إسرائيل.. استدعاء المزيد من جنود الاحتياط يثير أزمة اقتصادية واجتماعية

time reading iconدقائق القراءة - 8
جندي إسرائيلي يحمل زميله المصاب بعد إطلاق قذائف من لبنان في قرية حرفيش ذات الغالبية الدرزية شمال إسرائيل. 5 يونيو 2024 - REUTERS
جندي إسرائيلي يحمل زميله المصاب بعد إطلاق قذائف من لبنان في قرية حرفيش ذات الغالبية الدرزية شمال إسرائيل. 5 يونيو 2024 - REUTERS
دبي -الشرق

يحتاج الجيش الإسرائيلي إلى استدعاء المزيد من جنود الاحتياط بعد أن أمضى الآلاف منهم أشهر عدّة، في الخدمة تاركين أسرهم ووظائفهم، منذ بدء حرب إسرائيل على غزة، ما أثار موجة "استياء"، وسط تداعيات سلبية للحرب على قطاع الاقتصاد، وفق "بلومبرغ".

وأشارت "بلومبرغ" إلى أنه يوجد نحو 350 ألف من جنود الاحتياط، قضوا أشهر في الخدمة، وأجلوا التزاماتهم العائلية وأعمالهم ودراساتهم، للمشاركة في الحرب على غزة، أو التصدي للهجمات التي يشنّها "حزب الله" اللبناني في الشمال.

وذكرت أن العبء الذي يتحمله هؤلاء الجنود يكشف معاناة إسرائيل لتعزيز صفوف قواتها المسلحة مع تجنب الإضرار بالاقتصاد جراء نقص العمالة، وكل ذلك في حين تتصاعد حالة الاستياء بسبب معارضة اليهود المتشددين تلبية نداء الخدمة الوطنية.

ومع وجود نحو 170 ألف جندي في الخدمة من أصل 10 ملايين نسمة، يعد الجيش الإسرائيلي "كبيراً" وفق معايير عالمية، ولكنه يظل صغيراً جداً مقارنة بحجم المواجهات المحتملة لإسرائيل في الوقت الراهن.

وظهر ذلك بوضوح في هجوم السابع من أكتوبر 2023 على جنوب إسرائيل، عندما اخترقت مجموعات من مقاتلي حركة "حماس" الحدود مع غزة، التي تبين أنها "غير محمية بشكل جيد"، كما بات أكثر وضوحاً مع خوض إسرائيل حرباً مطولة على جبهات متعددة بعد مرور ما يقرب من عام على اقتحام حدودها.

أزمة في صفوف الجيش الإسرائيلي

ووفقاً لـ"بلومبرغ"، فإن شعار "صغير وذكي"، الذي كان يفاخر به الجيش الإسرائيلي ذات يوم، حيث تُفضل التكنولوجيا الفائقة على القوة البشرية، يبدو الآن "عفا عليه الزمن".

ونقلت الوكالة عن يوآف أدومي، الذي قضى نحو 6 أشهر في خدمة الاحتياط، وينتظره شهران آخران، قوله: "بات من الواضح أن هذا الشعار غير مستدام حقاً، وأن التغيير أصبح ضرورة"، مشيراً إلى أنه "لم يعد هناك من الأكتاف ما يكفي لحمل النقالات".

وأدّى النقص في صفوف القوات الإسرائيلية إلى توجيه التركيز إلى طائفة اليهود الأرثوذكس (الحريديم)، الذين يشكلون نحو 13% من السكان، ولا يشاركون في القتال إلى حد كبير، وبات الإعفاء الذي يتمتع به اليهود الأرثوذكس "مصدراً للتوترات الاجتماعية"، وفق "بلومبرغ".

وفي يونيو الماضي، قضت المحكمة العليا الإسرائيلية بإلغاء إعفاء طائفة اليهود المتدينين، الذين يشار إليهم باسم "الحريديم"، حتى يتمكن أفراد هذا المجتمع من المساعدة في حلحلة الموقف العسكري الإسرائيلي، ما أثار خلافات اندلعت على إثرها موجات من الاحتجاجات داخل إسرائيل.

أعباء اقتصادية

ولفتت "بلومبرغ" إلى أن أصحاب العمل يشعرون بهذا العبء مثل جنود الاحتياط، إذ تضطر الشركات إلى الاعتماد على قوة عاملة مخفضة في تسيير العمل، ما أسهم في العام الماضي في تراجع النمو الاقتصادي بنسبة بلغت 2%، وهي تقريبا نصف المعدل الذي توقعته وزارة المالية قبل اندلاع الحرب، مع توقع المزيد من التباطؤ بنسبة تصل إلى 1.1% في الأشهر المتبقية من العام الجاري.

ووجد مينيش تامير، مالك شركة "إيشيت إيلون" للصناعات، وهي شركة تطوير معدات زراعية في مستوطنة إيلون، نفسه يعاني في سد فجوات خلّفها استدعاء موظفيه، وبينهم مديرَيه الرئيسيَين، وهما أيضاً نجلاه، إلى خدمة الاحتياط بالجيش لدى اندلاع الحرب، وامتدت خدمة الاثنين إلى ما يقرب من 180 يوماً.

وقال تامير لـ"بلومبرغ": "كان علينا أن نسد مكانهم، وأن نقوم بعملهم"، مشيراً إلى أنه "بالطبع أدّى ذلك إلى إبطاء العمل، إذ لم يكن بذات القدر من الفاعلية".

اليهود "الحريديم" يتجنبون الخدمة

وبدأت السياسة الإسرائيلية المتعلقة بالقوة البشرية العسكرية كمحاولة لإقامة "جيش شعبي"، إذ يمكن خلاله دمج المهاجرين اليهود من أوروبا، وجميع أنحاء الشرق الأوسط في هوية واحدة.

كان المواطنون يُجنَدون في سن الثمانية عشر لمدة تصل إلى 3 سنوات قبل الانضمام إلى جيش الاحتياط، ليجري بعد ذلك استدعاؤهم لأسابيع عدّة في السنة للتدريب أو للعمل في الحراسة والدوريات.

ومع تطور التكنولوجيا العسكرية وزيادة عدد السكان، باتت الحاجة إلى التجنيد الإجباري أقل إلحاحاً، ومن ثمّ عمد الجيش الإسرائيلي إلى تخفيف معايير الخدمة.

كان هذا منطقياً أيضاً من الناحية المالية، لا سيما بعد تضخم الإنفاق الدفاعي إلى ما يزيد عن 20% من الناتج الإجمالي المحلي في سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي، ما وضع ضغوطاً هائلة على عاتق الاقتصاد الإسرائيلي، وأدى إلى زيادة التضخم.

وفي عام 1948، أعفى الأرثوذكس المتشددين الذين يدرسون في المعاهد الدينية، ولم تكن أعدادهم تتجاوز آنذاك بضعة مئات. ومنذ ذلك الحين، زادت أعداد هذه المجموعة، ويوجد الآن ما يُقدر بـ60 ألف من الأرثوذكس المتشددين في سن التجنيد لم يخدموا بالجيش.

"استياء" في إسرائيل

وتفاقمت حالة الاستياء بسب سقوط مئات الضحايا وآلاف الجرحى من بين صفوف الجنود الذين يخدمون في غزة، بحسب "بلومبرغ".

في هذا السياق، قال ياجيل هينكين، المؤرخ العسكري وزميل "معهد القدس للاستراتيجية والأمن": "أنت بحاجة إلى تجنيد بعضهم على الأقل، فهناك عدد قليل للغاية من الجنود الذين يتشاركون حمل هذا العبء".

وتجمع مئات المتظاهرين خارج مكاتب الجيش، واشتبكوا في بعض الأحيان مع الشرطة، لمنع الوصول إلى الأرثوذكس المتشددين الذين يحاولون الانضمام.

ونظراً لأن التجنيد الجماعي لليهود المتشددين لا يبدو حلاً سهلاً، اتخذ الجيش الإسرائيلي المزيد من الخطوات على المدى القصير لزيادة أعداد المجندين، شملت البدء في صياغة مشروع قانون لتمديد الخدمة العسكرية لعدة أشهر، إلى جانب لوائح تنظيمية سترفع حد سن الاستدعاء.

وتطوع المئات من الجنود السابقين الذين تجاوزوا بالفعل حد السن. ومن بين هؤلاء يوعاز هيندل، البالغ من العمر 49 عاما، وهو وزير اتصالات سابق، وساعد في إنشاء كتيبة جديدة من جنود القوات الخاصة السابقين، ومعظمهم في الأربعينيات والخمسينيات.

وبينما لا يبدو هؤلاء في شكل جيد الآن على النحو الذي كانوا عليه عندما كانوا في العشرينيات من العمر، إلا أنهم لا يزالون "لائقين بما يكفي" لتنفيذ المهام التي توكل إليهم، وقاتلوا بنجاح لعدة أشهر في غزة، حسبما قال هيندل.

تصنيفات

قصص قد تهمك