خرف الشيخوخة.. توصيات للتعامل مع عوامل الخطورة

معالجة 14 عامل خطر يمكن أن تمنع أو تؤخر نحو نصف حالات الخرف

time reading iconدقائق القراءة - 11
شخص يساعد مريضة بألزهايمر داخل القرية الفرنسية لمرضى الخرف - REUTERS
شخص يساعد مريضة بألزهايمر داخل القرية الفرنسية لمرضى الخرف - REUTERS
القاهرة -محمد منصور

مع تقدم معدل الأعمار على مستوى العالم، وارتفاع معدل الإصابة بأعراض خرف الشيخوخة، سلط تقرير جديد منشور في دورية "لانسيت" الضوء على الإمكانات الكبيرة لمنع أو تأخير ما يقرب من نصف الحالات الخرف، من خلال معالجة 14 عامل خطر قابل للتعديل طوال الحياة.

ويقدم أحدث تقرير من "لجنة لانسيت"، عاملين جديدين من عوامل الخطر التي تساهم في الخرف؛ ارتفاع نسبة الكوليسترول منخفض الكثافة، وفقدان البصر غير المعالج.

ووفقاً للجنة، فإن ارتفاع نسبة الكوليسترول منخفض الكثافة في منتصف العمر، حوالي سن الأربعين، يمثل 7% من حالات الخرف، بينما يساهم فقدان البصر غير المعالج في وقت لاحق من العمر في 2% من الحالات، وتؤدي هذه الإضافات إلى زيادة العدد الإجمالي لعوامل الخطر القابلة للتعديل إلى 14 عاملاً، مسؤولة بشكل جماعي عن 49% من جميع حالات الخرف.

وعوامل الخطر القابلة للتعديل هي عوامل تتعلق بأسلوب الحياة، والبيئة، ويمكن تغييرها أو إدارتها من خلال تغييرات في السلوك، أو البيئة، أو العلاج الطبي، وعلى عكس عوامل الخطر غير القابلة للتعديل، مثل العمر، أو الجينات، أو التاريخ العائلي، والتي لا يمكن تغييرها، يمكن التأثير على عوامل الخطر القابلة للتعديل، لتقليل خطر الإصابة بأمراض، أو حالات صحية معينة.

وحدد التقرير الجديد توصيات للأفراد والحكومات للمساعدة في تقليل المخاطر، بما في ذلك منع وعلاج فقدان السمع، وفقدان البصر والاكتئاب، واستمرار النشاط المعرفي طوال الحياة، واستخدام حماية الرأس في الرياضات التي تتطلب الاحتكاك الجسدي، والحد من عوامل الخطر الوعائية كارتفاع نسبة الكوليسترول، والسكري، والسمنة، وارتفاع ضغط الدم، وتحسين جودة الهواء، إضافة إلى توفير بيئات مجتمعية داعمة لزيادة الاتصال الاجتماعي.

14 عامل خطر

وباستخدام إنجلترا كمثال، تشير أبحاث جديدة إضافية قامت بنمذجة التأثير الاقتصادي لتطبيق بعض هذه التوصيات؛ إلى أن إنجلترا يمكن أن تحقق وفورات في التكاليف تبلغ حوالي 4 مليارات جنيه إسترليني، من خلال التدخلات على مستوى السكان التي تعالج عوامل خطر الخرف المتمثلة في الإفراط في تعاطي الكحول، وإصابة الدماغ، وتلوث الهواء، والتدخين، والسمنة، وارتفاع ضغط الدم.

ويقول التقرير إن معالجة 14 عامل خطر قابل للتعديل، بدءاً من الطفولة وطوال الحياة، يمكن أن تمنع أو تؤخر ما يقرب من نصف حالات الخرف، حتى مع عيش الناس في جميع أنحاء العالم لفترة أطول، والتوقعات بأن يرتفع عدد المصابين بالخرف بشكل كبير في جميع البلدان.

واستناداً إلى أحدث الأدلة المتاحة، يضيف التقرير عاملين خطرين جديدين مرتبطين بنسبة 9% من جميع حالات الخرف، مع ما يقدر بنحو 7% من الحالات المنسوبة إلى ارتفاع البروتين الدهني منخفض الكثافة أو الكوليسترول "الضار" في منتصف العمر من حوالي سن 40 عاماً، و2% من الحالات المنسوبة إلى فقدان البصر غير المعالج في وقت لاحق من الحياة.

وتضاف عوامل الخطر الجديدة هذه إلى 12 عامل خطر سبق أن حددتها "لجنة لانسيت" في عام 2020 وهي انخفاض مستويات التعليم، وضعف السمع، وارتفاع ضغط الدم، والتدخين، والسمنة، والاكتئاب، والخمول البدني، ومرض السكري، والإفراط في تناول الكحول، وإصابة الدماغ، وتلوث الهواء، والعزلة الاجتماعية، والتي ترتبط بنسبة 40% من جميع حالات الخرف.

ويقدر التقرير الجديد أن عوامل الخطر المرتبطة بأكبر نسبة من الأشخاص الذين يصابون بالخرف في سكان العالم هي ضعف السمع، وارتفاع نسبة الكوليسترول الضار، 7% لكل منهما، إلى جانب قلة التعليم في وقت مبكر من الحياة، والعزلة الاجتماعية في وقت لاحق من الحياة، 5% لكل منهما.

وتدعو اللجنة، المؤلفة من 27 من خبراء علاج الخرف الرائدين على مستوى العالم، الحكومات والأفراد إلى أن يكونوا طموحين في معالجة المخاطر على مدار دورة الحياة للخرف، باعتبار أنه كلما تمكنا في وقت مبكر من معالجة وتقليل مستويات عوامل الخطر، كان ذلك أفضل.

ويحدد التقرير مجموعة جديدة من التغييرات في السياسات ونمط الحياة للمساعدة في منع وإدارة الخرف بشكل أفضل.

ونظراً للشيخوخة السريعة للسكان في جميع أنحاء العالم، من المتوقع أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين يعانون من الخرف ثلاث مرات تقريباً بحلول عام 2050، من 57 مليوناً في عام 2019 إلى 153 مليوناً، كما أن زيادة متوسط العمر المتوقع، تؤدي إلى زيادة كبيرة في عدد الأشخاص المصابين بالخرف في البلدان منخفضة الدخل، وتقدر التكاليف الصحية والاجتماعية العالمية المرتبطة بالخرف بأكثر من تريليون دولار سنوياً.

معدلات الإصابة بخرف الشيخوخة

ومع ذلك، في بعض البلدان ذات الدخل المرتفع، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا، انخفضت نسبة كبار السن المصابين بالخرف، وخاصة بين أولئك الذين يعيشون في المناطق ذات المزايا الاجتماعية والاقتصادية.

ويقول مؤلفو التقرير، إن هذا الانخفاض في عدد الأشخاص المصابين بالخرف ربما يرجع جزئياً إلى بناء المرونة المعرفية والجسدية على مدار دورة الحياة، وقلة تلف الأوعية الدموية نتيجة الحصول على الرعاية الصحية الجيدة، وتغييرات نمط الحياة، مما يدل على أهمية تنفيذ أساليب الوقاية في أقرب وقت ممكن.

ومع ذلك، فإن أغلب خطط الخرف الوطنية لا تقدم توصيات محددة بشأن التنوع والمساواة، أو إدماج الأشخاص من الثقافات والأعراق المحرومة الذين يتأثرون بشكل غير متناسب بمخاطر الخرف.

ويقول الباحثون، إن هناك الكثير مما يمكن وينبغي القيام به للحد من خطر الخرف، إذ إن هناك أدلة أقوى على أن التعرض الأطول للمخاطر له تأثير أكبر، وأن المخاطر تعمل بشكل أقوى لدى الأشخاص المعرضين للخطر.

ولتقليل خطر الإصابة بالخرف طوال الحياة، حددت اللجنة عدة توصية يجب على الحكومات والأفراد تبنيها، من ضمنها توفير تعليم جيد لجميع الأطفال، ورفع النشاط المعرفي في منتصف العمر، وتوفير أجهزة السمع لجميع الأشخاص الذين يعانون من فقدان السمع، والحد من التعرض للضوضاء الضارة، واكتشاف وعلاج ارتفاع نسبة الكوليسترول الضار في منتصف العمر من سن الأربعين تقريباً، وعلاج الاكتئاب بشكل فعال.

بالإضافة إلى ارتداء الخوذات وحماية الرأس في الرياضات التي تتطلب الاحتكاك الجسدي وعلى الدراجات، مع إعطاء الأولوية للبيئات المجتمعية الداعمة لزيادة الاتصال الاجتماعي، والحد من التعرض لتلوث الهواء من خلال سياسات صارمة للهواء النظيف، وتوسيع التدابير الرامية إلى الحد من التدخين، مثل مراقبة الأسعار، ورفع الحد الأدنى لسن الشراء وحظر التدخين، وتقليل محتوى السكر والملح في الأطعمة المباعة في المتاجر والمطاعم.

وتكتسب هذه الإجراءات أهمية خاصة في ضوء الأدلة الجديدة التي تُظهِر أن الحد من مخاطر الخرف لا يؤدي فقط إلى زيادة سنوات الحياة الصحية، بل يقلل أيضاً من الوقت الذي يقضيه الأشخاص المصابون بالخرف في حالة صحية سيئة.

ويقول الباحثون إن أنماط الحياة الصحية التي تنطوي على ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، وعدم التدخين، والنشاط المعرفي في منتصف العمر؛ بما في ذلك التعليم الرسمي خارج المدرسة، وتجنب الإفراط في تناول الكحول لا يمكن أن تقلل من خطر الخرف فحسب، بل قد تؤخر أيضاً ظهور الخرف.

خسائر اقتصادية

وفي دراسة منفصلة نشرت أيضاً في دورية "لانسيت"، قام الباحثون بوضع نموذج للتأثير الاقتصادي لتطبيق بعض هذه التوصيات، باستخدام إنجلترا كمثال.

وتشير نتائج الدراسة، إلى أن استخدام التدخلات على مستوى السكان لمعالجة عوامل خطر الخرف المتمثلة في الإفراط في تناول الكحول وإصابات الدماغ، وتلوث الهواء، والتدخين، والسمنة، وارتفاع ضغط الدم يمكن أن يحقق وفورات في التكاليف تزيد على 4 مليارات جنيه إسترليني، وأكثر من 70 ألف سنة حياة معدلة الجودة.

ويؤكد المؤلفون أن الفوائد المحتملة قد تكون أعظم في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وأي بلد لا توجد به بالفعل تدخلات على مستوى السكان مثل حظر التدخين في الأماكن العامة والتعليم الإلزامي.

ونظراً للعبء الأكبر بكثير لعوامل خطر الخرف في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل مع الارتفاع المتوقع في الخرف على مدى العقود القليلة القادمة بسبب الشيخوخة السكانية السريعة، وزيادة معدلات ارتفاع ضغط الدم، والسكري، والسمنة، يقول الباحثون إن "هناك حاجة إلى نهج وقائي عاجل قائم على السياسات من شأنه أن يحقق فوائد محتملة هائلة تتجاوز بكثير التكاليف".

وأضافوا أن إعطاء الأولوية للعمل على تحسين الوقاية الأولية على مستوى السكان، بإجراءات مثل تقليل تناول الملح والسكر، والرعاية الصحية الفعالة لحالات مثل السمنة وارتفاع ضغط الدم، وتقييد التدخين وتلوث الهواء، وتمكين جميع الأطفال من الحصول على تعليم جيد، يمكن أن يكون له تأثير عميق على انتشار الخرف وعدم المساواة، فضلاً عن توفير كبير في التكاليف.

مرض ألزهايمر

يناقش التقرير أيضاً التقدم المأمول في المؤشرات الحيوية للدم والأجسام المضادة لمرض ألزهايمر، ويوضح المؤلفون أن المؤشرات الحيوية للدم تمثل تقدماً كبيراً للأشخاص المصابين بالخرف، مما قد يزيد من قابلية التوسع ويقلل من التدخل وتكلفة الاختبار للتشخيص الدقيق.

وفي حين أن هناك تجارب سريرية واعدة، يحذر مؤلفو التقرير من أن علاجات الأجسام المضادة جديدة، ولا تتوفر بيانات طويلة الأجل، ويدعون إلى المزيد من البحث والشفافية الموسعة بشأن الآثار الجانبية القصيرة والطويلة الأجل، ويدعو التقرير إلى تقديم المزيد من الدعم للأشخاص الذين يعيشون مع الخرف وأسرهم.

ويؤكد المؤلفون أنه في العديد من البلدان، لا تزال التدخلات الفعّالة المعروفة بفائدتها للأشخاص المصابين بالخرف غير متاحة أو لا تشكل أولوية، بما في ذلك التدخلات المتعلقة بالأنشطة التي توفر المتعة وتقلل من الأعراض العصبية والنفسية لإبطاء التدهور المعرفي في مرض ألزهايمر.

وتقدم تلك الدراسة دلائل مقنعة لنهج استباقي مدى الحياة للوقاية من الخرف، فمن خلال معالجة 14 عامل خطر قابل للتعديل من الطفولة إلى الشيخوخة، يمكن منع أو تأخير ما يقرب من نصف حالات الخرف.

وتتطلب هذه الاستراتيجية الشاملة التعاون بين الحكومات ومقدمي الرعاية الصحية والأفراد؛ لخلق بيئة تدعم الحياة الصحية وتقلل من خطر الخرف. ومع استمرار تقدم سكان العالم في السن، فإن هذه الجهود حاسمة للتخفيف من التأثير المتزايد للخرف وتحسين نوعية الحياة لملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم.

تصنيفات

قصص قد تهمك