أثار تقرير مُسرَّب لوكالة استخبارات الدفاع الأميركية تساؤلات بشأن ادعاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن الضربات الجوية الأخيرة في طهران "دمرت بالكامل" 3 منشآت نووية إيرانية، إذ خلص التقرير إلى أن العملية لم تؤدِ إلا إلى تأخير البرنامج النووي الإيراني لبضعة أشهر فقط، بحسب شبكة Fox News.
وبينما شنّ أعضاء إدارة ترمب "حرباً جديدة" لتقويض التقرير الأولي الصادر عن وكالة استخبارات الدفاع التابعة للبنتاجون، أكد العديد من الخبراء للشبكة أنه لا تتوفر حالياً معلومات كافية لتحديد حجم الضرر الذي ألحقته الضربات بدقة، مشيرين إلى أن إعداد تقييم استخباراتي شامل هو "عملية معقدة وتستغرق وقتاً طويلاً".
ونقلت Fox News عن دان شابيرو، الذي شغل سابقاً منصب نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط وسفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، قوله إنه لا يُولي أهمية كبيرة للتقييمات السريعة، سواء كانت مفرطة في التشاؤم أو التفاؤل، مضيفاً أن التقييم الأولي لوكالة الاستخبارات كان على الأرجح مستنداً فقط إلى صور الأقمار الاصطناعية.
وتابع: "هذه مجرد قطعة واحدة من لغز التقييم الحقيقي، فالأمر يتطلب اختبار كل مصادر الاستخبارات الأخرى، بما في ذلك استخبارات الإشارات، والاستخبارات البشرية، ووسائل أخرى لمراقبة المواقع، وربما زيارات من مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو جهات أخرى. ولذا، سيستغرق الأمر أياماً أو أسابيع للحصول على تقييم حقيقي".
وزاد شابيرو: "لكنني أعتقد أنه إذا كانت الذخائر قد أدت دورها كما هو متوقع، فمن المرجح أن الأضرار كانت كبيرة، ما سيؤدي إلى تأخير كبير في البرنامج (النووي الإيراني)".
بدوره، قال الجنرال دان كين، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الأحد، إن التقييم الأولي لأضرار الضربات أشار إلى أن "المواقع الثلاثة تعرضت لأضرار وتدمير شديد للغاية"، لكنه أقر بأن التقييم النهائي "سيستغرق بعض الوقت".
ومع ذلك، قدمت تقارير إعلامية تستند إلى تقرير وكالة الاستخبارات الدفاعية صورة مختلفة، إذ ذكرت شبكة CNN أن مخزون إيران من اليورانيوم المُخصَّب لم يُدمر في الضربات، نقلاً عن 7 أشخاص اطلعوا على التقرير.
وجاءت هذه النتائج بناءً على تقييم أضرار الضربات الذي أجرته القيادة المركزية الأميركية.
وفي المقابل، دافع عدد من أعضاء إدارة ترمب، بمن فيهم وزير الدفاع بيت هيجسيث، عن الموقف الرسمي ورفضوا نتائج تقرير وكالة استخبارات الدفاع، مؤكدين أن التقرير مُصنف على أنه "منخفض الثقة".
وأوضح الخبراء أن مصطلح "منخفض الثقة" يُستخدم عادةً في التقييمات الأولية، ويعني أن الاستنتاجات تستند إلى بيانات محدودة.
وقال الجنرال الأميركي المتقاعد مارك مونتجمري، الذي شغل سابقاً منصب مدير التهديدات العابرة للحدود في مجلس الأمن القومي خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، إن استخدام تصنيف "منخفض الثقة" شائع عند إجراء تقييم أولي سريع مثل هذا التقييم الذي أُجري خلال 24 ساعة.
"ضعف الأدلة المتاحة"
أما كريج سينجلتون، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، فأوضح أن تصنيف "منخفض الثقة" يدل على ضعف الأدلة المتاحة، ويُستخدم لتحذير صانعي القرار بضرورة طلب المزيد من المعلومات.
وأضاف: "الأهم من ذلك أن التقييمات منخفضة الثقة عادةً ما تصدر حين لا يتم التحقق من المعلومات الأساسية، وهو ما ينطبق بالتأكيد في هذه الحالة".
وأكد روب جرينواي، نائب مساعد الرئيس السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي، أن الحصول على تقييم شامل وأكثر دقة سيتطلب شهراً إلى شهرين.
وأضاف أن الضربات كانت مصممة لإحداث أضرار تحت الأرض، ما يصعّب تقييم حجم الضرر، بسبب نقص المعلومات الفورية، وسيتطلب ذلك مصادر استخباراتية متعددة، مثل الإشارات أو المصادر البشرية، للوصول إلى نتائج موثوقة.
كما ذكر جرينواي أن إسرائيل سبق لها أن نفذت ضربات على المواقع ذاتها، ما يزيد من تعقيد تحليل الأضرار الإجمالية. وقال: "كل من هذه العناصر يمثل جزءاً من لغز أكبر بكثير، ونحن نحاول قياس التأثير النهائي للضربات، وليس فقط ضربة معينة".
مع ذلك، أوضح جرينواي أن كمية الذخائر التي أُسقطت على المواقع الإيرانية، بما في ذلك أكثر من 14 قنبلة وزن الواحدة منها 30 ألف رطل، تعني أن المنشآت المستهدفة تعرضت لتدمير يجعلها غير صالحة للاستخدام.
وأضاف: "استخدمنا ضِعف الكمية المطلوبة من الذخائر لتحقيق التأثير المطلوب، فقط للتأكد من أننا لن نضطر للعودة مجدداً".
واختتم قائلاً: "لا تكاد توجد احتمالات معقولة تسمح لإيران بإعادة استخدام أي من هذه المنشآت لأغراضها الأصلية، ما يعني أن جميعها بات الآن في متناول إسرائيل لضربها إذا لزم الأمر".
من جانبه، قال مايكل ألين، المدير السابق في مجلس الأمن القومي خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، إن الصورة الاستخباراتية ستصبح "أكثر ثراءً" خلال الأيام المقبلة، لكنه أشار إلى أن الحكم النهائي للمجتمع الاستخباراتي لن يكون جاهزاً قريباً.
وأضاف: "البيانات تتدفق باستمرار، ونحن نجمعها، وهم يحاولون إيصالها إلى البيت الأبيض بأسرع وقت ممكن".
وصرَّحت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت بأن عدداً قليلاً فقط من الأشخاص كان لديهم حق الوصول إلى هذا التقرير، مؤكدة أن مَن سرّبه إلى وسائل الإعلام سيُحاسب.
وأضافت أن مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI يحقق في الجهة التي سرَّبت الوثيقة للصحافة. وتابعت: "لقد تصرف ذلك الشخص بشكل غير مسؤول، وعلينا الكشف عن الحقيقة وتعزيز الإجراءات لحماية أمننا القومي وحماية الشعب الأميركي".