عاد الحديث عن "انتخابات مبكرة" إلى الواجهة السياسية في تركيا، مرة أخرى، بعد أن كثفت أحزاب معارضة الدعوة لإجرائها.
ودعا رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض أوزغور أوزال مؤخراً إلى عقد انتخابات في نوفمبر 2025، أي بعد مرور نصف المدة على ولاية الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، الفائز في انتخابات مايو 2023، والتي تمتد بحالتها الطبيعية إلى 5 سنوات.
وترتكز دعوة أوزال وغيره ممن يشاركه الرأي من أوساط المعارضة إلى العامل الاقتصادي الذي يحظى بأهمية كبيرة لدى الأتراك، لا سيما أن المعارضة ترى أن الحكومة "فشلت" في تقديم الحلول اللازمة لتحقيق رفاهية المواطنين، وإنهاء الأزمات المتراكمة، وعلى رأسها تراجع الأوضاع المعيشية.
وقال أوزال: "في حال أراد أردوغان الترشح مرة أخرى، عليه ألا ينتظر إلى ما بعد نوفمبر 2025 لتقديم ترشحه.. هذه الخطوة ستعطي الشعب التركي فرصة لاختيار رئيس جديد في منتصف الدورة الرئاسية، مما قد يساهم في تحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد".
استغلال الأزمة الاقتصادية
ولا تسمح القوانين التركية بإجراء انتخابات مبكرة إلا بدعوة من رئيس الجمهورية، وفي هذه الحالة لا يحق له الترشح لو عقدت في تاريخها المحدد 2028، أو بموافقة ما لا يقل عن 360 من نواب البرلمان، وهذا بطبيعة الحال يشترط موافقة حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، صاحب الأغلبية البرلمانية بواقع 268 مقعداً من أصل 600.
كما يسيطر حزب الحركة القومية، الحليف لـ"العدالة والتنمية" على 50 مقعداً، وبهذه الصيغة يحق للرئيس الحالي الترشح من جديد.
في حديثه لـ"الشرق" قال عضو حزب الشعب الجمهوري حسين جهار أجيكالن: "لا أعتقد أن المعارضة مستعدة لإجراء انتخابات مبكرة. في الواقع، إذا نظرنا إلى الماضي، أعتقد أن نتائج الانتخابات المحلية، التي اعتبرت انتصاراً كبيراً، جاءت بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية في تركيا وتفاقم الفقر، ولذلك كان نجاحاً ظرفياًً. وحتى اليوم، فإن موقف المعارضة من الأحداث المدرجة على جدول أعمال البلاد منذ الانتخابات المحلية لا يزال يعطيني الانطباع بأن المعارضة الرئيسية، على وجه الخصوص، ليست مستعدة للانتخابات، ولا تزال هناك معارضة تتبع الأجندات المصطنعة التي وضعها الحزب الحاكم".
ويرى أجيكالن أن المعارضة تفتقد حتى الآن الرؤية اللازمة لحكم البلاد، وأضاف: "يجب أن يكون الفقر وانتهاك القانون والظلم في مقدمة الأجندة في تركيا. والمعارضة التي تظل صامتة بشأن التداعيات التي يعاني منها الناس في المناطق المتضررة من زلزال فبراير 2023، خاصة في هاتاي، لا تملك الرؤية اللازمة لحكم البلاد بأكملها".
وتابع: "المعارضة التي لا تستطيع أن تقول بجرأة إن مصرع الطفلة (نارين) كان نتيجة الانحلال الأخلاقي والفساد في المجتمع، ليس لديها أي رؤية مختلفة عن الحكومة الحالية، لكن، عندما تدلي المعارضة بتصريحات تُحدد جدول الأعمال في تركيا، وقتها ستكون جاهزة للانتخابات، إذ لا يمكن أن نتعامل مع العواقب التي تترتب على هذه الأحداث، بدون مواجهة الأسباب التي أدت إلى الألم الذي نعيشه".
انقسام في الآراء
دعوات الحزب الجمهوري للتوجه إلى انتخابات مبكرة قوبلت بآراء مختلفة في أوساط الأحزاب المعارضة.
واللافت أن فاتح أربكان، رئيس حزب "الرفاه الجديد"الذي تحالف مع "العدالة والتنمية" خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة في مايو 2023، أيد مقترح "الجمهوري" لإجراء انتخابات مبكرة، وصرح قائلاً: "لم تعد الأمة قادرة على التحمل حتى عام 2028. يجب أن تكون هناك انتخابات مبكرة في أقرب وقت ممكن، ويجب تحقيق التغيير الذي أجرته الأمة بأصواتها في 31 مارس".
أما رئيس حزب "الجيد" المعارض مسعود درويش أوغلو فيرى أن حزبه جاهز للانتخابات المبكرة في أي وقت، إلا أنه عارض الصيغة التي يطرحها الحزب الجمهوري، والذي يعتبر أنه في حال إجراء انتخابات مبكرة سيكون "الحزب المتفوق والفائز بالسلطة" على حد تعبير المسؤولين فيه.
وتعليقاً على دعوة أوزال لانتخابات مبكرة، قال نائب الرئيس التركي جودت يلماز: "هذا النوع من الخطاب لا يُسهم في تحقيق أي فائدة للبلاد. المواطنون لا يرغبون في مجادلات سياسية أو مناقشات غير ضرورية، خاصة في ظل الظروف الراهنة التي تتطلب التركيز على القضايا الجوهرية".
وأشار يلماز إلى أن الحكومة تركز على تلبية احتياجات الشعب، ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه تركيا في هذه الفترة، لافتاً إلى أنها تحتاج إلى حلول "فورية وعملية".
الأحزاب غير جاهزة
وبشأن إثارة الحزب الجمهوري لمسألة الانتخابات المبكرة في تركيا، قال الصحافي تورهان بوزكورت: "بعد نتائج الانتخابات المحلية التي أجريت في مارس 2024، والتي تفوقت فيها المعارضة على الحكومة، ظهرت بوادر الدعوة لانتخابات مبكرة. والآن نشهد أزمة اقتصادية، وبعض الأمور بالسياسة الداخلية وغيره".
وفي حديث لـ"الشرق"، أضاف بوزكورت: "الرئيس التركي انتهج سياسة التطبيع مع المعارضة بعد الانتخابات الرئاسية والمحلية، لكن تقييم المعارضة وجد أن إجراء انتخابات مبكرة سيقلل من فرص أردوغان بالفوز، إذ أن الوقت لن يكون كافياً أمامه لحل هذه الأزمات. كما أن أكثر فرصة مناسبة لإجراء هذه الانتخابات هي الفترة المقبلة، لأن ارتفاع معدل التضخم في تركيا جاء في المستوى الثالث أو الرابع عالمياً حسب الإحصاءات الرسمية، إضافة لغلاء المعيشة، ومشكلة رواتب المتقاعدين، ومشاكل تتعلق بالمزارعين، حيث كل هذه الفئات في المجتمع غير راضية عن المستوى المعيشي. والمعارضة تريد استغلال هذه الأزمات".
وتابع: "في المقابل، يُعارض الحزب الحاكم الذهاب لانتخابات مبكرة في هذه الظروف، لأن خفض التضخم بشكل ملحوظ يحتاج لعام أو عام ونصف كحد أدنى، كما أن لدى العدالة والتنمية عدداً من النواب الذين سيحالون للتقاعد في مايو 2025، وسيكون هناك نواب جدد، لذلك أرى أن تركيا ربما تكون جاهزة من الناحية الاجتماعية لانتخابات، إلا أن الأحزاب السياسية على اختلافها غير جاهزة لهكذا سباق".
أما عضو حزب العدالة والتنمية رسول طوسون فيرى أن الشعب التركي غير جاهز، حتى من الناحية الاجتماعية أو النفسية، لخوض تجاذبات سباقات انتخابية جديدة.
وفي حديث لـ"الشرق"، قال طوسون: "الشعب ملّ من الانتخابات، فقد خضنا سباقين انتخابيين خلال العام ونصف العام الفائت، الرئاسي 2023 والإداري المحلي قبل 6 أشهر، ولا أسباب واقعية تتطلب إجراء انتخابات مبكرة".
من جانبه، يعتقد مراد شاهين، عضو حزب الحركة القومية حليف الحزب الحاكم، أن "تصريحات المعارضة تأتي في سياق حشر المناصرين لها"، قائلاً: إن "المعارضة تحاول تعزيز قاعدتها الشعبية والجماهيرية من خلال خطاب الانتخابات المبكرة".
وفي انتخابات مايو 2023، فاز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بولاية جديدة لـ5 سنوات، مستهلاً رئاسته بتشكيل حكومة جديدة شملت تغييرات في معظم الوزارات، وتعهد بإصلاح اقتصادي شامل، وخفض التضخم لمنزلة الآحاد، وإجراء إصلاحات إدارية، وإعادة ترتيب أوراق البيت الداخلي لحزب العدالة والتنمية، الذي يرأسه.