختفاء الميكروبيوم"، بعد أن وجدوا اختلافاً في جينومات البكتيريا المرتبطة بأمراض اللثة، ما يشير إلى مستويات أعلى من تنوع السلالات في الماضي.

المجتمع الزراعي واستهلاك السكريات

ويمكن أن يكون لفقدان التنوع الميكروبي في الفم آثار سلبية على صحة الفم، ما يـؤدي إلى زيادة في انتشار مسببات أمراض الفم بين السكان المعاصرين، مقارنة بالسكان القدماء.

وبالإضافة إلى فقدان التنوع الميكروبي، تقول الدراسة إن عوامل عدة تتعلق بالتغيرات في العادات الغذائية مع مرور الوقت، وخاصة الاستهلاك واسع النطاق للسكريات المكررة والأطعمة المصنعة.

وكان الانتقال من أسلوب حياة الصيد، وجمع الثمار، إلى المجتمعات الزراعية المستقرة منذ حوالي 10000 عام، بمثابة تحول كبير في الأنماط الغذائية البشرية؛ فمع ظهور الزراعة، بدأ البشر في زراعة واستهلاك المزيد من الحبوب والكربوهيدرات، والتي كان من الممكن أن توفر ركائز لنمو مسببات الأمراض.

وبينما أدخلت المجتمعات الزراعية الحبوب والكربوهيدرات في النظام الغذائي، أصبح إنتاج واستهلاك السكريات المكررة على نطاق واسع أكثر انتشاراً خلال مئات السنين القليلة الماضية، ولأن السكريات المكررة، مثل السكروز، قابلة للتخمر بسهولة عن طريق بكتيريا الفم، فقد أدى ذلك إلى زيادة إنتاج الحمض، وزيادة خطر تسوس الأسنان، وأمراض اللثة.

تصنيفات

قصص قد تهمك