عقد مجلس الأمن الدولي، الجمعة، جلسة بشأن التطورات الأخيرة في لبنان والمنطقة، والتي شهدت انتقادات لإسرائيل، في أعقاب تفجيرات أجهزة الاتصالات اللاسكي و"البيجر" في لبنان، فيما دعت الأمم المتحدة إلى محاسبة منفذي هذه الهجمات.
وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، خلال الجلسة، إن "القانون الدولي الإنساني يحظر استخدام أجهزة مفخخة في شكل أشياء محمولة تبدو غير ضارة ولكنها مصممة لحمل مواد متفجرة"، مشدداً على "ضرورة محاسبة من أمروا بهذه الهجمات ونفذوها".
وأعرب فولكر تورك عن "الجزع إزاء اتساع وتأثير الهجمات التي وقعت يومي 17 و18 سبتمبر في لبنان على المدنيين، عندما انفجرت أجهزة نداء (البيجر) وأجهزة اتصالات لاسلكية، وغيرها من الأجهزة الإلكترونية".
وقال تورك: "أدى هذا إلى إطلاق العنان للخوف والذعر والرعب على نطاق واسع بين الناس في لبنان، الذين يعانون بالفعل من وضع متقلب بشكل متزايد منذ أكتوبر 2023، ويرزحون تحت وطأة أزمة اقتصادية حادة وطويلة الأمد".
وشدّد على أن هذا الأمر "لا يمكن أن يكون هو الوضع الطبيعي الجديد"، مذكّراً بـ"قواعد الحرب التي لها هدف أساسي يتمثل في حماية المدنيين بشكل فعال".
ونبه إلى أن "الاستهداف المتزامن لآلاف الأفراد، سواء كانوا مدنيين أو أعضاء في جماعات مسلحة، دون معرفة من كان بحوزته الأجهزة المستهدفة وموقعها ومحيطها وقت الهجوم، ينتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني في حدود قابليته للتطبيق".
وقال المسؤول الأممي: "إن ارتكاب العنف بهدف نشر الرعب بين المدنيين يعد جريمة حرب". وجدد الدعوة إلى إجراء تحقيق مستقل وشامل وشفاف في ملابسات هذه الانفجارات، مشدداً على ضرورة "محاسبة أولئك الذين أمروا بهذه الهجمات ونفذوها".
كما قالت روز ماري ديكارلو، وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية وبناء السلام، إن "الخطر الذي يهدد الأمن والاستقرار، ليس فقط في لبنان، بل وأيضاً في المنطقة، لا يمكن أن يكون أكثر وضوحاً أو خطورة".
لبنان: جريمة حرب
بدوره، شدّد وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب، على أن اللجوء إلى تفجير آلاف أجهزة الاتصال عن بعد "بشكل جماعي وغادر، دون اعتبار لمن يحملها أو لمن يوجد بالقرب منها. يعد أسلوباً قتالياً غير مسبوق في وحشيته وإرهابه".
وأضاف أن "استهداف آلاف الأشخاص من مختلف الفئات العمرية، وفي مناطق واسعة أو مكتظة بالسكان، تشمل كافة المناطق اللبنانية أثناء ممارستهم لحياتهم اليومية في المنازل والشوارع وأماكن العمل ومراكز التسوق، هو الإرهاب بعينه، وانتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني وشرعة حقوق الإنسان، ويصنف من دون أدنى شك كجريمة حرب".
وأشار إلى أن "المغامرة الجديدة التي تبشرنا بها إسرائيل، قد تؤدي إلى حرب إقليمية طاحنة تختلف عن كل سابقاتها من حيث رقعتها الجغرافية على امتداد الشرق الأوسط".
ودعا وزير الخارجية اللبناني مجلس الأمن إلى "إدانة الهجمات الإسرائيلية بصورة واضحة وصريحة"، وتحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن تخطيط وتنفيذ وما تشكله من "اعتداء سافر" على سيادة لبنان وسلامة أراضيه، و"خرق صارخ" لميثاق الأمم المتحدة وقرار مجلس الأمن رقم 1701.
وختم بو حبيب كلمته بالقول: "أعطوا السلام فرصة قبل فوات الأوان. ألم تشبع إسرائيل حروباً وقتلاً ودماراً؟ ألم يحن الوقت بعد لاختصار المسافات والعذابات علينا جميعاً، لنزع بذور مستقبل أفضل لشعوبنا؟".
مندوب إسرائيل: هدفنا إعادة السكان إلى الشمال
مندوب إسرائيل الدائم لدى الأمم المتحدة داني دانون، قال إن بلاده "لن تسمح لحزب الله بمواصلة استفزازاته"، مشيراً إلى أن "إسرائيل لا تسعى إلى صراع أوسع نطاقاً".
وأضاف دانون: "لن نسمح بأن يعيش شعبنا تحت التهديد المستمر. ولن نسمح لحزب الله باستخدام الأراضي اللبنانية كمنصة لإطلاق أعمال العنف".
وزعم دانون أن "حزب الله أطلق مئات الصواريخ على المدنيين الإسرائيليين في الشمال"، مضيفاً: "لم يكن هذا استفزازاً، كان هجوماً مدروساً لإظهار الدعم لحماس".
وأكد دانون أن إسرائيل "ستعيد الأمن إلى حدودها الشمالية"، لافتاً إلى أن "الهدف هو إعادة الإسرائيليين الذين نزحوا من منازلهم".
وقال موجهاً كلامه إلى وزير الخارجية اللبناني: "لقد سمحتم لمنظمة إرهابية بإنشاء دولة داخل دولتكم، تجلب الخراب لشعبكم.. يجب أن تتخذوا الإجراءات الآن لكبح جماح حزب الله وتجنب المزيد من التصعيد. إذا استمريتم في تجاهل عدوانه، فإن آلام ومعاناة الشعب اللبناني ستكون على أكتافكم".
ودعا داني دانون مجلس الأمن إلى "الوقوف لجانب إسرائيل في سعيها لاستعادة أمنها"، معتبراً أنها "ليست حرب إسرائيل فحسب، وإنما حرب ضد عدم الاستقرار، وضد القوى التي تسعى إلى تدمير السلام في المنطقة".
وفي وقت سابق، ذكرت بعثة إسرائيل لدى الأمم المتحدة، الجمعة، في بيان، أن "نافذة الفرص الدبلوماسية تُغلق" لحل الصراع مع لبنان.
روسيا: عمل إرهابي
وقال مندوب روسيا في مجلس الأمن فاسيلي نيبينزيا، الجمعة، إن موسكو "تعتبر تفجير أجهزة الاتصال في لبنان عملاً إرهابياً، يشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين"، معتبراً أن ذلك "سيكون له عواقب لا يمكن التنبؤ بها على الشرق الأوسط بأكمله".
وأضاف: "الذين نفذوا هذا الهجوم لم يسلم منهم أحد.. التفجيرات حدثت في مستشفيات، في أسواق، في شوارع، في محال تجارية، في صيدليات".
وذكر المسؤول الروسي أنه "من الواضح أن منظمي هذا الهجوم غير المسبوق أرادوا عمداً إثارة مواجهة مسلحة واسعة النطاق، سعياً إلى إشعال حرب كبرى جديدة في الشرق الأوسط".