بريطانيا.. المحافظون يضعون مستقبل الحزب بين أيدي "اليمين"

الوزيران السابقان "بادينوك" و"جينريك" يتنافسان على الرئاسة بعد مفاجأة استبعاد "كليفرلي"

time reading iconدقائق القراءة - 10
أعضاء البرلمان المحافظون ومرشحو الزعامة كيمي بادينوك وروبرت جينريك ووزير الداخلية في حكومة الظل جيمس كليفرلي وتوم توجندهات في اليوم الأخير من مؤتمر حزب المحافظين في برمنجهام. 2 أكتوبر 2024 - reuters
أعضاء البرلمان المحافظون ومرشحو الزعامة كيمي بادينوك وروبرت جينريك ووزير الداخلية في حكومة الظل جيمس كليفرلي وتوم توجندهات في اليوم الأخير من مؤتمر حزب المحافظين في برمنجهام. 2 أكتوبر 2024 - reuters
لندن-بهاء جهاد

اختار النواب المحافظون في البرلمان البريطاني الوزيرين السابقين كيمي بادينوك وروبرت جينريك للتنافس على زعامة الحزب الأزرق خلفاً لرئيس الوزراء السابق ريشي سوناك، إذ لكل من المرشحين آراء مختلفة بشأن مجمل القضايا، لكن المشترك بينهما هو انتمائهما إلى أقصى اليمين في التكتل السياسي الأقدم بالمملكة المتحدة. 

بدأت رحلة اختيار خليفة سوناك في 24 يوليو، عندما تقدم للمنافسة 8 نواب للحزب هم: جيمس كليفرلي وبريتي باتيل وميل سترايد وتوم توجندهانت، إضافة إلى وزيرة التجارة السابقة بادينوك ووزير الهجرة السابق جينيريك، ثم تقلص العدد إلى اثنين بعد 4 جولات من تصويت 121 عضواً محافظاً في مجلس العموم.

واستغرق اختيار بادينوك وجينريك من قبل النواب المحافظين نحو شهرين ونصف، أما تصويت أعضاء الحزب عليهما فسيتم خلال يوم واحد في 31 أكتوبر الجاري، ثم تعلن النتائج رسمياً يوم الثاني من نوفمبر، ليبدأ بعدها الفائز مشوار قيادة المعارضة في البرلمان البريطاني حتى عام 2029 وموعد الانتخابات العامة المقبلة. 

استبعاد كليفرلي 

شكل استبعاد كليفرلي مفاجأة كبيرة في الساحة السياسية بعد أن تصدر انتخابات نواب حزب المحافظين في الجولة قبل الأخيرة، وتحدثت بعض وسائل الإعلام المحلية عن مشاورات "سرية" جرت لتوزيع أصوات داعمي توم توجندهانت بعد خسارته قبل أيام، بين بادينوك وجينريك مما أدى إلى إقصاء وزير الداخلية الأسبق. 

وذكرت المحررة السياسية في صحيفة "الجارديان" بيبا كريرار، عبر منصة "إكس"، أن شهقات استهجان سمعت خارج قاعة الانتخابات عندما أعلنت نتائج الجولة الأخيرة، وحصل فيها كليفرلي على 37 صوتاً من أصوات النواب المحافظين مقابل 42 صوتاً لوزيرة التجارة السابقة بادينوك و41 لوزير الهجرة السابق جينريك. 

وينتمي كليفرلي إلى تيار الوسط، وخروجه من السباق، بحسب عضو حزب المحافظين سامنثا سونز، يعني رغبة النواب باختيار زعيم يعمل على استرداد ثقة اليمين بكل درجاته في القاعدة الشعبية التي تجمع أكثر من 170 ألف عضواً مضى كثيرون منهم إلى تأييد حزب "ريفورم" في الانتخابات العامة الأخيرة في 4 يوليو. 

وترى سونز أن القلق، المتمدد من تأثير "ريفورم" وزعيمه الفعلي النائب نايجل فاراج، طغى على توجهات النواب في اختيار القائد المقبل للحزب الأزرق، وظهر بوضوح في الجولة الأخيرة التي استبعدت كليفرلي من السباق، منوهة إلى أن "يمينية" بادينوك وجينريك تجسدت في خطاباتهما ومقابلاتهما الإعلامية طوال الوقت. 

وجاء رد فعل وزير الداخلية السابق مختصراً عبر منشور في منصة "إكس"، قال فيه إنه "ممتن للدعم الذي تلقاه من زملائه في مجلس العموم وأعضاء الحزب والجمهور خلال الشهرين الماضيين"، منوهاً إلى أهمية وحدة الصف خلف قائد جديد يقود الحزب الأزرق في مواجهة حكومة العمال "الكارثية"، على حد تعبيره. 

التغيير والانفتاح 

ويرفع جينريك شعار "التغيير" في حملته الانتخابية لزعامة الحزب، وقال، في بيان عقب تأهله لتصويت القاعدة الشعبية، إن "التغيير الذي يتطلع إليه ليس بالكلام، وإنما بالسياسات التي تعالج التحديات الكبيرة أمام بريطانيا، خاصة في 3 ملفات رئيسية هي الاقتصاد والهجرة وهيئة الصحة الوطنية المعروفة باسم NHS". 

وعرف جينريك بتشدده في ملف "مهاجري القوارب" عندما كان وزيراً للهجرة في حكومة سوناك، حتى إنه استقال عندما رفض رئيس الوزراء حينها تشديد "قانون رواندا" لترحيل هؤلاء إلى الدولة الإفريقية، واعتبر أن الصيغة التي مررها البرلمان مطلع عام 2024 "لم ترتق إلى مستوى المأمول في ضمان تنفيذ الترحيل". 

ولا يبدو أن وزير الهجرة السابق سيكون أكثر مرونة تجاه اللاجئين القادمين عبر البحر إلى بريطانيا، إذا ظفر بالزعامة، فقد تعهد بالانسحاب من اتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية في حال بلوغه السلطة عام 2029، لأنها برأيه "العقبة الأكبر أمام قدرة بريطانيا على ضبط حدودها ووقف تدفق الوافدين غير الشرعيين".

وكذلك كان جينريك من بين النواب الذين وقفوا ضد التظاهرات المؤيدة لفلسطين التي تلتئم أسبوعياً في لندن منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، حتى أنه صرح مرة بأن العاصمة لندن باتت "مرتعاً للتطرف الإسلاموي"، مؤيداً تعليقات مشابهة للنائب لي أندرسون والنائبة ووزيرة الداخلية السابقة سويلا برافرمان. 

ومن "مزايا" وزير الهجرة السابق أيضاً أنه منفتح على الحوار مع "ريفورم" بشأن علاقة تلغي المنافسة بين الحزبين على اليمين البريطاني، كما أبدى حماسته لعودة رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون إلى صفوف قيادات المحافظين مستقبلاً، وهذان الأمران شجعا نواباً على تأييده منذ اللحظة الأولى لإعلان ترشحه للقيادة.  

إصلاح "المحافظين"  

على ضفة وزيرة التجارة السابقة، فإنها تركز في حملتها على إصلاح الحزب وتوحيده أكثر من طرح برنامج محدد الملامح، لكن ذلك قد يتغير خلال الأسبوعين المقبلين عندما تبدأ بالترويج لنفسها أمام القاعدة الشعبية التي تحتاج إلى إجابات حول أسئلة كثيرة تدور في خلد أفرادها بشأن قضايا مختلفة على رأسها الهجرة.

وفي حديث مع "الشرق"، قال الصحافي جيمس ردينج إن "توحيد المحافظين مهمة صعبة، لكن البريطانيين جميعهم اليوم يراقبون انتخابات زعامة الحزب الأزرق، فالمزاج الشعبي لم يعد مؤيداً لحزب العمال، كما كان قبل الانتخابات الأخيرة، وبات المحافظون يقفون خلف الحزب الحاكم بنقطة واحدة في استطلاعات الرأي". 

وأوضح ردينج أن وزيرة التجارة السابقة لا تختلف كثيراً عن جينريك في التوجهات، إلا أنها أكثر تحفظاً في الإعلان عن خططها، إذ إنها تنتمي إلى اليمين ذاته، لكنها برأيه لا تفضل الصدام مع التيارات الأخرى، وقد بدا ذلك واضحاً في تأجيلها مناقشة الانسحاب من اتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية بوصفها "فكرة منفرة للبعض". 

وتقول بادينوك إن "ثمة فئات من المهاجرين لا يتوافقون مع الثقافة البريطانية والقيم الإنجليزية للمجتمع، وبالتالي لا بد من مراعاة الأمر عند استقطاب العمالة الأجنبية وقبول اللاجئين، لأن المملكة المتحدة ليست مكاناً لكسب المال فقط، وإنما هي وطن يتوقع من كل الوافدين إليه مشاركة السكان الأصليين في قيمهم ومحدداتهم". 

وتتطلع بادينوك إلى ترسيخ "الثقافة البريطانية" عندما تعود السلطة إلى حزب المحافظين يوماً ما، وعندما اتهمت بالعداء للمسلمين نشرت وزيرة التجارة السابقة مقالة في صحيفة "التايمز" قالت فيها إنها قصدت في المختلفين "ثقافياً وقيمياً عن المجتمع البريطاني، جماعات الإسلام السياسي وهؤلاء الذين يكرهون دولة إسرائيل". 

المفارقة أن بادينوك تنتمي إلى عائلة مهاجرة من دولة إفريقية، فهي تنتمي لأب وأم ينحدران من نيجيريا، وعاشت في عاصمتها لاجوس ثم أميركا قبل أن تأتي إلى بريطانيا في سن 16، أي في حال فوزها باستحقاق نهاية أكتوبر ستكون أول زعيمة من بشرة سمراء لحزب المحافظين، وربما تكون الأولى من بشرة سمراء تقود الحكومة البريطانية في 2029. 

النواب والأحزاب 

زعيم حزب المحافظين الأسبق اللورد ويليام هيج قال، لهيئة الإذاعة البريطانية، إنه "سيكون من الأفضل لو أن نواب البرلمان هم من يقررون الزعيم الجديد وليس الأعضاء"، لافتاً إلى أن النظام الحالي لانتخاب رئيس الحزب اقترحه بنفسه ودعمه عام 1997، لكنه لم يعد يلبي الطموحات، وبات بحاجة لإعادة النظر فيه، وفق وصفه. 

ويرى هيج أن أعضاء مجلس العموم يتحملون مسؤولية كبيرة في اختيارات القاعدة الشعبية، من خلال دعمهم لهذا المرشح أو ذاك، وهذا يعني، وفق نتائج تصويت النواب المحافظين خلال الشهرين الماضيين، أن قيادة الحزب الأزرق وضعت بيضها بأكمله في سلة اليمين، وتركت لأعضاء الحزب الانتقاء بين مرشحين لهذا التيار. 

داخلياً أيضاً، اعتبر النائب المحافظ السابق بول جودمان، من خلال منشور عبر منصة "إكس"، أن نواب الحزب الأزرق "فشلوا" في استحقاق اختيار خليفة ريشي سوناك، فيما قالت النائبة السابقة والمحامية جاكي برايس، عبر المنصة ذاتها، إن "تصويت النواب أضاع بوصلة المحافظين ودفع باتجاه اختيار محمول على مناكفات، وليس سعياً وراء مصلحة عامة".  

وبدا وصول بادينوك وجينريك إلى نهائي السباق على زعامة الحزب خبراً ساراً لـ "العمال"، حيث قال أحد وزراء الحكومة، لصحيفة "إندبندنت"، إن المرشحيْن "لا يختلفان عن بعضهما، ولا يبشران بمستقبل أفضل للحزب"، فيما اعتبر "الديمقراطيون الليبراليون" أن نواب الحزب الأزرق "أخفقوا" في اختيار زعيمهم المقبل.

تصنيفات

قصص قد تهمك