القوات الأميركية في العراق.. علاقة أمنية جديدة دون انسحاب كامل

اتفاق لخفض عدد الجنود وإنهاء مهمة التحالف الدولي

time reading iconدقائق القراءة - 10
جنود أميركيون خلال مراسم تسليم معسكر التاجي من قوات التحالف الدولي إلى قوات الأمن العراقية شمال العاصمة بغداد. 23 أغسطس 2020 - REUTERS
جنود أميركيون خلال مراسم تسليم معسكر التاجي من قوات التحالف الدولي إلى قوات الأمن العراقية شمال العاصمة بغداد. 23 أغسطس 2020 - REUTERS
دبي -الشرق

أعلنت الولايات المتحدة، التوصل لاتفاق مع العراق بشأن تمركز قوات أميركية في البلاد لمدة عامين آخرين على الأقل، لإصلاح تعاونهما العسكري الهادف إلى مواجهة تنظيم "داعش".

وفي بيان مشترك، حددت الولايات المتحدة والعراق جدولاً زمنياً ينتهي فيه الوجود العسكري للتحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" في العراق، في موعد لا يتجاوز نهاية سبتمبر 2025 مع انتقال العراق إلى علاقات أمنية ثنائية "تدعم القوات العراقية، وتواصل الضغط على داعش".

ورجحت شبكة ABC News الأميركية، أن هذه الخطوة ربما تؤدي إلى خفض عدد القوات الأميركية البالغ عددها 2500 جندي، والتي لا تزال في العراق والإبقاء على 900 جندي في شمال شرق سوريا.

فيما أكد مسؤولون أميركيون، أن الاتفاق لا يعني أن الولايات المتحدة تنفذ انسحاباً للقوات الأميركية من العراق، بل يعني "مرحلة انتقالية" إلى علاقة عسكرية أميركية عراقية جديدة منفصلة عن التحالف، الذي استمر عقداً.

انتقال على مرحلتين

وقال مسؤولون أميركيون كبار للصحافيين، الجمعة، إنه بموجب المرحلة الأولى من الاتفاق، سينهي التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي تأسس في عام 2014 مهمته العسكرية في العراق بحلول نهاية سبتمبر من العام المقبل، وفق ما أوردته "بلومبرغ".

وفي المرحلة الثانية، سيواصل التحالف عمليات مكافحة "داعش" في سوريا من العراق حتى سبتمبر 2026 على الأقل، بحسب المسؤولين، الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم. ورفض المسؤولون تقديم تفاصيل بشأن العدد المستقبلي للقوات في البلاد.

من جانبها، ذكرت وكالة "أسوشيتد برس"، أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن رفضت تقديم تفاصيل بشأن عدد القوات الأميركية التي ستبقى بالعراق، مشيرةً إلى رفضها كذلك تأكيد ما إذا كان ذلك يمثل "انسحاباً كاملاً".

ونقلت الوكالة عن مسؤولين أميركيين قولهم، إن "الاتفاق يشمل عملية انتقال على مرحلتين للقوات في العراق بدءاً من الشهر الجاري"، مضيفين: "في المرحلة الأولى، التي تستمر حتى سبتمبر 2025، ستنتهي مهمة التحالف ضد (داعش) وستغادر القوات بعض القواعد القديمة".

ولفت مسؤولون في الحكومة العراقية للوكالة، إلى أن "القوات الأميركية ستبدأ بعد الانتخابات الأميركية المقررة في نوفمبر المقبل، مغادرة قاعدة عين الأسد الجوية في غرب العراق، ومن مطار بغداد الدولي، لكي تنتقل إلى قاعدة حرير الجوية في أربيل بإقليم كردستان شمال العراق".

وذكر مسؤول كبير في الإدارة الأميركية وآخر في وزارة الدفاع، أن "الولايات المتحدة ستواصل في المرحلة الثانية، العمل بطريقة ما من العراق حتى عام 2026، بهدف دعم العمليات ضد (داعش) في سوريا".

وأوضح مسؤولون أميركيون، أن "المهمة العسكرية الأميركية ستتحول إلى علاقة أمنية ثنائية"، لكنهم لم يشيروا إلى ما قد يعنيه ذلك بالنسبة لعدد القوات الأميركية التي ستبقى في العراق.

وأشار مسؤولون عراقيون، إلى "بقاء بعض جنود القوات الأميركية في قاعدة حرير بعد عام 2026"، لافتين إلى "رغبة حكومة إقليم كردستان بذلك".

"ليس انسحاباً"

من جانبها، قالت سابرينا سينج نائبة المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون"، للصحافيين الجمعة في إفادة منفصلة: "الولايات المتحدة لا تنسحب من العراق. تواجدنا داخل البلاد سوف يتغير".

على نحو مماثل، قال مسؤول كبير في الإدارة: "أريد فقط أن أؤكد على حقيقة أن هذا ليس انسحاباً، بل هو مرحلة انتقالية".

وأضاف المسؤول: "إنها مرحلة انتقالية من مهمة عسكرية للتحالف إلى علاقة أمنية ثنائية موسعة بين الولايات المتحدة والعراق". 

وتابع: "أعضاء التحالف الذين سيذهبون أو يريدون البقاء أو الاستمرار في الحديث عن علاقة أمنية، هذا شأن خاص بهم".

وأكد المسؤولون، أن المناقشات بشأن دور وحجم الوجود العسكري الأميركي المستقبلي في العراق ستكون موضوع مناقشات أميركية عراقية مستقبلية.

وقال المسؤول الكبير في الإدارة، إن كيفية انتقال السلطة ستتحدد من خلال محادثات جارية مع الحكومة العراقية بشأن أمور مثل "ما هو الوضع مع داعش، وما هي الأجواء التي نعمل فيها، وما هي القدرات".

تهديد "داعش"

وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، قال إن الوجود العسكري الأميركي غير ضروري، لأن "داعش" لم يعد يشكل تهديداً ودفع باتجاه رحيل الولايات المتحدة.

وأضاف السوداني في مقابلة مع "بلومبرغ" في وقت سابق من الشهر الجاري: "لم تعد المبررات موجودة. لقد انتقلنا من الحروب إلى الاستقرار. داعش لا يمثل تحدياً حقاً".

وقال مسؤولون أميركيون، إن الترتيبات الجديدة، التي ربما تتغير بناءً على الموقف أو قرارات سياسية مستقبلية، مصممة لتعكس الطبيعة المتغيرة لتهديد "داعش". وأضافوا أن التحالف نجح في هزيمة "داعش" في العراق عام 2017، وفي سوريا عام 2019.

وقال مسؤول رفيع في البنتاجون، إن "داعش" لم يعد يسيطر على مساحات كبيرة من الأراضي كما كان من قبل، لافتاً إلى أن قدرات قوات الأمن العراقية تحسنت بشكل كبير أيضاً.

"قلق" بغداد

كان إخراج القوات العسكرية الأميركية من العراق، يشكل مصدر قلق رئيسي لحكومة رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني التي واجهت ضغوطاً مستمرة من فصائل مسلحة مدعومة من إيران معارضة لوجودها.

وعلى مدار العام الماضي، نفذت فصائل مسلحة مدعومة من إيران، أكثر من 170 هجوماً بصواريخ وطائرات مسيرة على قواعد عسكرية أميركية في العراق وسوريا.

لكن بعض المنتقدين يحذرون من أن زيادة هجمات "داعش" هذا العام في سوريا عبر الحدود الصحراوية من العراق تشير إلى أن الانسحاب من العراق "سبب مهم للقلق"، كما قال تشارلز ليستر، وهو زميل بارز في مركز أبحاث معهد الشرق الأوسط في واشنطن.

وأوضح ليستر، أن الانسحاب الأميركي من العراق ليس لأن "داعش" اختفى. "الانسحاب يرجع إلى وجود نسبة كبيرة من مجتمع صنع القرار في بغداد لا تريد وجود قوات أميركية على الأراضي العراقية".

ويمثل هذا الاتفاق المرة الثالثة خلال العقدين الأخيرين التي تعلن فيها الولايات المتحدة عن مرحلة انتقالية رسمية لدور الجيش هناك.

في وقت سابق من العام الجاري، أطلق الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء العراقي عملية مفاوضات بين البلدين لوضع إطار لعلاقة عسكرية مستقبلية يمكن أن تؤدي إلى تقليص الوجود العسكري الأميركي في العراق.

وقبل الإعلان، أكد مسؤولون أميركيون، أن الاتفاق لم يكن انسحاباً للقوات العسكرية الأميركية بل انتقالاً بعيداً عن التواجد العسكري للتحالف الذي تأسس في عام 2014، عندما اجتاح تنظيم "داعش" مساحات شاسعة من سوريا والعراق ليقترب من بغداد بنحو 40 ميلاً.

التواجد الأميركي بالعراق

وغزت الولايات المتحدة العراق في مارس 2003 في إطار حملة قصف هائلة أسمتها "الصدمة والترويع" أضاءت السماء، وألحقت الدمار بأجزاء كبيرة من البلاد، ومهدت الطريق أمام القوات البرية الأميركية للتوجه إلى بغداد. واستند الغزو إلى ما تبين فيما بعد أنها مزاعم خاطئة بأن الرئيس الراحل صدام حسين كان يخبئ أسلحة دمار شامل سراً، ولم يعثر على مثل هذه الأسلحة قط.

وتزايد الوجود الأميركي إلى أكثر من 170 ألف جندي في ذروة العمليات العسكرية في عام 2007. وتفاوضت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما على خفض القوات، وفي ديسمبر 2011، غادرت القوات القتالية الأخيرة، ولم يبق سوى عدد قليل من الأفراد العسكريين لإدارة مكتب مساعدة أمنية وكتيبة من مشاة البحرية لحراسة مجمع السفارة.

في عام 2014، أدى صعود تنظيم "داعش"، وسيطرته السريعة على مساحة واسعة عبر العراق وسوريا إلى عودة القوات الأميركية وقوات الدول الشريكة بدعوة من الحكومة العراقية للمساعدة في إعادة بناء وتدريب وحدات الشرطة والجيش التي انهارت.

وبعد أن فقد تنظيم "داعش" سيطرته على الأراضي التي كان يسيطر عليها، انتهت العمليات العسكرية للتحالف في عام 2021. وبقي نحو 2500 جندي أميركي في العراق للحفاظ على التدريب وإجراء عمليات مكافحة "داعش" بالشراكة مع الجيش العراقي.

وفي السنوات التالية، حافظت الولايات المتحدة على هذا الوجود للضغط على الفصائل المدعومة من إيران النشطة في العراق وسوريا، كما يصعب وجود القوات الأميركية في العراق على إيران نقل الأسلحة عبر العراق وسوريا إلى لبنان، لاستخدامها من قبل وكلائها، بما في ذلك "حزب الله" اللبناني، وفق وكالة "أسوشيتد برس".

والتحالف المناهض لتنظيم "داعش"، والذي يضم 87 دولة سيظل قائماً لمنع عودة ظهور التنظيم، ولكن لن يكون له وجود عسكري في العراق. وكانت بعض الدول التي لديها قوات في العراق تضغط من أجل التوصل إلى اتفاق لإنهاء هذه المهمة.

تصنيفات

قصص قد تهمك