بعد انقطاع دام 10 سنوات، أجريت انتخابات المجلس التشريعي في إقليم جامو وكشمير، الخاضع للإدارة الهندية، ذات الغالبية المسلمة، والمتنازع عليه مع باكستان منذ عام 1947، وكان سبباً لثلاث حروب خاضها الطرفان لفرض السيادة عليه.
وتُجرى الانتخابات لاختيار ممثلي المجلس التشريعي للإقليم، الواقع في سلسلة جبال الهيمالايا، والذي كان يتمتع بقدر "مُعين" من الحكم الذاتي، بناء على المادة 370 والمادة 35A، في الدستور الهندي، والتي تسمح بأن يكون للإقليم دستوره الخاص، وعلَمِه الخاص، وحرية سن القوانين، باستثناء المالية والدفاع والشؤون الخارجية والاتصالات.
ولكن، في الخامس من أغسطس 2019، ألغت الحكومة الهندية المادة 370، وقسمت ولاية جامو وكشمير إلى إقليمين اتحاديين: جامو وكشمير، وله مع هيئة تشريعية، ومنطقة ولداخ، بدون هيئة تشريعية.
ومنذ ذلك الحين، يخضع الإقليمان الاتحاديان تحت سيطرة الحكومة الهندية الفيدرالية، وتحكمهما نيودلهي مباشرة.
وكانت لجنة الانتخابات الهندية أعلنت أن الاقتراع في جامو وكشمير، والذي أجري على 3 مراحل، سجل إقبالاً إجمالياً للناخبين بنسبة 63.45%، بمعدل أقل بقليل من أكبر نسبة إقبال، والمسجل في انتخابات عام 2014، والذي بلغ آنذاك 65.8%، فيما تتطلع الأنظار إلى النتائج المرتقب إعلانها في 8 أكتوبر.
وأوضحت اللجنة أن المرحلة الثالثة من الانتخابات في الإقليم ذي الغالبية المسلمة والخاضع للإدارة الهندية، والتي عقدت في 1 أكتوبر، شهدت إقبالاً على التصويت بنسبة 68.72%، بينما سجلت المرحلة الثانية نسبة 57.31%، مقابل 61.38% في المرحلة الأولى.
الهند وباكستان
وتعد ولاية جامو وكشمير محل نزاع بين الهند وباكستان، إذ تدعي كل منهما ملكيتها للمنطقة بالكامل، لكنها لا تسيطر إلا على جزء منها.
وخاضت الدولتان النوويتان 3 حروب، بسبب هذا النزاع منذ استقلالهما عن بريطانيا في 1947، على الرغم من أن جميع الأحزاب السياسية المحلية تقريباً في جامو وكشمير تؤيد الحوار والتفاوض مع باكستان، التي زاد التوتر في علاقتها بالهند عقب إلغاء المادة 370 في أغسطس عام 2019، مما أدى إلى توقف المحادثات بشأن كل الأمور تقريباً.
وقال عمران نبي دار، المتحدث باسم الولاية، إن "بيان الولاية شدد على ضرورة الحوار بين الدولتين بشأن كل القضايا الخلافية المتعلقة بجامو وكشمير"، لكن حكومة حزب "بهاراتيا جاناتا"، بقيادة رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، تعارض أي مفاوضات وحوار مع باكستان في هذا الملف.
ألطاف ثاكور، من حزب "بهاراتيا جاناتا"، قال في حديث مع "الشرق": "لن نتحدث مع باكستان حتى تتوقف عن رعاية الإرهاب في جامو وكشمير.. لقد قلنا هذا في الماضي، ونؤكد أن الإرهاب والمحادثات لا يمكن أن يجتمعا معاً".
وبالتالي، تبقى قضية كشمير عقبة رئيسية أمام تطبيع العلاقات بين البلدين، إذ تتهم باكستان، الهند بـ"انتهاك حقوق الإنسان في كشمير"، وتتهم نيودلهي، إسلام آباد بتمويل ما تعتبره الهند "إرهاباً" في كشمير، حتى بات كلا البلدين عالقين في مأزق سياسي، ولا يبدي أي منهما استعداداً للتراجع.
وفي 11 ديسمبر 2023، وفي ظل الحفاظ على الصلاحية الدستورية للنظام الدستوري الذي ألغى المادة 370، أمرت هيئة من 5 قضاة، بأن تُجري لجنة الانتخابات الهندية انتخابات تشريعية في جامو وكشمير قبل 30 سبتمبر 2024.
وتقدم هذه الانتخابات لسكان الولاية فرصة للتعبير عن مخاوفهم، وهو ما عبر عنه، سيد ناصر (30 عاماً)، من بولواما، إذ قال: "كنت أنتظر هذه الانتخابات لعدة سنوات.. أريد أن يكون لدي ممثل اخترته، وليس شخصاً هبط بالمظلة من نيودلهي".
انتخابات مهمة أم غير مهمة؟
تم تقديم مشروع قانون إعادة تنظيم جامو وكشمير لعام 2019، في "راجيا سابها" (المجلس الأعلى للبرلمان الهندي)، من قبل وزير الداخلية، أميت شاه، في 5 أغسطس 2019، وهو اليوم نفسه، الذي تم فيه إلغاء المادة 370، وتم تمرير مشروع القانون في "لوك سابها" (المجلس الأدنى للبرلمان الهندي)، في اليوم التالي 6 أغسطس.
ويمنح قانون إعادة التنظيم لعام 2019 نائب الحاكم، الذي تعيُّنه نيودلهي، السلطة على جميع القضايا الرئيسية، فلا يمكن تقديم أي مشروع قانون أو تعديل أو تحريكه في الجمعية التشريعية، إلا بناءً على توصية نائب الحاكم.
وبالتالي فإن الجمعية التشريعية لجامو وكشمير، والمكونة من 90 عضواً، لن يكون لها اختصاص تشريعي يُذكر، وستكون إدارتها أشبه بالسلطة البلدية.
الأكاديمية الهندية، رادا كومار، والتي كانت ضمن لجنة مٌشكلة من الحكومة الاتحادية، بهدف الحوار مع قادة الأحزاب السياسية في جامو وكشمير، قالت لـ"الشرق" إن "الانتخابات رمزية حيث تضع الحكومة الاتحادية قواعد جديدة تمنح المزيد والمزيد من السلطة لنائب الحاكم.. لقد جعلوا الأمر أشبه بالنكتة حيث سيكون للممثلين المنتخبين سلطة أقل من سلطة نائب الحاكم المعين".
ويثير سكانٌ محليون، تحدثت "الشرق" معهم، تساؤلات بشأن قدرة المجلس المنتخب على تلبية متطلباتهم، فقال خالد حسين، من منطقة كوبوارا، شمال كشمير، مبرراً عدم تصويته في هذه الانتخابات: "لن أضيع صوتي.. لا أهمية لهذه الانتخابات بالنسبة لي".
وعلى الرغم من ذلك، كانت الحملات الانتخابية لانتخابات الجمعية في جامو وكشمير على قدم وساق.
ووعد القادة المحليون، شعب كشمير، باستعادة مجده المفقود، وتحسين الوضع إذا وصلوا إلى السلطة، لكنهم يدركون أيضاً أن هذه الانتخابات ليست سوى بداية من أجل استعادة الناس لمساحة مفقودة.
وفي ذلك قال، وحيد بارا، من حزب "الشعب الديمقراطي"، لـ"الشرق": "نعلم أن المجلس الجديد ستكون له صلاحيات أقل، لكن معركتنا هي خلق مساحة انتزعتها الحكومة المركزية منا في 5 أغسطس.. نريد أن تُسمع أصواتنا على الأقل".
وأضاف بارا: "تم تجريم جميع المساحات الديمقراطية، والدينية، والاجتماعية والنشاط بعد 5 أغسطس 2019. تم اعتقال الصحافيين والناشطين والزعماء السياسيين. نريد أن يكون لدينا أصوات قوية، حتى لو كانت جمعية ضعيفة. هذا عمل من أعمال الحفاظ على الذات بالنسبة لنا".
لكن حزب بهاراتيا جاناتا، الحاكم في البلاد، اتهم أحزاب المعارضة الكشميرية، بنشر الشائعات بشأن امتلاك رئيس الوزراء لصلاحيات أقل من نائب الحاكم.
ألطاف ثاكور، زعيم حزب "بهاراتيا جاناتا"، والمتحدث باسم الحزب في جامو وكشمير، قال في هذا الشأن لـ"الشرق"، إن "مودي ووزير الداخلية (أميت شاه)، وعدا جامو وكشمير أنه بعد انتخابات الجمعية، سيتم ترقية جامو وكشمير من إقليم اتحادي إلى ولاية"، موضحاً أنه "عندما يتم استعادة الدولة، ستنتقل السلطات تلقائياً إلى رئيس الوزراء، ولهذا السبب تكتسب هذه الانتخابات أهمية كبيرة".
مشاركة أم احتجاج سياسي؟
ومن خلال المشاركة الانتخابية في مراحل هذا الاستحقاق، في الإقليم، شكّلت نهاية لاتجاه مقاطعة الانتخابات، بعدما استمر لما يقرب من 3 عقود، حيث شارك الناخبون بأعداد كبيرة، إذ سُجِّلت نسبة إقبال عالية على التصويت.
كما يخوض أعضاء "الجماعة الإسلامية" المحظورة، الذين دعوا إلى مقاطعة الانتخابات حتى الانتخابات الماضية، كمرشحين مستقلين. ويزعم حزب "بهارتيا جاناتا" القومي الهندوسي، بزعامة مودي، أن نسبة الإقبال العالية على التصويت تبرر قرار الحزب بإلغاء المادة 370.
وأوضح ثاكور، لـ"الشرق"، أن "الأشخاص الذين كانوا ليقاطعوا الانتخابات إما يخوضون الانتخابات، أو يشاركون فيها. ولم يكن هذا ممكناً إلا عندما ألغينا المادة 370، وجلبنا السلام والتنمية إلى المنطقة".
وقال وزير الداخلية الاتحادي، أميت شاه، بعد المرحلة الأولى من التصويت في 18 سبتمبر، عبر منصة "إكس": "أجرت جامو وكشمير -حيث كانت الانتخابات ذات يوم تتسم بالخوف والعنف- المرحلة الأولى من انتخابات الجمعية بسلام.. بلغت نسبة المشاركة في التصويت 61.11%، وهو ما يدل على ثقة الشعب القوية في الديمقراطية والسلام والتقدم".
ومع ذلك، يعتقد خبراء سياسيون أن نسبة المشاركة العالية في التصويت لا ينبغي تفسيرها على أنها مشاركة سياسية في الديمقراطية، إذ قال الصحافي، ألطاف حسين، لـ"الشرق"، إن "الناخبين لا يصوتون لحزب أو مرشح للفوز، بل يصوتون لعدم فوز حزب بهاراتيا جاناتا، لأنهم ألغوا المادة 370، وانتزعوا الوضع الخاص لجامو وكشمير.. هذا التصويت هو الغضب الذي يشعر به الناس تجاه حزب بهاراتيا، بسبب قرار 5 أغسطس (إلغاء المادة)".
الانتقام الانتخابي للسجن
ومن بين المتنافسين في الانتخابات، رجل الدين الانفصالي من وراء القضبان، سرجان أحمد واغاي، المعروف باسم "سرجان بركاتي"، في مقاطعتي بيرواه وغاندربال اللتان ذهب سكانها إلى الاقتراع في 25 سبتمبر.
وسارجان بركاتي، في السجن بموجب قانون السلامة العامة، والذي يتعلق بتهم عدة لإثارة الشغب والتحريض على الانفصال، والتشدد، والترويج له. وتم القبض عليه في عام 2016، وأفرج عنه في عام 2020، ثم تم القبض عليه مرة أخرى في عام 2023.
وتتولى ابنة سرجان، صُغرى بركاتي، البالغة من العمر 17 عاماً، مهام حملته الانتخابية، بالنيابة عنه، وقالت في أحد التجمعات، في منطقة بيرواه: "ينصحني السياسيون الذين يشعرون بالتهديد من الدعم الذي حصلت عليه عندما قمت بحملة من أجل والديّ بالذهاب إلى المحكمة للحصول على العدالة. ذهبت إلى كل محكمة للإفراج عن والدي.. والآن أتيت إلى محكمة الشعب من أجل العدالة".
استعطفت صغرى، في جميع خطاباتها الناخبين عاطفياً، من أجل التصويت لصالح والدها، من أجل لإطلاق سراحه من السجن. وهناك يقين، أن من شجعها على هذا التوجّه، هو الشيخ عبد الرشيد، المعروف باسم "المهندس رشيد"، زعيم حزب اتحاد عوامي AIP، الذي خرج منتصراً في انتخابات لوك سابها في أبريل ومايو، ممثلاً مقعد بارامولا.
ورشيد، عضو سابق في الجمعية التشريعية MLA كان أيضاً في السجن، منذ عام 2019، تحت قيادة UAPA خلال انتخابات "لوك سابها". وقام ابنه، أبرار، بحملة (مماثلة لحملة صُغرى)، لصالحه، وتمكن من هزيمة منافس سياسي من الوزن الثقيل، وهو عمر عبد الله، رئيس الوزراء السابق بهامش ضخم يزيد عن 200 ألف صوت. وعندما رفع أبرار وسورجا، شعار "الانتقام للسجن هو؟"، ردت الحشود: "اقترعوا بالأصوات".
الأحزاب والوكلاء
في الانتخابات التشريعية الأخيرة عام 2014، عندما كانت جامو وكشمير ولاية، ومنطقة لداخ جزءاً كانت منها، كان يبلغ عدد مقاعد المجلس التشريعي في الولاية، 87، بينها 46 مقعداً في كشمير، و37 في جامو، و4 في لداخ. لكن عملية ترسيم الحدود في عام 2022، زادت العدد الإجمالي لمقاعد الجمعية من 87 إلى 90 في جامو وكشمير.
ومن بين هذه المقاعد التسعين، 47 مقعداً في منطقة كشمير، ذات الغالبية المسلمة، و43 في منطقة جامو، ذات الغالبية الهندوسية، علماً أنه يلزم 46 مقعداً في الجمعية لتشكيل الحكومة. ولكن حتى الآن، لا يبدو أن أي حزب واحد يصل إلى الغالبية.
ويتنافس ما مجموعه 873 مرشحاً للوصول إلى المجلس التشريعي، في ظل تنافس 4 أحزاب كبيرة على المقاعد، وتشكيل الحكومة المحلية. شكل المؤتمر الوطني الهندي، والمؤتمر الوطني، تحالفاً قبل الانتخابات ولديهما مقاعد مشتركة. ويقاتل حزب "بهاراتيا جاناتا" وحزب "الشعب الديمقراطي" اللذان شكلا الحكومة الائتلافية في عام 2014 بشكل منفصل هذه المرة. وبالإضافة إلى الأحزاب التقليدية، يتنافس أيضاً عدد كبير من المرشحين المستقلين في هذه الانتخابات.
وسعى زعيم المؤتمر الوطني، ورئيس الوزراء السابق عمر عبد الله، لاستقطاب العدد المتزايد من المرشحين المستقلين. ويزعم عمر أن عدداً من الأحزاب السياسية والمرشحين المستقلين أبرموا صفقة مع حزب "بهاراتيا جاناتا" لتشكيل حكومة في جامو وكشمير.
وقال عبد الله، في تجمع انتخابي، إن حزب "بهاراتيا جاناتا" يعمل بجد لاستخدام المرشحين المستقلين للتلاعب بهذه الانتخابات. وأضاف أنهم "يريدون فوز أكبر عدد ممكن من المرشحين المستقلين حيث يهدفون إلى تشكيل الحكومة بمساعدتهم لاحقاً".
ولا يتمتع حزب "بهاراتيا جاناتا" بقبضة قوية في كشمير. إذ لم يسبق أن فاز بمقعد واحد من منطقة الغالبية المسلمة في كشمير. وفي انتخابات "لوك سابها" (المجلس الأدنى للبرلمان الهندي)، التي عقدت مؤخراً، لم يقدم الحزب ولا حتى مرشح واحد لينافس باسمه.
ورغم أن الشيخ عبد الرشيد، زعيم حزب اتحاد عوامي AIP، وهو من سكان وادي كشمير، ويتمتع بقاعدة ناخبين قوية في منطقة جامو ذات الغالبية الهندوسية، إلا أنه في الانتخابات التشريعية الأخيرة، فاز الحزب بـ 25 مقعداً من أصل 87 مقعداً، كلها في جامو.
من ناحية أخرى، حصل عبد الرشيد، الذي فاز في انتخابات مجلس النواب الأخيرة، على إفراج مؤقت من السجن، في الحادي عشر من سبتمبر، حيث تم اتهامه بـ"تمويل الإرهاب"، وبسبب الدعاية لحزبه اتحاد عوامي.
وقد أعلن حزبه عن تحالف استراتيجي مع أعضاء سابقين في الجماعة الإسلامية المحظورة. ويعتقد الخبراء أن هذا التحالف من شأنه أن يلحق الضرر بتحالف المؤتمر الوطني الهندي وحزب الشعب الديمقراطي على حد سواء، وهذا ما يمكن أن يفيد حزب بهاراتيا جاناتا. وبعد فترة وجيزة من إطلاق سراحه، اتهمه حزب الشعب الديمقراطي وحزب المؤتمر الوطني بأنه متعاون مع حزب بهاراتيا جاناتا. وقد أثارت رئيسة الوزراء السابقة لإقليم جامو وكشمير، محبوبة مفتي، تساؤلات حول تمويل حزب اتحاد عوامي.
وقالت مفتي في مؤتمر صحافي قبل فترة، "(عبد) الرشيد في السجن. استغرق الأمر 50 عامًا لتشكيل الحزب من قبل المفتي (والدها الراحل مفتي محمد سعيد، مؤسس حزب الشعب الديمقراطي)، وما زلنا لا نملك الموارد اللازمة لتقديم المرشحين في كل مكان. من يقف وراء منظمته (المهندس)، حتى يتم تقديم مرشحيهم في كل مكان؟ من أين يأتي التمويل؟".
لكن عبدالرشيد نفى جميع المزاعم، مؤكدا أنه سيعود إلى السجن بقوله:"سأعود عندما تنتهي إجازتي المؤقتة، لقد كنت بالفعل في السجن لمدة 5 سنوات. لو كنت رجلاً من حزب بهاراتيا جاناتا، لما كنت في السجن في المقام الأول".