بعد عام من الحرب الطاحنة.. مكاسب وخسائر "حماس"

مصادر لـ"الشرق الأوسط": الحركة خسرت الأنفاق والصواريخ والدعم لكن نهايتها محل شك

time reading iconدقائق القراءة - 16
صورة غير مؤرخة لعناصر من حركة "حماس" يستقلون حافلة محملة بعشرات الصواريخ - الشرق الأوسط
صورة غير مؤرخة لعناصر من حركة "حماس" يستقلون حافلة محملة بعشرات الصواريخ - الشرق الأوسط
غزة-الشرق الأوسط

بعد مرور عام على 7 أكتوبر 2023، لم يعرف أحد على وجه الدقة الهدف من الهجوم المباغت لحركة "حماس" الفلسطينية على إسرائيل، الذي يوشك اليوم على تغيير وجه الشرق الأوسط، ويجرّ خلفه 3 حروب، واحدة مدمرة في غزة، وثانية دموية في لبنان، وثالثة صامتة طويلة الأمد في الضفة الغربية، وعدة حروب باردة مع إيران وأذرعها في العراق واليمن وسوريا.

من المبكر الحكم على نتائج الهجوم الذي فاجأ إسرائيل، وتحديداً بالنسبة لإقامة دولة فلسطينية، ثمة وجهتا نظر في هذه المسألة، تفيد الأولى بأن 7 أكتوبر ستنتهي إلى مسار الدولة، ويزعم الثاني أن الباب قد فُتح لإسرائيل، ليس للقضاء على حل الدولتين، بل احتلال أجزاء من دول أخرى في المنطقة.

لكن بالنسبة لـ "حماس" التي بدأت الهجوم، وتلقت الردّ عليه، يمكن القول إنها دفعت ثمناً لم تكن تتخيله يوماً، فماذا حدث خلال عام؟ وكيف أصبحت الحركة في ميزان الربح والخسارة؟

قبل الهجوم، كانت "حماس" بالنسبة للفلسطينيين والإسرائيليين قوة لا يستهان بها، وليس من الوارد أن تضحي بموقعها ومكاسبها في حرب مدمرة، وكان هذا سر الهجوم، قبل أن يكلفها الكثير لاحقاً. 

وإذا كانت الحرب بدأت بضربة "حماس" وغارات جوية إسرائيلية لاحقة، فمن المؤكد أن الحركة لم تكن تتوقع أن الحرب البرية ستكون بهذا الزخم الذي طال جميع مناطق غزة، متراً بمتر، وشبراً بشبر.

اليوم، فقدت "حماس" وجناحها المسلح، الكثير من الأشياء، كما أنها في المقابل كسبت أشياء أخرى.

حساب الربح.. إحصاء الخسارة

على الأقل، فقدت "حماس" دعماً سياسياً ولو كان خافتاً من قبل دول أوروبية ودولية، ومثله دعم مالي لتمويل مشروعات حكومية ومؤسساتية وخدماتية لسكان غزة، وإلى حد ما تضررت علاقة الحركة بدول إقليمية دعمتها في الصراع ضد إسرائيل، أو ما يتعلق بالمصالحة مع حركة "فتح".

وبعد هجومها الكبير، نّدت دول بـ "حماس"، وبقي هذا الموقف يتصاعد مع مرور الأيام في ظل الحملة الإعلامية الإسرائيلية التي صاحبت هجوم 7 أكتوبر.

وخلال ذلك، ظهرت مؤشرات قوية على خسارة الحركة لكثير من شرعيتها التي اكتسبتها لسنوات بتطوير علاقات كانت صعبة مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول عربية، وعلى وجه الخصوص تضررت إلى حد ما العلاقة مع مصر وقطر، إذ قالت مصادر موثوقة لـ "الشرق الأوسط"، إن "علاقة (حماس) بهاتين الدولتين العربيتين لم تعد كما كانت".

ويفهم قياديون في "حماس"، وفقاً للمصادر، أنه "في لحظة ما قد تطالبهم قطر بالخروج (...) كما أن الوضع مع مصر لم يعد على أحسن حال".

وتطالب مصر اليوم، وتعمل على عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، ويشمل ذلك تسليمها معبر رفح البري، وليس إسرائيل أو "حماس".

مقابل ذلك، زاد دعم "حماس" في "محور المقاومة" المدعوم من إيران، لكن هذا الأخير تعرض لخسائر عدة على أصعد مختلفة بفعل الحرب.

وكسبت الحركة أيضاً تأييداً من دول مثل تركيا وروسيا، وإلى حد ما من الصين، الأمر الذي دفع مراقبين إلى الاعتقاد بأن "حماس" تموضعت في استقطاب إقليمي حاد، في لحظة تقترب فيها المنطقة من شفا حرب مفتوحة.

شعبية "حماس" ونفوذها

أيام قليلة بعد 7 أكتوبر 2023، ارتفعت شعبية "حماس" بشكل كبير في مناطق غزة والضفة الغربية، وكان يمكن ملاحظة كيف أن الإعجاب بالهجوم المباغت طغى على كل شيء، ولكن سرعان ما تبدد كل ذلك، خصوصاً في القطاع، مع استمرار الهجمات الإسرائيلية التي كبدت الغزيين خسائر مريرة في الأرواح والأملاك.

وباتت غالبية من سكان غزة يُحمّلون "حماس" مسؤولية ما حلّ بهم، الأمر الذي أدى إلى تراجع تأييد الحركة بشكل كبير، وأفقدها ميزة الدعم الكبير.

رغم كل هذا التراجع، فإن الحركة ما تزال ترى نفسها جزءاً واضحاً من مستقبل غزة والقضية الفلسطينية، وأن لديها القدرة على البقاء سياسياً وعسكرياً ومدنياً وشعبياً حتى حكومياً.

ومع ذلك، فإن الحكم على قدرة "حماس" على البقاء من عدمه سيكون حين تنتهي الحرب، ويتبين شكل الشرق الأوسط في اليوم التالي، لكن الأكيد أن الحركة لم تعد قادرة على حكم القطاع الذي يحتاج إلى دعم دولي واسع لإنقاذ سكانه وإعادة إعماره، وإحياء اقتصاده المنهار.

قيادات "حماس"... مَن بقي؟

فقدت "حماس" أهم قياداتها السياسية والحكومية والعسكرية، وجزءاً لا يستهان به من مسلحيها، إلى جانب نشطاء في المجالات الدعوية والاجتماعية والاقتصادية.

مع بداية الحرب، وصلت إسرائيل إلى زكريا أبو معمر، وجواد أبو شمالة، من أعضاء المكتب السياسي للحركة، وأيمن نوفل، وأحمد الغندور، وهما قائدا لواءي الوسط والشمال في "كتائب القسام"، إلى جانب أيمن صيام قائد الوحدة الصاروخية في الكتائب.

ودأبت "حماس" على نعي جميع الشخصيات التي فقدتها خلال الحرب وإعلان أسمائهم، قبل أن تغير هذا النهج لتخفي معلومات قادتها والمسلحين الذين تقتلهم إسرائيل.

ولاحقاً، نجحت إسرائيل في اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" في طهران، ونائبه صالح العاروري في الضاحية الجنوبية ببيروت، وكلاهما نعتهما الحركة.

لكن بعيداً عن إعلانات "حماس"، أكدت إسرائيل اغتيال قائد "كتائب القسام" والمطلوب الأول منذ عقود محمد الضيف في ضربة جوية نفّذتها بمنطقة مواصي خان يونس، جنوب غزة، في 13 يوليو الماضي، إلى جانب رافع سلامة، قائد لواء خان يونس، وقبلهما أكدت اغتيال مروان عيسى، نائب الضيف، في نفق وسط مخيم النصيرات، وسط قطاع غزة، في 10 مارس الماضي.

وكانت مصادر من "حماس" أكدت لـ "الشرق الأوسط" اغتيال سلامة وعيسى، لكنها لم تدلِ بأي معلومات حول الضيف.

وكشفت "الشرق الأوسط" في وقت سابق، عن اغتيال 2 من أعضاء المكتب السياسي، هما روحي مشتهى، وسامح السراج في ضربة استهدفت نفقاً جنوب مدينة غزة، إلى جانب قيادات عسكرية وازنة في "القسام".

ومن بين الاغتيالات المؤثرة في "القسام"، استهداف أيمن المبحوح، أحد أهم قادة الكتائب والمسؤول الأول عن استخبارات الكتائب وأسرارها الأمنية، الذي كان لسنوات مسؤولاً عن الدائرة الأمنية الخاصة بحماية محمد الضيف.

ولم تؤكد "حماس" اغتيال أي من هؤلاء، وتشدد على أن الضيف ما زال حياً، فيما تصرّ إسرائيل على اغتياله.

وفقدت "القسام" مئات من قياداتها الميدانيين، منهم قادة "كتائب" و"سرايا" و"فصائل" و"مجموعات"، وهي مسميات عسكرية بالترتيب وفق تقسيمات معينة ومحددة، وعلى الرغم من أنها خسائر فادحة، إلا أن المحلل العسكري العقيد المتقاعد منير حمد من غزة يميل إلى الاعتقاد بأنها "لا تعني القضاء تماماً على الكتائب".

وقال حمد، لـ "الشرق الأوسط"، إن "حماس" استطاعت حتى الآن الحفاظ على حياة قائدها يحيى السنوار، خاصة بعد اغتيال هنية في طهران، ما يعني "توفق الحركة استخبارياً، على الأقل حتى الآن".

ورأى حمد أن "إبقاء السنوار حياً يحرم إسرائيل من صورة النصر التي تحاول الحصول عليها منذ أشهر".

ويُحسب لحركة "حماس" أنها وضعت قضية اغتيال قياداتها وعناصرها رهن التكهنات، سواء بالنسبة لإسرائيل أو غيرها، ما يؤشر على صعوبات أمنية واجهتها وما زالت تواجهها المخابرات الإسرائيلية في الوصول لقيادات "حماس" و"القسام"، على عكس ما يجري حالياً على الجبهة اللبنانية مع "حزب الله".

ولا تكتفي إسرائيل بملاحقة السنوار، بل إنها تبحث عن شقيقه محمد، أحد أبرز قادة "القسام" والرجل الثاني بعد الضيف، كما تبحث عن قائد لواء رفح محمد شبانة، وعن قائد لواء غزة عز الدين الحداد الذي تلقبه بـ "الشبح"، وعن قيادات أخرى من المجلس العسكري مثل رائد سعد، وأبو عمر السوري، اللذين نجيا من عمليتي اغتيال في غزة.

وتدفع هذه المعطيات العقيد المتقاعد منير حمد إلى الجزم بأن "حماس" قادرة على النهوض مجدداً، خاصة أن عدداً من قياداتها المؤثرة ما زال على قيد الحياة.

ويؤكد مراقبون أنه في حال تم التوصل لاتفاق تهدئة، يمكن لـ "حماس" أن تعيد بناء نفسها وقوتها مجدداً، خاصة مع وجود العامل البشري الذي يمكن أن تستغله، كما أن هناك قيادات بارزة قادرة على قيادة الحركة من جديد، بمن فيهم شخصيات تنشط في الخارج لم تتأثر بالضربات الإسرائيلية.

ويتفق حمد مع مراقبين على أن "حماس" نجحت حتى الآن في الاحتفاظ بعشرات الإسرائيليين المحتجزين كأسرى في غزة، بعد عام من حرب مدمرة طالت كل شبر من القطاع، وهو ما يمنحها مكاسب أكبر لفرض شروطها في التفاوض الذي يسير ببطء شديد في ظروف معقدة.

أنفاق "حماس"

فقدت "حماس" كثيراً من قوتها خلال عام من الحرب، وبعد ضربات متتالية، شملت الخدمة العامة، والمرافق التنظيمية والعسكرية والاقتصادية، تكاد الخسائر تكون شاملة على نحو واسع.

لكن فقدان معظم أنفاق "حماس" ربما يكون الخسارة الأبرز كونها "سلاح استراتيجي" كان في يد الحركة.

واستخدمت "حماس" الأنفاق في التحكم والسيطرة، ولحماية قياداتها، وكذلك لإخفاء الإسرائيليين، ومن ثم في إدارة المعركة لتنفيذ هجمات، مباشرة أو صاروخية.

وبحسب مصادر "الشرق الأوسط"، فإن "إسرائيل نجحت في تدمير كثير من أنفاق الحركة"، وقالت إن "الجيش الإسرائيلي عثر على كثير من الأنفاق الاستراتيجية الهجومية والدفاعية".

واستخدمت "حماس" الأنفاق في مناسبات مختلفة كمخابئ لبعض قادتها الذين جرى ملاحقتهم فوق وتحت الأرض، وهو الأمر الذي حدث مع عضو المكتب السياسي للحركة روحي مشتهى وقيادات أخرى، ما أدى لمقتلهم في أحد تلك الأنفاق.

وقدرت مصادر مطلعة لـ "الشرق الأوسط" أن "حماس" تمتلك في كل منطقة داخل غزة (شمال القطاع مثلاً) ما لا يقل عن 700 نفق بأحجام ومهمات مختلفة، لكن ذلك يرتبط بجغرافيا وطبيعة التربة التي يمكن من خلالها حفر عدد أكبر أو أقل من الأنفاق.

وأضافت المصادر: "في خان يونس جنوب القطاع، يختلف عدد الأنفاق كلياً، وربما هو الأكبر على مستوى القطاع، خاصة في المناطق الشرقية منها باعتبارها مناطق زراعية وسهلة الحفر، ويمكن فيها العثور على أكثر من مسار للنفق الواحد بتفرعات مختلفة وبتوزيعات جغرافية مختلفة من مكان إلى آخر، ويقدر عددها بنحو 1000 نفق".

وقدرت إسرائيل سابقاً أن تكون "حماس" حفرت أكثر من 500 كيلومتر من الأنفاق، لكن الحرب الحالية أظهرت أن تقديراتها خاطئة، وكانت أكبر بكثير.

وتفسر هذه المعطيات كيف نجحت "حماس" حتى اللحظة في تسهيل حركة قياداتها ومقاتليها بين مواقع، فوق الأرض وتحتها، إذ الواقع الفعلي لشبكة الأنفاق يتيح لهم المناورة مع إسرائيل.

ترسانة الصواريخ

مثّلت الصواريخ سلاحاً فارقاً لدى "حماس"، وشكّلت في مرحلة ما أحد أهم وسائل الردع، بعدما كانت الحركة قادرة على ضرب المدن والمستوطنات الإسرائيلية وقتما تشاء، خاصة تلك التي كانت تصل إلى تل أبيب والقدس.

وقالت مصادر موثوقة، لـ "الشرق الأوسط"، إن "حماس" فقدت غالبية مخزونها من الصواريخ، ومع ذلك يعتقد مراقبون أن الحركة تخفي عدداً منها، وسوف تستخدمها في وقت ما.

وزعمت مصادر ميدانية من "حماس" أن جناحها المسلح كان يمتلك قبيل الحرب ما يزيد على 60 ألف صاروخ، بين صواريخ بعيدة المدى وأخرى متوسطة وقصيرة.

وكانت "حماس" أطلقت في "الرشقة الأولى" صبيحة 7 أكتوبر، ما لا يقل عن 4 آلاف صاروخ، غالبيتها متوسطة وقصيرة المدى تزامناً مع بدء الهجوم العسكري.

ومع ذلك، يصعب معرفة العدد الدقيق للصواريخ التي تمتلكها "حماس" قبل الحرب، وما تبقى بعد عام من اندلاعها.

وتزعم إسرائيل أنها نجحت في تدمير كثير من الصواريخ، إلى جانب ضرب أماكن تصنيعها وتخزينها، ومنصات إطلاقها.

بنك المال والمعلومات السرية

لم تتوقع "حماس" أن القوات البرية الإسرائيلية ستتعمق داخل غزة، كل هذا الوقت وبهذا العمق والسعة، ما منعها من نقل أو إتلاف ملفات بالغة السرية، من بينها ملفات اجتماعات مغلقة، وملفات أمنية ومالية، نجحت إسرائيل في السيطرة عليها، مثل الفيديو الذي ظهر فيه قائد "كتائب القسام"، محمد الضيف، الذي كان يوصف بأنه رجل الظل الذي لا تعرف صورته.

وأكدت مصادر في الحركة، لـ "الشرق الأوسط"، أن "الوقت لم يسعف عناصر (حماس) لتدمير ما لديها من ملفات، وإلا كان تم زرع عبوات ناسفة لتفخيخ المواقع التي تحوي مثل هذه الملفات على الأقل".

على الصعيد الحكومي، يمكن الجزم أن "حماس" خسرت جميع مقارها، كما فقدت قيادات حكومية بارزة كانت تقود عملها الخدمي وغيره، إلى جانب كثير من أركان هيئة الطوارئ التي شكّلتها لإدارة العمل الحكومي للسكان خلال الحرب، وليس آخرهم على الأغلب المهندس ماجد صالح، المدير في وزارة الأشغال، الذي كان هدفاً لإسرائيل مرات عدة خلال هذه الحرب، وفقد زوجته وعدداً من أبنائه.

ترافق ذلك مع خسارة "حماس" كثيراً من مواردها المالية التي كانت تعتمد عليها، فهي إلى جانب الدعم الخارجي والدخل الحكومي، ثمة مصانع ومحال وعقارات وغيرها كانت تدرّ على الحركة شهرياً مبالغ طائلة.

وخلال الحرب تعمدت إسرائيل استهداف جميع مصادر تمويل "حماس"، وقصفت بنكاً تابعاً للحركة، وغرفاً محددة كان تخزن أموالاً، وهاجمت مركبات نقل أموال، واستولت على ملايين الشواكل من أماكن داهمتها، الأمر الذي أفقد "حماس" في كثير من الفترات قدرتها على صرف رواتب موظفيها وعناصرها، سواء الحكوميون أو المنضمون لجناحها العسكري وغيرهم.

في نهاية المطاف، طال الدمار كل شيء، كل شارع وحي، وجميع العائلات التي رزحت تحت نار الحرب طوال عام، لكن حسابات الربح والخسارة بالنسبة لـ "حماس" أمر بلاغ التعقيد، ولا يمكن الجزم به، ففي اليوم التالي للحرب، ستكون المعطيات حاسمة لمعرفة أن الحركة انتهت بالفعل، أم أنها طبقاً للظروف قادرة على العودة والنهوض مجدداً.

هذا المحتوى من صحيفة "الشرق الأوسط"

تصنيفات

قصص قد تهمك