توقع خبراء ومحللون أن تمضي إسرائيل قدماً وبوتيرة متسارعة في هدفها الاستراتيجي بالقضاء على جماعة "حزب الله"، لا سيما بعد نجاحها في "اختراق" صفوف الجماعة، واغتيال الصف الأول من قادتها وصولاً إلى أمينها العام حسن نصر الله، فيما استبعدوا اتجاه المنطقة إلى "حرب إقليمية" أو توسع كبير.
ونعى "حزب الله"، السبت، أمينه العام حسن نصر الله، الذي اغتاله الجيش الإسرائيلي في غارة استهدفت اجتماعاً لقادة الجماعة بالضاحية الجنوبية لبيروت، الجمعة.
ورداً على سؤال بشأن التداعيات المحتملة لهذا التصعيد على إسرائيل والمنطقة، قال وزير الإعلام الأردني السابق سميح المعيطة، لـ"الشرق"، إن الأمر يعتمد على ردود فعل إيران و"حزب الله".
وتوقع المعيطة أنه في حال استمرت ردود الفعل بوتيرتها خلال الأسابيع الماضية، نتيجة استهداف إسرائيل قيادات "حزب الله" وبنيته التحتية، ستشهد المنطقة فترة من "التوتر" الناتج عن التصعيد الإسرائيلي يؤثر على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في لبنان جراء نزوح عشرات الآلاف من اللبنانيين يومياً، مستبعداً اتجاه المنطقة إلى ما يسمى "حرب إقليمية" أو توسع كبير.
واستدرك: "لكن إذا جاء رد فعل حزب الله أو إيران بشكل غير معتاد، سيجري تصعيد الأمور من الاتجاهين، ونتجه إلى شيء أكبر مما كان عليه الوضع حالياً".
وأوضح المعيطة أنه في بداية المناوشات مع "حزب الله" منذ أكتوبر، كان حديث إسرائيل دائماً عن "تطبيق القرار 1701، وأنها تهدف إلى إعادة الحزب إلى شمال نهر الليطاني، وهو نص القرار الذي وافقت عليه إيران، ووافق عليه حزب الله عام 2006".
ورجح أن تتوسع شهية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأن يبدأ توجيه ضربات وتحقيق أهداف أخرى أصبحت أكبر من تطبيق القرار 1701، أو ربما اعتبر أن ما سيفعله سيؤدي في النهاية إلى إبعاد "حزب الله" عن الحدود اللبنانية عن إسرائيل، لكنه يريد أيضاً، وهذا تحقق جزء كبير منه، ضرب بنية "حزب الله"، وربما ينفذ اغتيالات أخرى لأشخاص غير معروفين، أو أشخاص مؤهلين للقيادة في "حزب الله".
واعتبر المعيطة أن الأهم بالنسبة لإسرائيل هو ضرب مخازن السلاح والصواريخ والبنية التحتية العسكرية للحزب في لبنان، معرباً عن اعتقاده بأن هذا هدف متقدم لنتنياهو، سيصل به تلقائياً إلى تحقيق القرار 1701، إضافة إلى الهدف العسكري بتحجيم "حزب الله" قيادياً وعسكرياً وتشكيل حالة ردع.
تأثر "حزب الله" بفقدان قادته
وعن احتمال انتهاء جماعة "حزب الله" اللبنانية بعد اغتيال قادتها، أعرب مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية خالد عكاشة عن اعتقاده بأن "التنظيمات التي من نوع حزب الله وغيرها من التنظيمات الفاعلة والمسلحة على وجه الخصوص التي تنتهج العمل والأداء السري بشكل أو بآخر، تتأثر بفقدانها لقياداتها من الناحية العملية والنظرية".
وقال عكاشة لـ"الشرق": "هذه القيادات لا يقتصر عملها فقط على الإدارة ورسم السياسات والاستراتيجيات، وما أقصده الإدارة اليومية، والإدارة العسكرية أيضاً. تمثل القيادات في كل المرحلة العمرية لهذه التنظيمات الصندوق الأسود الذي يجمع بيديه كافة الخطوط، من حيث الداعمين الخارجيين الممولين، وطريقة التعامل مع النفقات والأسلحة والذخائر، والتخزين وغيرها من الأمور اللوجيستية التي تمثل العمود الفقري عملياً في حياة هذه التنظيمات".
وأضاف: "لم يكتسب (حزب الله) هذه الشهرة الكبيرة كونه أحد أقوى الأذرع الإيرانية إلا لنجاح هذه القيادة، وهنا لا أقصد حسن نصر الله وحده، لكن مجموعة القيادات التي جرى اغتيالها مؤخراً، والتي وضعت إسرائيل نصب أعينها أنها لا يمكنها أن تستطيع أن تهزم الحزب على المستوى العسكري، دون أن تحرمه من مجهودات وخبرات هذه القيادات".
وتابع: "هذه النقطة على وجه التحديد تفسر لنا طبيعة الجهود الاستخباراتية الدقيقة، التي بذلتها إسرائيل من أجل الوصول إلى هذه القيادات، بداية من فؤاد شكر وصولاً إلى حسن نصر الله، وما بينهما من أعضاء المجلس الجهادي الثوري، وكل قيادات الكتائب التي كانت موجودة والتي سبقت فؤاد شكر".
وأشار عكاشة إلى أن "هذه كانت مهمة رئيسية ومحددة من قبل القيادة الإسرائيلية. كان هناك ترتيب سابق على المستوى الزمني بالطبع، كي يمكن للأجهزة الإسرائيلية أن تحدث هذا الاختراق الكبير الذي كان حديث العالم كله خلال الفترة الماضية بعمليات متتابعة، ولم تأخذ قرار الدخول الكامل بإيذاء وإيلام البعد العسكري لجماعة (حزب الله)، إلا بعد أن تمكنت من أن تحرم حسن نصر الله خلال الأسبوعين الماضيين، من هذه المجموعة التي نتحدث عنها، وهي مجموعة الصندوق الأسود والصندوق العملياتي إذا جاز التعبير".
ولفت إلى أن "إسرائيل على المدى القصير تدرك تماماً، وتقرأ كافة الأسئلة المطروحة داخل صفوف (حزب الله)، بل وداخل أيضاً غرف العمليات الإيرانية التي أصبحت الآن موجه لها العديد من المهام العاجلة بعد سقوط حسن نصر الله".
واعتبر عكاشة أن القراءة الإسرائيلية تحتم عليها أن تحرم "حزب الله" من التقاط الأنفاس، وستمضي بقوة وسرعة وبشكل مفتوح إلى أن تستغل هذا النوع من الزخم والنجاح العسكري الذي تحقق، وتوج بالوصول إلى الأمين العام".
ورأى أن الأسبوع الأخير من عمر الاستهداف الإسرائيلي إلى لبنان يحمل العديد من النجاحات المتتالية، وأن إسرائيل لا تريد أن تتراجع في هذه اللحظة، ولا يهمها على الإطلاق أن تعيد النظر في مسألة التوجه إلى هدنة أو غيرها من الأمور التي ربما تشغلها عن تحقيق هدف ترى أن فرصته أصبحت سانحة عن أي فترة زمنية سابقة، في توجيه ضربة مؤلمة للإمكانات العسكرية لـ "حزب الله".
وقال عكاشة: "الآن أصبح أمام إسرائيل فرصة أخرى يمكن أن تستهدف من خلالها المستوى السياسي، والمستوى التنظيمي للحزب.. لن تستغني إسرائيل وفق كافة المؤشرات والتوقعات، عن تحقيق هذه الأهداف بأقصى سرعة ممكنة، ما يفسر أيضاً مجموعة من التحركات الميدانية التي تابعناها خلال اليومين الماضيين بدفع عدد كبير جداً من التعزيزات على الجبهة الشمالية".
إعادة ترتيب حزب الله
وعن الوقت الذي قد يحتاجه حزب الله لإعادة ترتيب مسائل الخلافة والقيادة والبيت الداخلي، أعرب الأستاذ الزائر بالأكاديمية العسكرية الملكية في بروكسل سيد غنيم عن اعتقاده بأن "ما حدث من شل وإرباك لن يؤثر كثيراً على نقل السلطة لمن هو بعده (حسن نصر الله)، والذي هو محتسب من قبل بالتأكيد. وهذا الأمر ليس بجديد، من سيكون بعده سواء هاشم (صفي الدين رئيس المجلس التنفيذي للجماعة) أو نعيم (قاسم نائب الأمين العام للجماعة)، أو غيرها، إلا أن المشكلة الأساسية ستكون في استعادة قوة الحزب إذا كان سيستطيع ذلك".
وأشار، في حديث لـ"الشرق"، إلى أن كل تركيز الجانب الإسرائيلي على عدم إعطاء الحزب أي فرصة لاستعادة وضعه حتى لرد الفعل، أو حتى للتفكير كيف يرد على الضربات المتتالية"، متوقعاً أنه "بعد ضرب مركز القيادة لحزب الله، وظهور أسماء من تم القضاء عليهم في الضربة، سيزيد هذا العدد بأسماء أخرى تتوارد مع الوقت".
الاختراق الأمني
من جانبه، قال رئيس تحرير موقع "الجنوبية" علي الأمين إنه فيما يتعلق بترتيب البيت الداخلي، حزب الله من المفترض لديه خطط بديلة بالتأكيد وتعرض لضربات قوية"، معتبراً أن الوصول إلى الأمين العام يكفي لإعطاء مؤشر على ما تعرض له الحزب سواء على مستوى الاتصالات، أو على مستوى الاختراق الأمني، والانكشاف الأمني. كل ذلك لا شك يحدث إرباكاً، فضلاً عن عمليات الاغتيال المستمرة".
وأضاف: "يبدو أنه هناك معلومات قالت إنه جرى تكليف نائب الأمين العام نعيم قاسم بمهام الأمين العام، فمن الطبيعي أن يتولى المسؤولية. هذا بالضرورة في رأيي أمر مؤقت، بمعنى أمر إداري مؤقت بمعنى أنه الآن ليس هناك قرار من سينتخب".
وتابع: "هاشم صفي الدين من الأسماء المرشحة، لكن بتقديري مسألة الأمين العام الفعلي بعد الحرب، لن تكون خلال هذه الحرب، بل وسيحددها ما ستؤول إليه هذه الحرب، وما سيؤول إليه مستقبل حزب الله في المرحلة المقبلة".
ورداً على سؤال إذا ما كانت إيران ستلعب دوراً في اختيار المرشح لخلافة نصر الله، قال الأمين: "بالتأكيد دور إيران في هذه المسألة محوري وأساسي، ولا نتوقع اختيار الأمين العام لحزب الله ضمن آليات داخلية فقط، أو دينامية داخل الحزب. إيران لها دور أساسي، هي من تزكي الشخصية التي يجب أن تكون أميناً عاماً".
وتابع: "انطلاقاً من الصورة التي نعرفها عن حزب الله والبنية والتركيبة والأيديولوجيا التي يؤمن بها، فبالتأكيد لولي الفقيه إن جاز التعبير دور في مسألة الموافقة أو التسمية وما إلى ذلك.. لكن الرأي الإيراني أساسي وجوهري لا يمكن تجاوزه".
مرحلة الهيمنة الإيرانية
واعتبر الصحافي اللبناني في صحيفة "إندبندنت" عربية طوني بولس أن ما حدث مفصل تاريخي لم يشهده تاريخ لبنان مسبقاً، ويمكن مقارنته باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عام 2005، أو الرئيس اللبناني السابق بشير جميل عام 1982.
وقال لـ"الشرق" إن "هذه الاغتيالات كان لها تغيير استراتيجي في البلاد، وأخذتها إلى مناطق معينة"، مشيراً إلى أن اغتيال الرئيس السابق بشير جميل أخذ البلاد نحو سيطرة النظام السوري على لبنان، الذي استمر إلى ما بعد اتفاق الطائف وصولاً إلى مرحلة حكم رئيس الوزراء رفيق الحريري".
وتابع بولس: "وعند اغتيال رفيق الحريري كان العصر الإيراني وهيمنة (حزب الله) وإيران عبره على الدولة اللبنانية، فكان لبنان طيلة تلك المرحلة منذ عام 2005 إلى الآن تحت الهيمنة الإيرانية".