أعلن مسؤول بالوفد المفاوض في قوات "الدعم السريع"، وقف التفاوض مع الحكومة السودانية، في الوقت الذي يواصل الجيش السوداني هجومه لاستعادة السيطرة على أراضٍ بالعاصمة الخرطوم.
وأكد محمد المختار المتحدث باسم الوفد المفاوض في قوات الدعم السريع "لـ"الشرق" صحة مقطع مصوّر له، أعلن فيه "وقف التفاوض" مع وفد الحكومة.
وقال المختار إن دعوات السلام تقديراً لمعاناة الشعب السوداني "ذهبت أدراج الرياح"، وطالما أن الطرف الآخر لا يرغب سوى في الحرب، فإن "طبولها دقت الآن، ولن يتم التفاوض مع الفلول والحركة الإسلامية وأبواقها"، على حدّ قوله.
يأتي هذا التطوّر بعد أيام من قصف مدفعي وجوي، شنه الجيش السوداني في العاصمة الخرطوم، حسب ما أفادت مصادر لـ"الشرق"، في إطار ما قد يكون أكبر عملية له لاستعادة الأراضي هناك منذ بداية الحرب المستمرة منذ 17 شهراً مع قوات "الدعم السريع".
واعتبر مراقبون أن هذه التصريحات تمثل "تراجعاً" من قبل قوات "الدعم السريع" عن تعهدات سابقة بالمضي قدماً في عملية سلام تفضي إلى إنهاء الحرب، لافتين إلى أنها تتزامن مع تصعيد كبير في الخرطوم، يجري منذ أيام.
ولفت هؤلاء المراقبين إلى أن التصعيد العسكري والكلامي يعنيان أن التفاوض يواجه عقبات كبيرة، وأن المحصلّة، استمرار القتال بضراوة، غالباً، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية، وانشغال إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالشؤون الداخلية.
وأعلنت الخارجية الأميركية عن جولة إفريقية تبدأ في سبتمبر الماضي وتشمل نيروبي وأديس أبابا، يجريها المبعوث الخاص إلى السودان، توم بيريلو، يلتقي خلالها مسؤولين في الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا "إيقاد"، والاتحاد الإفريقي علاوة على قادة من المجتمع المدني السوداني، في محاولة لإنعاش المفاوضات.
وتأتي هذه الجولة بعد اجتماع عقده قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، في نيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، مع مسؤولين أميركيين، بينهم بيريلو، وتم التكتم عليه، فيما علمت "الشرق" أن هذا الأخير سيزور بورتسودان، في أكتوبر.
لكن شكوكاً كبيرة تحيط بقدرة الأميركيين على إحداث اختراق في الوقت الراهن مع إعلان كل من الجيش و"الدعم السريع" نيتهما في "حسم عسكري".
وتعثرت جهود دبلوماسية تقودها الولايات المتحدة ورفض الجيش حضور محادثات الشهر الماضي في سويسرا.
"تقدم" الجيش بالخرطوم
وعلى نحوٍ مباغت، وفي حين كانت الأنظار كلها مصوّبة تجاه معركة مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور المستعرة منذ أشهر، فاجأ الجيش السوداني، قوات "الدعم السريع"، بهجوم متزامن وواسع، شنته قوات برية، مسنودة بالطيران الحربي والمسيّرات والمدفعية، الخميس الماضي، في العاصمة السودانية الخرطوم، التي تسيطر قوات الدعم السريع على أجزاء واسعة منها
وأفاد شهود بوقوع قصف عنيف واشتباكات، عندما حاولت قوات من الجيش عبور جسور فوق نهر النيل تربط المدن الثلاث المتجاورة التي تشكل منطقة العاصمة الكبرى، وهي: الخرطوم وأم درمان وبحري.
وقالت مصادر إن قوات الجيش عبرت جسوراً في الخرطوم وبحري، بينما قالت قوات الدعم السريع لوكالة "رويترز" إنها أحبطت محاولة الجيش عبور جسرين إلى الخرطوم.
واستعاد الجيش بعض الأراضي في أم درمان في وقت سابق من هذا العام، لكنه يعتمد في الغالب على المدفعية والغارات الجوية، ولم يتمكن من طرد قوات "الدعم السريع" الأكثر انتشاراً على الأرض من مناطق أخرى من العاصمة.
وتتحدث مصادر قريبة من الجيش عن "تقدم" أحرزه على كافة الجبهات، مستغلاً عامل المباغتة، مؤكدةً أن الوحدات المتقدمة تمكنت من السيطرة على مواقع مهمة كانت تحت سيطرة "الدعم السريع"، خاصة في محيط وسط العاصمة السودانية.
واعتبر الصحافي والمحلل السياسي، عبد الماجد عبد الحميد، في منشور له على "فيسبوك"، أن الهجوم المباغت للجيش على موقع "استراتيجية" وسط الخرطوم، الأحد الماضي، يمثل "علامة فارقة" في سير العمليات الهجومية في وسط وجنوب الخرطوم، مشيراً إلى أن "الميليشيا" تقطعت أوصالها، وباتت عاجزة عن تأمين خطوط إمدادها على هذه الجبهة، جازماً بأن المعارك في مقبل الأيام لن تكون سهلة.
الخرطوم.. 7 محاور مشتعلة
واعتبر الخبير الاستراتيجي، العميد متقاعد عامر حسن عباس، أن الوضع العسكري إجمالاً هو "تحول هجومي" للقوات المسلحة السودانية في أغلب المحاور بالتزامن مع دفاع من الدعم السريع، على حد قوله، داخل وخارج ولاية الخرطوم.
وأوضح عباس في حديث لـ"الشرق"، أن ولاية الخرطوم "تشتمل على 7 محاور، هي: المدرعات التي توسع دفاعها بالهجوم، ومحور منطقة أم درمان الذي نجح في استلام الضفة الشرقية للنيل الأبيض عبر جسر القوات المسلحة وجسر الإنقاذ، ومحور القيادة العامة التي توسع دفاعها بالضغط على العدو تجاه وسط الخرطوم لتشتيت القوة المدافعة من (التمرد) هناك بالتزامن مع هجوم أم درمان".
وأضاف: "ثم محور كرري، الذي اندفع تجاه شرق النيل عبر جسر الحلفايا، والتحم مع محور (الكدرو) و(حطاب) ويعمل علي (نظافة) شمال الخرطوم بحري، بالتزامن مع محور منطقة بحري العسكرية المنطلق من مقر سلاح (الإشارة)، الذي يوسع دفاعاته شمالاً، ويضغط على (العدو) مع محور القوات في شمال الخرطوم بحري، أما المحور الأخير فهو محور شندي في ولاية نهر النيل، شمال السودان، الذي (نظف) جزءاً كبيراً من منطقتي (قرِّي)، و(حجر العسل)، ويستهدف تطويق (مصفاة الجيلي) للحيلولة دون تحريك قوات الدعم السريع لنجدة وحداتها في الخرطوم بحري".
وأشار الخبير الاستراتيجي إلى أن "الجيش يملك ميزات نوعية أولّها إحكامه السيطرة الجوية تماماً"، غير أنه لفت إلى صعوبة القتال بالنسبة للقوات المهاجمة، في إشارة للجيش، وسط الأبنية، متوقعاً أن تستغرق العمليات العسكرية "بعض الوقت وخسارة في الأرواح، نتيجة لانتشار القناصة على أسطح البنايات".
وتوقع أن التجهيزات التي استغرقت وقتاً طويلاً لهذه المعركة، وقطع خطوط إمداد الدعم السريع، سيمكنّان الجيش من "التركيز على مدى القدرة علي تحييد وضرب أكبر قدر من القوات والعتاد".
ورجح العميد متقاعد عباس أن "نجاح القوات المسلحة في السيطرة على الخرطوم بحري باعتبارها أولوية، سيفك الحصار علي القيادة العامة للجيش وسط العاصمة و"يمكّن من استعادة السيطرة" على هذه المنطقة الحيوية، وهذا سيعني في حال حدوثه "انهيار الميليشيا الشامل في وسط السودان، في ولايات كردفان والجزيرة وسنار"، لكن القتال في دارفور، سيكون أكثر ضراوة لـ"حساسية الحواضن ومخافة الهزيمة، وقد تبرز مبادرات داخلية للسلام لاحقاً علي أساس تأمين الحواضن مقابل الانسحاب من الدعم السريع".
عمليات "كر وفر"
وعلى النقيض من ذلك، قال عضو المجلس الاستشاري لقائد قوات "الدعم السريع"، أيوب نهار، لـ"الشرق"، إن الحديث عن انتصارات للجيش في الخرطوم "كلام قائم على الأوهام"، مؤكداً أن قواته منتشرة في كل مواقعها بالعاصمة السودانية، بل وألحقت "خسائر كبيرة" بالقوات التي حاولت الهجوم عليها.
وأضاف أن المحاور السبعة، التي يجري الحديث عنها لم يحرز أي تقدم استراتيجي فيها على يد القوات المسلحة السودانية، و"ميليشيات الحركة الإسلامية".
وأضاف أن محور "الكدرو - الحلفايا" في شمال الخرطوم بحري، على سبيل المثال، كان الجيش متواجداً فيه بالأساس، وأن ما يحدث حالياً هو "عمليات كر وفر" فحسب، مشيراً إلى أن الجيش تم "كسر شوكته، ولحقت به خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد".
واتهم نهار الجيش وحلفاءه بـ"إعدام" شبان في الخرطوم بحري "على أسس عرقية وإثنية" بالتزامن مع "انتهاكات أخرى في دارفور برمي البراميل المتفجرة على السكان هناك، ما سيجر لاحقاً إلى حرب أهلية شاملة"، على حد تعبيره.
وأشار نهار إلى أن قواته في الخرطوم "لن تنهار، وهي تسيطر على 75% من السودان، وتضيّق الخناق على الفاشر".
توقعات بـ"انهيار" الدعم السريع
من جانبه، توقع رئيس تحرير صحيفة "التيار" السودانية، عثمان ميرغني، "انهيار" قوات "الدعم السريع" في الخرطوم. وقال لـ "الشرق"، إن الهزائم التي مُنيت بها هذه القوات في الفاشر، وتقدم الجيش وحلفاءه في القوات المشتركة باتجاه الجنينة في غرب دارفور، سمح بتقدّم الجيش في الخرطوم.
وحذر ميرغني من أي حديث عن مواجهات على "أسس عرقية وإثنية"، معتبراً أن خطاباً كهذا "في غاية الخطورة".
من جانبه، قال المحلل السياسي، الطاهر ساتي لـ "الشرق"، إن الجيش عمد لتغيير استراتيجيته منذ فترة من الدفاع إلى الهجوم، بعد تأكده من القضاء على "القوة الصلبة" لقوات "الدعم السريع".
وأضاف أن القوات المسلحة امتصت هجمات "الدعم السريع" على المواقع الاستراتيجية في حامياته العسكرية، معتبراً أن ما يجري حالياً "مرحلة أخيرة" في الهجوم والمواجهة المباشرة.
ولفت إلى أهمية ما حققه الجيش من السيطرة على عدد من الجسور الحيوية في العاصمة السودانية، ما يجعل الطرف الآخر عبارة عن "جزر معزولة".
وكثّف عسكريون ومؤيدون لقوات "الدعم السريع" من نشر مقاطع على منصات التواصل الاجتماعي، يقولون إنها لقواتهم، وهي تكبّد "العدو" على حد وصفهم، هزائم كبيرة في محور مصفاة الجيلي، شمال الخرطوم، وفي الخرطوم بحري، وفي وسط الخرطوم، مؤكدين أن وحداتهم في الخرطوم "جاهزة لصدّ أي هجوم".
شح معلوماتي
غير أن الخبير الاستراتيجي، اللواء متقاعد أسامة محمد أحمد، قال إن المعلومات الدقيقة عن معركة الخرطوم شحيحة جداً، باستثناء ما ينشر على منصات التواصل الاجتماعي، وهذا لا يمكن الاعتماد عليه بشكل قاطع في استقاء المعلومات.
وأوضح لـ"الشرق"، أن الوضع العسكري يتشكل حالياً بشكل جديد، وأن المعركة لم تحسم حتى اللحظة، لافتاً إلى أن "الجيش يملك ميزة كبيرة بالمحافظة طوال الأشهر الماضية على قواته، مكتفياً بمهاجمة "الدعم السريع" بالمدفعية وتجنب وقوع خسائر في صفوفه، على عكس القوات الأخرى، التي تعاني نقصاً في الإمداد، وتواجه هجوماً متزامناً في جبهات عدة".
وأشار إلى أنه من المبكر التكهن بالنتيجة النهائية، خاصة مع استعصاء منطقة "شرق النيل"، شرق العاصمة، حيث تنتشر وحدات "الدعم السريع" بشكل كبير.
وأضاف أن انتصار الجيش في هذه المعركة سيشكل دفعاً كبيراً لروحه المعنوية، فيما سيؤثر سلباً على "الدعم السريع.
الخرطوم.. "الجائزة الكبرى"
ومنذ سيطرة الجيش على منطقة وسط أم درمان، قبل نحو 4 أشهر، لم تجرِ عمليات عسكرية كبيرة في العاصمة المؤلفة من 3 مدن، هي الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان، حيث بقي الجيش مسيطراً على القيادة العامة والقسم الشمالي من مطار الخرطوم، وعلى مواقع في مقر سلاح المدرعات ومنطقة الشجرة العسكرية، جنوب المدينة، ومقر سلاح الإشارة جنوب الخرطوم بحري، ومواقع في شمال المدينة من بينها معسكّر حطّاب، وعلى منطقة كرري العسكرية في شمال أم درمان ومقر سلاح المهندسين والسلاح الطبي، جنوب أم درمان، قبل أن ينفتح في المدينة، ويسيطر على وسطها وصولاً إلى بعض أحيائها الغربية.
وسيطرت قوات "الدعم السريع"، منذ الأيام الأولى للقتال، على مواقع استراتيجية وسط الخرطوم، وبينها أبرز المقار السيادية والحكومية، علاوة على الجزء الجنوبي من مطار الخرطوم، وأحياء وسط وغرب وجنوب وشرق الخرطوم، وكذا شرق النيل والخرطوم بحري، فيما تراجعت في أم درمان إلى غرب المدينة وجنوبها، بعد خسارتها مواقعها وسط المدينة.
على أن "الدعم السريع"، ما زالت تسيطر على جانبي جسري شرق النيل وسوبا الرابطين بين الخرطوم وشرق النيل، علاوة على جسر "المك نمر" الرابط بين الخرطوم والخرطوم بحري وكذا جسر كوبر بين المدينتين، فيما يسيطر الجيش على جسر ثالث، بين الجسرين، يربط المدينتين كما يصل بين محيط القيادة العامة في الخرطوم ومحيط سلاح الإشارة في الخرطوم بحري.
وقالت مصادر الجيش إن قواته المهاجمة تمكنت من بسط سيطرتها على 3 جسور رابطة بين الخرطوم وأم درمان، من الجانبين، وهي "الفتيحاب" و"الحديد" و"الحلفايا"، فيما دُمر جسر "شمبات" جزئياً، قبل أشهر، في عملية تبادل فيها الطرفان الاتهامات بقصف الموقع.
وتمثل هذه الجسور أهمية استراتيجية بالغة بالنسبة للطرفين، حيث إنها تربط الخرطوم بالخرطوم بحري وأم درمان، كما تصل أم درمان بالخرطوم بحري، والسيطرة على أي منها يعني تسهيل إمدادات وحركة طرف، وحرمان الطرف الآخر، فيما تعني السيطرة عليها كلها، إحكام السيطرة على غالب مداخل ومخارج العاصمة السودانية.