تعهد الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، مارك روته، الثلاثاء، بمواجهة كافة التحديات المستقبلية بما فيها الحرب في أوكرانيا، مشدداً على أن الحلف العسكري "يجب أن يفي بالوعود التي قطعها لكييف لمساعدة البلاد في حربها ضد روسيا، وضمان عضويتها"، بينما لم تتوقع الرئاسة الروسية "الكرملين"، أي تغيير كبير في سياسة الناتو.
وأضاف روته في أول خطاب له بعد تنصيبه خلفاً للأمين العام المنتهية ولايته، ينس ستولتنبرج، خلال مؤتمر صحافي في بروكسل، أن الصراع في أوكرانيا "لا يقتصر على الخطوط الأمامية"، داعياً الأعضاء إلى إنفاق المزيد على الدفاع للحفاظ على قوة الناتو.
وشدد على التزامه بالدعم الموعود لأوكرانيا، بما في ذلك الطريق إلى عضوية حلف شمال الأطلسي، وقال إنه "يتعين علينا أن نستمر في بناء الشراكات خارج التحالف".
في المقابل، قالت الرئاسة الروسية في أول تعليق لها على خطاب روتهـ إنها لا تتوقع أي تغيير كبير في سياسة الأمين العام الجديد للناتو.
وقبل بضع سنوات فقط، كان الحلف العسكري يترنّح بعد أن انتقده دونالد ترمب، ووصفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه "ميت دماغياً"، والآن، بعد أن توسع لمواجهة التهديد من روسيا، أصبح التحدي المتمثل في الحفاظ على تحالف الحرب الباردة كقوة جيوسياسية في أيدي الهولندي مارك روته.
وإذا فاز ترمب بالانتخابات الأميركية في نوفمبر، فسيكون الدعم عبر الأطلسي، موضع شك، مما يشكل تهديداً وجودياً للتحالف الذي تأسس في عام 1949، وفق "بلومبرغ". وهذا من شأنه أن يزعزع استقرار بنية الأمن في أوروبا مع دخول حرب روسيا في أوكرانيا عامها الثالث، واعتماد كييف على تدفق ثابت من المساعدات العسكرية والمالية للدفاع عنها.
وقال روته، الثلاثاء، إنه غير قلق بشأن نتيجة الانتخابات الأميركية، سواء كان ترمب أو نائبة الرئيس كامالا هاريس. وقال للصحافيين قبل حفل التسليم "سأكون قادراً على العمل مع كليهما".
وسيتعين على روته أيضاً، التعامل مع الضغوط من بعض أعضاء الحلف، لتكريس المزيد من الاهتمام لمكافحة الإرهاب وتعزيز الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي- مع الحفاظ على الإنفاق الدفاعي مرتفعاً بما يكفي للحفاظ على ردع موثوق، وخاصة مع الميزانيات الضيقة في دول مثل ألمانيا.
ويمثل روته البالغ من العمر 57 عاماً، أحد القوى الدافعة في أوروبا وراء الدعم العسكري الأوروبي لأوكرانيا منذ انطلاق الغزو الروسي في عام 2022، معتبراً في تصريحات سابقة أن "هزيمة موسكو في ساحة المعركة أمر حيوي لتأمين السلام في أوروبا".
العلاقات مع ترمب
وقضى رئيس الوزراء الهولندي السابق، 14 عاماً في إدارة الحكومة الهولندية، ويتمتع بشبكة علاقات عميقة ونافذة في بروكسل يمكن الاعتماد عليها، حسبما اعتبرت "بلومبرغ".
وقال كاميل جراند، المحلل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ومسؤول كبير سابق في حلف شمال الأطلسي: "إنه (روته) يعرف الاتحاد الأوروبي وجميع قادته عن ظهر قلب. وقد تعامل مع ترمب". وأضاف: "من الناحية السياسية، سيبدأ العمل على الفور".
وستكون العلاقات مع ترمب، حال فوزه بالانتخابات الأميركية، أحد أبرز تحديات ولاية روته الجديدة. وخلال ولاية الرئيس الأميركي السابق حافظ روته على علاقات جيدة معه، على عكس العديد من القادة الأوروبيين الآخرين. وقال أشخاص مقربون من الأمر، طلبوا عدم كشف هوياتهم أثناء مناقشة المناقشات الخاصة، إن "السر كان التخطيط والإعداد الدقيق".
وخلال قمة متوترة في عام 2018 عندما هدد ترمب بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي، ما لم تعزز الدول الأوروبية الإنفاق العسكري، تمكن روته من تخفيف التوترات من خلال الادعاء بأن الحلفاء الأوروبيين كانوا بالفعل يدرسون خيارات ترمب.
ومنذ ذلك الحين، لم يتخل روته عن هذا الخط، إذ قال في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ" في يناير الماضي، إن ترمب كان محقاً في الشكوى من عجز أوروبا في الإنفاق الدفاعي. وعندما سُئل عن ولاية ثانية محتملة لترمب، أضاف: "يتعين علينا أن نرقص مع أي شخص على حلبة الرقص".
كان الأمر كذلك في مؤتمر ميونخ للأمن في وقت سابق من العام الجاري، عندما حث الأوروبيين على "التوقف عن التذمر" بشأن عودة ترمب.
وأشاد روته مرة الأخرى بترمب، الثلاثاء، لضغطه على التحالف بشأن الإنفاق الدفاعي والتركيز بشكل أكبر على الصين. وقال روته: "أعتقد أنه كان على حق". ومع ذلك، قد يتغير موقفه مع ترمب، خاصة أن روته مدين بموقفه إلى حد كبير لجو بايدن، الذي خاض معارك كبيرة لإقناع الهولندي بتولي قيادة الناتو.
وقد تشكل حرب أوكرانيا نقطة خلاف أكثر صعوبة مع ترمب، الذي ينتقد علناً المساعدات المقدمة لكييف، فيما روته مؤيد قوي. وينبع هذا الموقف جزئياً من استجابته العاطفية لإسقاط رحلة الخطوط الجوية الماليزية رقم 17 في عام 2014، والتي كانت سبباً في وفاة ما يقرب من 200 مواطن هولندي، وألقي باللوم فيها على روسيا.
"برجماتية هولندية"
وعلى الرغم من هذه القناعة، لم تقدم هولندا الكثير من المساعدات مثل بعض أقرانها الأوروبيين الآخرين، إذ احتلت المرتبة التاسعة من حيث الدعم المقدم إلى كييف كنسبة مئوية من الاقتصاد الوطني. كما تجاوزت هولندا عتبة الناتو لإنفاق 2% على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع هذا العام. جزء من ذلك يرجع إلى التعقيدات في ائتلافه المجزأ.
وعلى الرغم من كونه محاصراً محلياً، لا يزال روته شخصية رئيسية على الساحة الدولية، إذ كان له دور فعال في إقناع الولايات المتحدة بالحاجة إلى إرسال طائرات F-16 لدعم الدفاع الأوكراني. تخطط هولندا نفسها لنقل 24 من الطائرات المقاتلة النفاثة إلى كييف، بالإضافة إلى توفير 18 طائرة للتدريب.
خلال فترة ولايته الطويلة في قيادة هولندا، اكتسب شعبية من خلال تجسيد البراجماتية الهولندية والاقتصاد، ورفض المناصب العليا. اشتهر بركوب الدراجات أو قيادة سيارة "ساب" مستعملة في لاهاي، وكان معروفاً بدفع ثمن قهوته بنفسه وعدم طلب تعويض عن التكاليف التي تكبدها في الخدمة.
كما قام بالتدريس في مدرسة ثانوية في مسقط رأسه طوال فترة رئاسته للوزراء، وكان معروفاً بحضوره لدروسه الأسبوعية حتى بعد انهيار حكومته في عام 2023.
وقال أشخاص مطلعون على الأمر، إن هذا السلوك انتقل إلى حلف شمال الأطلسي، حيث رفض الخدمات الأمنية المعتادة الممنوحة للأمناء العامين.
لم تكن وظيفة حلف شمال الأطلسي خياره الأول بعد ترك السياسة الهولندية. كان قد وضع نصب عينيه في البداية قيادة المفوضية الأوروبية، لكنه اضطر إلى التراجع بعد أن اتضح أن أورسولا فون دير لاين كانت على وشك تولي ولاية ثانية، وفق "بلومبرغ".
خلال فترة ولاية ستولتنبرج التي استمرت 10 سنوات، انضمت الدول المحايدة السابقة فنلندا والسويد بعد غزو أوكرانيا بعد الجبل الأسود ومقدونيا الشمالية كأعضاء جدد. كما أن هناك المزيد من الإنفاق على الدفاع من قبل الحلفاء والوصول إلى 500 ألف جندي جاهز للقتال. وهذا يوفر نقطة انطلاق قوية لروت للتنقل بين المخاطر القادمة.
وقالت أوانا لونجيسكو، المحللة في مؤسسة الأبحاث RUSI ومقرها لندن والمتحدثة السابقة باسم الناتو: "لقد شهدت السنوات العشر الماضية تحولاً جوهرياً في حلف شمال الأطلسي. لديه أقوى خطط دفاعية منذ الحرب الباردة".