هجوم الـ"بيجر" ليس الأول.. تاريخ إسرائيلي مع "أجهزة الاتصالات القاتلة"

تل أبيب استخدمت الهواتف والشبكات منذ فترة طويلة لاغتيال النشطاء الفلسطينيين

time reading iconدقائق القراءة - 7
تجمع خارج المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت، حيث أصيب أكثر من 1000 شخص، عندما انفجرت أجهزة النداء التي يستخدمونها للتواصل في جميع أنحاء لبنان، 17 سبتمبر 2024 - Reuters
تجمع خارج المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت، حيث أصيب أكثر من 1000 شخص، عندما انفجرت أجهزة النداء التي يستخدمونها للتواصل في جميع أنحاء لبنان، 17 سبتمبر 2024 - Reuters
دبي-الشرق

سلطت "تفجيرات البيجر" التي وقعت في لبنان الثلاثاء، الأضواء على الجواسيس الإسرائيليين الذين يتمتعون بتاريخ يمتدّ لعقود من الزمن في استخدام الهواتف والتكنولوجيا المرتبطة بها، لتتبع ومراقبة وحتى اغتيال أعدائهم، وفقاً لـ"فاينانشيال تايمز".

في عام 1972 قام عملاء الموساد بتبديل القاعدة الرخامية للهاتف، الذي يستخدمه محمود الهمشري، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية لدى فرنسا، في شقته بالعاصمة باريس.

وفي 8 ديسمبر م ذات العام، عندما رد على الهاتف، فجر فريق إسرائيلي قريب المتفجرات المزروعة عن بعد. وفقد الهمشري ساقه، ورحل متأثراً بجراحه بعد شهر.

وفي عام 1996 تمكن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "شين بيت" من اغتيال القيادي ومهندس المتفجرات بحركة "حماس" يحيى عياش، بعد أن استقبل مكالمة من والده على هاتف محمول من طراز "موتورولا ألفا"، أحضره إلى غزة أحد المتعاونين الفلسطينيين.

فجّر فريق إسرائيلي الهاتف الذي كان بداخله نحو 50 جراماً من المتفجرات، وهو ما يكفي لقتل أي شخص يحمل الهاتف على أذنه. وأشارت "فاينانشيال تايمز" إلى أن هاتين الحالتين أصبحتا جزءاً من أسطورة الجاسوسية الإسرائيلية.

ويشير مسؤولون سابقون في الاستخبارات إلى أن هاتين الحالتين تعكسان "نجاحات مذهلة ونموذجية" بالنسبة للإسرائيليين، إذ خدمت الهواتف عدة أغراض حاسمة من بينها؛ مراقبة الهدف قبل الاغتيال؛ وتحديد هويته وتأكيدها أثناء الاغتيال، وأخيراً التمكن من استخدام شحنات متفجرة صغيرة لم تقتل سوى عياش والهمشري في كل حالة.

"هجوم جريء ومعقد ومنسق"

قالت "فاينانشيال تايمز" إنه مع انفجار المئات من أجهزة النداء (البيجر) Pager فجأة في مختلف أنحاء لبنان الثلاثاء، تحول الشّك على الفور إلى إسرائيل، القوة الإقليمية الوحيدة التي تمتلك شبكة تجسس قادرة على تنفيذ مثل هذا الهجوم الجريء والمعقد والمنسق.

وقال "حزب الله" اللبناني الذي تم تفجير العديد من أجهزته في الهجوم، "إننا نحمل العدو الإسرائيلي المسؤولية الكاملة".

ورفض الجيش الإسرائيلي التعليق على الهجوم، على الرغم من أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كان مساء الثلاثاء يتشاور مع كبار رؤساء الأمن بعد الانفجارات التي أودت بحياة 9 أشخاص على الأقل بينهم طفلة، وإصابة أكثر من 2700 شخص.

ولجأت الجماعة اللبنانية إلى أجهزة النداء "البيجر" لتجنب المراقبة الإسرائيلية بعد توجيه علني من زعيم "حزب الله"، حسن نصر الله، لعملائها بالتخلص من هواتفهم الذكية مع تصعيد إسرائيل لهجماتها ضد قادتها خلال ما يقرب من عام من الاشتباكات المكثفة.

ومع عدم وجود قدرات نظام تحديد المواقع العالمي، ولا ميكروفونات أو كاميرات، وبث نصي محدود للغاية، فإن أجهزة النداء يصعب اختراقها مقارنة بباقي الهواتف الذكية.

لهذا السبب، فضل "حزب الله" هذه الأجهزة، فهي تجمع القليل جداً من البيانات التي يمكن أن تستغلها الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. ولكن يبدو أنهم لم يتوقعوا احتمال أن الأجهزة الصغيرة، التي تعمل عادةً ببطاريات AA أو AAA واحدة، يمكن أن تنفجر، وفق "فاينانشيال تايمز".

وذكر مسؤولان إسرائيليان سابقان، وكلاهما لهما خلفية في اختراق الاتصالات للصحيفة البريطانية، أن أجهزة النداء لا تحتوي عادة على بطاريات كبيرة بما يكفي لإجبارها على الانفجار بقوة كافية للتسبب في الإصابات التي شوهدت في مقاطع الفيديو المنشورة من مستشفيات بيروت.

وأضاف المسؤولان السابقان أنه لا توجد أدلة كافية متاحة للجمهور لتأكيد كيفية تنفيذ التفجيرات وتنسيقها على وجه التحديد.

وكشف مسؤول استخباراتي أن هناك احتمالين واضحين؛ هجوم إلكتروني أجبر فيه برنامج ضار بطارية الليثيوم في جهاز "البيجر" على رفع درجة الحرارة ثم الانفجار، أو تدخل معروف باسم "هجوم سلسلة التوريد"، إذ ربما تم اعتراض شحنة من أجهزة النداء المتجهة إلى لبنان وإدخال كمية ضئيلة من المتفجرات خلسة.

ونظراً لصغر حجم الانفجارات، قال المسؤولان السابقان إن الهجوم الإلكتروني يبدو محتملاً، وإن كان معقداً من الناحية الفنية.

وذكر أحد المسؤولين السابقين: "إن الأمر ليس سهلاً، يمكنك أن تفعل ذلك بجهاز واحد عن بعد، وحتى في هذه الحالة لا يمكنك التأكد من ما إذا كان الجهاز سيشتعل أو سينفجر بالفعل. أما أن تفعل ذلك بمئات الأجهزة في نفس الوقت؟ فهذا أمر بالغ التعقيد".

اختراق الهواتف والشبكات

ومع تحول "حزب الله" عن الهواتف الذكية، فإن الحصول على تكنولوجيا عفا عليها الزمن إلى حد كبير في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان يتطلب استيراد دفعات كبيرة من أجهزة النداء إلى لبنان، وفق الصحيفة.

وأضاف المسؤول السابق: "حتى بالنسبة لحزب الله، فعليه أن يتساءل هل كانت جميع الأجهزة المعنية من نفس الشركة المصنعة، وربما وصلت في نفس الشحنات أو شحنات مماثلة؟ أم كانت جميع أنواع الأجهزة المختلفة، من جميع أنواع الشحنات، وأعطيت لمجموعة متنوعة من (العملاء)، صغار، كبار، سياسيين؟".

وأضاف أنه إذا كانت جميعها من دفعة واحدة، أو مورد واحد، فإن هذا يثير احتمال اعتراض الشحنات وإدخال كميات صغيرة من المتفجرات الحديثة.

وقال المسؤول الثاني إن أحد الاحتمالات هو أن المتفجرات كانت مخبأة داخل البطاريات نفسها، وهي خدعة كانت وكالات الاستخبارات الإسرائيلية والغربية تخشى منذ فترة طويلة أن يحاول الإرهابيون تجربتها على متن طائرة ركاب تجارية.

ولهذا السبب تطلب العديد من عمليات فحص الأمن في المطارات من الركاب تشغيل أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهم لإظهار شاشاتهم وبطارياتهم العاملة، والتأكد من عدم استبدال حجرة البطارية بالمتفجرات.

وقال المسؤول السابق الثاني، الذي عمل في عمليات التخريب السيبراني الإسرائيلية السابقة، إنه كان من السهل نسبياً إنشاء بطارية ليثيوم عاملة تحتضن شحنة متفجرة صغيرة داخلها. ولكنه قال إن هناك مخاطر مرتبطة بالقيام بذلك على نطاق واسع: "حزب الله ليس ساذجاً، وبالطبع سوف يتحققون بعناية من أي جهاز يصل إلى عضو كبير في الجماعة".

تصنيفات

قصص قد تهمك