بينما تدرس كيفية الرد على الهجوم الصاروخي الأخير من طهران، قد تلجأ إسرائيل إلى نهجها السابق، حينما استغرقت أياماً في المداولات قبل أن تستهدف موقعاً عسكرياً إيرانياً واحداً، حسبما ذكرت، الأربعاء، صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.
وقالت الصحيفة إن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، تواجه اختباراً جديداً في سعيها لتفادي دوامة جديدة من التصعيد، إذ لا يتوقع الكثيرون أن يكون الرد الإسرائيلي محدوداً هذه المرة أيضاً.
وقال جوناثان بانيكوف، وهو ضابط سابق في الاستخبارات الأميركية يعمل حالياً في مؤسسة "المجلس الأطلسي" البحثية في واشنطن، للصحيفة، إن "الولايات المتحدة تفتقر بالفعل إلى النفوذ الدبلوماسي الكافي لفرض وقف لإطلاق النار في غزة ولبنان".
ومع إطلاق إيران لأكثر من 180 صاروخاً باليستياً على إسرائيل، التي تبدو عازمة على تنفيذ رد قوي، يرى بانيكوف أن "التحدي المتمثل في تجنب حرب إقليمية وصل إلى أصعب مراحله منذ 7 أكتوبر 2023".
جهود أميركية للتهدئة
وقالت "وول ستريت جورنال"، إن إدارة بايدن تحاول حتى الآن تهدئة حماسة إسرائيل للرد بـ"قوة شديدة" من خلال التأكيد على أن الهجوم الصاروخي الإيراني أُحبط مجدداً بفضل الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية والأميركية.
وأقر مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، بأن الهجوم الصاروخي الإيراني يمثل "تصعيداً كبيراً"، لكنه شدد على أنه "أُحبط ولم يكن فعالاً على ما يبدو".
وتعهدت إدارة بايدن أيضاً بأن الولايات المتحدة ستضمن أن تواجه إيران "عواقب وخيمة" بغض النظر عن كيفية رد إسرائيل، وهو إجراء لم يحدده المسؤولون الأميركيون بعد، ولكن بعض المحللين قالوا إنه قد يعني تشديد تطبيق العقوبات.
وقالت الصحيفة، إن أياً من ذلك لا يُرَجَّح أن يوقف إسرائيل، وهو ما أكده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الثلاثاء، عندما صرح بأن إيران "ارتكبت خطأً كبيراً" و"ستدفع ثمنه".
وعلى عكس الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير، لا تحتاج إسرائيل إلى القلق من أن يؤدي توجيه ضربة ضد إيران إلى صدام كبير مع "حزب الله" اللبناني، إذ أدى الهجوم الجوي والبري الأخير لإسرائيل ضد الجماعة اللبنانية وقوتها الصاروخية الكبيرة، إلى تقليص قدراتها بشكل كبير، بحسب "وول ستريت جورنال".
وترى الصحيفة أن إسرائيل يجب أن تضع في حسبانها رداً إيرانياً كأحد السيناريوهات المحتملة. وأشارت إلى تأكيد طهران على أن الهجوم الصاروخي الذي شنته الثلاثاء كان انتقاماً لاغتيال حسن نصر الله، زعيم "حزب الله"، وتهديدها بشن "هجمات ساحقة" في حال ردت إسرائيل.
ردود محسوبة
وقال بعض المحللين، إن شن إسرائيل هجوماً على المنشآت النووية أو البنية التحتية النفطية الإيرانية سيرفع من مستوى المخاطر بشكل كبير.
ويمكن أن يؤدي هجوم من هذا النوع، إلى دفع طهران لشن هجوم صاروخي أكبر، أو تنسيق هجمات إرهابية ضد المصالح الإسرائيلية في الخارج، أو زيادة قدرة برنامجها النووي، ما يعجل بامتلاك إيران قنبلة نووية، وفقاً للصحيفة.
وضغط بايدن على نتنياهو بعد الهجوم الذي شنته إيران على إسرائيل بصواريخ ومُسيرات في أبريل الماضي، والذي لم يلحق أي أضرار بإسرائيل، داعياً إياه إلى "تحقيق الانتصار" وتقليص قدرتها على الرد. وبدا أن إسرائيل استجابت لذلك.
ولا يُتوقع أن يكون رد إسرائيل مقيداً هذه المرة، رغم أن بعض المسؤولين السابقين، يتوقعون أن تُظهر إسرائيل بعض التروي في اتخاذ إجراءات عسكرية ضد إيران، بحسب "وول ستريت جورنال".
وقال نورمان رول، وهو مسؤول استخباراتي أميركي سابق، للصحيفة: "إسرائيل ستسعى إلى تعزيز فكرة أن تفوقها التكنولوجي ومهاراتها العسكرية يمكّنها من ضرب أي هدف في إيران".
ومع ذلك، رجح رول، أن تتجنب إسرائيل ضرب الأهداف التي قد تشعل حرباً شاملة مع إيران. وأضاف: "الدخول في حرب مع إيران يتطلب دعماً سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً، إن لم يكن مشاركة من الولايات المتحدة. لا شك أن إسرائيل تدرك أن واشنطن لا مصلحة لها في المشاركة في صراع كهذا".
وفي المقابل، كانت إيران تبحث عن وسيلة للرد على عدوها دون إشعال فتيل "الحرب الإقليمية الشاملة" التي سعت إلى تجنبها على مدى أربعة عقود، وفق "وول ستريت جورنال".
"بوليصة تأمين"
وقالت الصحيفة إن وجود "حزب الله"، المُصنف كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، على حدود إسرائيل، يُنظر إليه على نطاق باعتبارها "بوليصة التأمين الرئيسية" لإيران ضد أي هجوم إسرائيلي على منشآتها النووية أو قيادتها في طهران.
ومع تعرض "حزب الله" لحملة عسكرية إسرائيلية مدمرة، سعت إيران إلى إيجاد وسيلة لإظهار أنها لا تزال جادة في حماية "محور المقاومة" دون استدراج رد فعل قد يهدد أمنها، حسبما قال محللون للصحيفة.
وقال علي فايز، مدير برنامج إيران في مجموعة الأزمات الدولية، للصحيفة: "القيادة الإيرانية تواجه بشكل متزايد خياراً خاسراً في جميع الأحوال: إما أن تشاهد إضعاف حلفاءها ومصالحها بشكل كبير دون أن تفعل شيئاً، أو أن ترد كما فعلت الآن، ما يعرضها لمخاطر محتملة".
وقال والتر بوش، الباحث البارز في أكاديمية الدفاع الوطني في فيينا، للصحيفة، إن طهران ربما اختارت "الاستفزاز المدروس" بدلاً من التراجع، بعد أن شاهدت إسرائيل تضرب "حزب الله".
وأضاف: "في النهاية، توصل صناع القرار في طهران إلى قناعة بأن التروي لن يساعد في تجنب مواجهة أكبر على أي حال".