قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، السبت، إن بلاده تؤكد على ضرورة الحفاظ على استقرار لبنان، واحترام سيادته، بما يتوافق مع القانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن، وذلك خلال إلقائه كلمة المملكة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ79.
وأضاف الأمير فيصل بن فرحان: "السعودية تنضم إلى الجهود الدولية الهادفة إلى ترسيخ وقف فوري لإطلاق النار في لبنان، بما يتيح المجال للتوصل إلى تسوية دبلوماسية مستدامة، كما ندعو جميع الأطراف للتحلي بالحكمة وأقصى درجات ضبط النفس لتجنيب المنطقة وشعوبها مخاطر الحروب ومآسيها".
وأوضح أن غياب المساءلة والعقاب، رغم استمرار الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، يشجع إسرائيل على التصعيد، محذراً من أن التصعيد لن يحقق الأمن والاستقرار لأي طرف، وينذر بعواقب خطيرة، وتوسيع رقعة العنف والحروب، والمزيد من التهديد لأمن المنطقة واستقرارها.
"خطوات نحو التهدئة والتنمية"
وذكر وزير الخارجية السعودي أن المملكة اتخذت خطوات نحو التهدئة والتنمية على الصعيد الإقليمي، إذ تم الاتفاق مع إيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين على أساس احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، واحترام ميثاقي الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، بما ينعكس إيجاباً على ترسيخ الأمن والاستقرار، ودفع عجلة التنمية.
وأضاف: "نتطلع إلى تعاونها (إيران) مع المجتمع الدولي فيما يخص البرنامج النووي والصواريخ الباليستية"، مشيراً إلى أن المملكة حريصة على الوصول إلى عالم خالٍ من الأسلحة النووية، وشرق أوسط مستقر.
وزاد: "ومن هذا المنطلق تشدد المملكة على ضرورة التزام جميع الدول بالمحافظة على منظومة منع الانتشار، مع الحفاظ على حق الدول في الاستخدام السلمي للطاقة النووية".
التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين
وقال الأمير فيصل بن فرحان إن السعودية تجدد رفضها وإدانتها لجميع الجرائم الإسرائيلية المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، و"ما الجرائم الأخيرة بحق المدنيين العزل في قطاع غزة إلا فصل من فصول معاناة الشعب، على مدار عقود من الزمن".
وأضاف: "أودت الممارسات الإسرائيلية منذ العام الماضي بحياة عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، معظمهم من النساء والأطفال، جراء قصف وقتل وتدمير وتجويع ممنهج، وسط كارثة إنسانية كبرى، تتفاقم يوما بعد يوم".
وأشار وزير الخارجية السعودي إلى أن المملكة انطلاقاً من رفضها القاطع لهذا الواقع، وضرورة التحرك لإنهائه، استضافت القمة العربية والإسلامية المشتركة غير العادية في الرياض في 11 نوفمبر 2023 بحضور قادة دول وحكومات الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وصدرت عن القمة قرارات "تمثل إرادة الشعوب العربية والإسلامية جميعاً، ودعت إلى حقن الدماء وإيصال المساعدات دون قيود، وتحقيق مطالب الشعب الفلسطيني الشقيق المشروعة باستعادة أراضيه المحتلة وإقامة دولته المستقلة"، وفقاً للوكالة.
وأبان بأن السعودية "ترأست اللجنة الوزارية التي كلفتها القمة العربية والإسلامية المشتركة غير العادية بالقيام بزيارات لعدد من الدول؛ من أجل دعوة المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤولياته، ووقف العدوان الإسرائيلي وحماية المدنيين".
وأعرب الأمير فيصل بن فرحان عن ترحيب بلاده بتبني الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10 مايو 2024م، قراراً يتضمن أن دولة فلسطين مؤهلة للعضوية الكاملة في الأمم المتحدة، و"القرار الإيجابي الذي اتخذته كل من النرويج، وإسبانيا، وأيرلندا، وسلوفينيا، وأرمينيا باعترافهم بدولة فلسطين".
ودعا بقية الدول إلى المضي قدماً بالاعتراف الثنائي، وقال: "استشعاراً لمسؤوليتنا المشتركة للتحرك الجاد في سبيل تجسيد الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، فقد أعلنت المملكة مع شركائها أعضاء اللجنة الوزارية العربية - الإسلامية المشتركة، والنرويج، والاتحاد الأوروبي، عن إطلاق التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين، وندعو الجميع إلى الانضمام لهذا التحالف".
مساعدات لفلسطين
وذكر الأمير فيصل بن فرحان في كلمته أن المملكة قدمت أكثر من 5 مليارات دولار أميركي من المساعدات للشعب الفلسطيني، كما قدمت منذ بداية الأزمة في قطاع غزة مساعدات بقيمة 185 مليون دولار من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وتم التوقيع على اتفاقيات مع عدد من المنظمات الأممية والدولية الإنسانية لتنفيذ مشاريع إنسانية، بمبلغ يزيد على 106 ملايين دولار أميركي.
وأكد على أن بلاده سوف تستمر في دعم وكالة "الأونروا" لتمكينها من تقديم خدماتها الإغاثية، وتوفير الغذاء والدواء والاحتياجات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين، حيث بلغ إجمالي الدعم ما يزيد على مليار دولار أميركي.
وأعرب وزير الخارجية السعودي عن ترحيب بلاده "بالرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية بشأن سياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتأكيدها عدم قانونية هذا الوجود، منذ 57 عاماً".
وقال: "تؤكد المملكة ضرورة القيام بخطوات عملية وذات مصداقية للوصول إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، مبني على قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، بما يكفل حق الشعب الفلسطيني الشقيق في إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية".
استئناف العلاقات مع سوريا
وتطرق الأمير فيصل بن فرحان إلى عودة علاقات السعودية السورية، مؤكداً أنها تأتي للتأكيد على أهمية الحفاظ على وحدة سوريا وأمنها واستقرارها وسلامة أراضيها.
وأضاف: "حرصت السعودية منذ مشاركتها في تأسيس هذه المنظمة، على بذل كل جهد ممكن في سبيل ترجمة ميثاق الأمم المتحدة إلى واقع ملموس، عبر ترسيخ احترام القانون الدولي، وحفظ الأمن والسلم الدوليين، ودعم قنوات العمل الدولي متعدد الأطراف في جميع المجالات".
وأشار وزير الخارجية السعودي إلى أن بلاده شاركت بفاعلية في صياغة ميثاق المستقبل الذي اعتمده قادة العالم هذا الأسبوع، حيث تعد المملكة "الميثاق" و "قمة المستقبل" فرصة لإعادة تأكيد المبادئ المشتركة، وتعزيز التعاون لمواجهة التحديات، وتحقيق الأمن والسلم، ودعم التنمية المستدامة للأجيال القادمة، وتحرص المملكة على تفعيل دور المؤسسات المالية الدولية لضمان استمرار التعافي الاقتصادي والحد من المخاطر، وفقاً للوكالة.
اليمن والسودان
وأكد الأمير فيصل بن فرحان في كلمته أن "المملكة حريصة على عودة السلام إلى اليمن، إذ تدعم جميع الجهود الرامية إلى حل الأزمة ورفع المعاناة الإنسانية عن الشعب"، داعياً إلى التحلي بالحكمة وتجنب التصعيد، في ظل ما تشهده منطقة البحر الأحمر من توترات تمس أمن وسلامة ممرات الملاحة الدولية والتجارة العالمية.
وفي الشأن السوداني، أكد وزير الخارجية السعودي على أن بلاده تحرص على "أمن السودان وسلامته واستقراره، وتماسك مؤسساته، بالإضافة إلى مساندته في مواجهة تطورات وتداعيات الأزمة الحالية، إذ استضافت محادثات السلام السودانية في محافظة جدة، ويجري العمل على استئناف محادثات جدة 3 لهذا الغرض".
ولفت إلى أن المملكة حريصة على أنه لا يمكن أن تعيش أفغانستان بمعزل عن محيطها الإقليمي والدولي، خاصة في ظل الخطر الذي يشكله بقاء الجماعات الإرهابية على أراضيها، مشدداً على أهمية الحد من تدهور الأوضاع الإنسانية والأمنية والاقتصادية.
وفيما يخص الأزمة الروسية - الأوكرانية؛ أكد الأمير فيصل بن فرحان في كلمته أن بلاده مستعدة للاستمرار في بذل جهود الوساطة بين طرفي الأزمة، مجدداً دعوة بلاده إلى إنهاء الأزمة، والحد من آثارها وانعكاساتها السلبية على أمن العالم واستقراره، مبيناً أن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بذل مساعيه للإفراج عن عدد من الأسرى من جنسيات مختلفة.