قال مسؤولون من أوكرانيا وكوريا الجنوبية، إن كوريا الشمالية تدعم القوات الروسية بجنود في أرض المعارك بأوكرانيا، على الرغم من نفي الكرملين، إلا أن ذلك يثير تساؤلات حول ما إذا كان التعاون العسكري بين بيونج يانج وموسكو قد وصل إلى مستويات جديدة، وفق ما أوردت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.
وذكر مسؤول في الاستخبارات الأوكرانية، إن عدة آلاف من جنود المشاة الكوريين الشماليين يتلقون تدريبات في روسيا الآن، ويمكن نشرهم على خط المواجهة في أوكرانيا بحلول نهاية العام الجاري، موضحاً أن الضباط الكوريين الشماليين موجودون بالفعل على الأرض في أوكرانيا، لمراقبة القوات الروسية ودراسة ساحة المعركة، لكن كييف لم تر أي وحدات كورية شمالية تقاتل حتى الآن.
وأضاف المسؤول، أنه "من غير الواضح أين سيتم نشر الوحدات القتالية التي تتدرب في روسيا على الجبهة الأوكرانية، لكن موسكو قد تستخدمها في المناطق الحدودية الروسية، ما يتيح للقوات الروسية القتال في أوكرانيا"، لافتاً إلى أن ذلك قد يكون له "تأثير كبير، خصوصاً إذا كنا نتحدث عن تحرير الاحتياطيات داخل أراضي الاتحاد الروسي نفسه".
من جانبه، قال وزير الدفاع الكوري الجنوبي كيم يونج هيون، خلال اجتماع الجمعية الوطنية (البرلمان)، الثلاثاء الماضي، إن التقارير التي تفيد بأن القوات الكورية الشمالية تساعد الروس "مرجحة للغاية"، مضيفاً أن سول تتوقع أن ترسل بيونج يانج المزيد من الأفراد لدعم المجهود الحربي الروسي.
وقال كيم للمشرعين، إن "روسيا وكوريا الشمالية لديهما اتفاق هو في الأساس تحالف عسكري، لذلك من المرجح للغاية أن ترسل كوريا الشمالية قوات إضافية. هذه الطريقة التي نقيّم بها الأمر، وسنستعد لذلك بالتأكيد".
بدوره، قال أندريه كوفالينكو، رئيس مركز مكافحة التضليل الأوكراني، وهو جزء من مجلس الأمن والدفاع الوطني، في منشور على تطبيق تليجرام، الثلاثاء الماضي، إن بيونج يانج "أرسلت بالفعل قوات إلى أوكرانيا، بما في ذلك مهندسون عسكريون يشرفون على استخدام الأسلحة، ولقي بعضهم بالفعل مصرعه".
يتزامن ذلك مع تقارير نشرتها الصحافة الأوكرانية الأسبوع الماضي، أشارت فيها إلى دعم جنود كوريين شماليين للروس في منطقة دونباس، التي تحتلها روسيا.
الكرملين: "خدعة"
وبدأت التقارير عن وجود كوريين شماليين على الخطوط الأمامية في الظهور علناً، عندما نشرت قناة تابعة للكرملين عبر تطبيق تليجرام، منشور جاء فيه أن "ضربة صاروخية أوكرانية على الأراضي الروسية المحتلة في دونيتسك أسفرت عن قتل أكثر من 20 جندياً، بما في ذلك 6 ضباط عسكريين كوريين شماليين".
واستشهدت القناة بمصادر في وزارة الدفاع الروسية، وزعمت أن 3 كوريين شماليين آخرين أصيبوا، وأن الكوريين الشماليين وصلوا في إطار عملية تبادل للخبرات على الخطوط الأمامية.
وفي هذا الإطار، لفت المسؤول العسكري الأوكراني إلى أن الضربة الصاروخية الأوكرانية في 3 أكتوبر، أودت بحياة ضباط كوريين شماليين "لم يشاركوا بشكل مباشر في القتال، لكنهم كانوا أفراداً عسكريين مرافقين بالفعل للقوات الروسية".
بدوره، رفض الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، الخميس الماضي، مزاعم إرسال كوريا الشمالية لأفراد عسكريين للقتال في أوكرانيا ووصفها بأنها "خدعة".
لكن رغم النفي الروسي، إلا أن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقعا اتفاقية دفاع متبادل هذا الصيف، حيث تعهد كيم بـ"دعم كامل" لروسيا في حرب أوكرانيا.
وأكدت الاتفاقية، الطريقة التي عزز بها رئيسا الدولتين الخاضعتين لعقوبات شديدة، شراكتهما ضد النظام العالمي الذي يقوده الغرب منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في بداية عام 2022.
وفي يونيو الماضي، اتفق الرئيس الروسي والزعيم الكوري الشمالي على تقديم المساعدة العسكرية الفورية، إذا تعرض أحدهما للهجوم، ووقعا على اتفاق خلال أول زيارة لبوتين إلى كوريا الشمالية منذ 24 عاماً، فيما وصف كيم الاتفاق بأنه "أقوى معاهدة" تم توقيعها بين البلدين، والتي ترفع علاقاتهما إلى مستوى التحالف.
واتجهت موسكو أولاً إلى بيونج يانج للحصول على دعم الأسلحة، إذ تقول الولايات المتحدة إن كوريا الشمالية أرسلت كميات كبيرة من الذخائر، بما في ذلك قذائف المدفعية، إلى روسيا، فيما نفت كل من كوريا الشمالية وروسيا هذه المزاعم، لكن الآن ترسل بيونج يانج جنوداً.
وتزعم أوكرانيا أن بيونج يانج أرسلت أفراداً عسكريين للإشراف على استخدام الذخيرة والصواريخ الباليستية الكورية الشمالية، وقد قُتل بعضهم في خط النار.
تعاون متزايد
من جانبها، ترى "بلومبرغ"، أن نشر القوات الكورية الشمالية في أوكرانيا من شأنه أن يزيد من تعاون بيونج يانج مع موسكو.
وقال كانج دونج وان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة Dong-A: "تحتاج روسيا إلى قوات وموارد أخرى للحرب بينما تحتاج كوريا الشمالية إلى دعم روسيا لإعادة بناء اقتصادها وتطوير الأسلحة النووية. مصالح بيونج يانج تتوافق مع مصالح روسيا".
واتهمت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، بيونج يانج بتزويد موسكو بالذخائر والصواريخ الباليستية لمساعدتها في حربها على أوكرانيا، لكن روسيا وكوريا الشمالية نفتا عمليات نقل الأسلحة، رغم الأدلة التي تثبت حدوثها.
وفي عام 2022، بدا أن الدولتين تناقشان إمكانية إرسال عمال من كوريا الشمالية إلى شرق أوكرانيا المحتلة من قبل روسيا، للمساعدة في جهود إعادة الإعمار.
ورحب المسؤولون الروس علناً، باحتمال إرسال عمال من كوريا الشمالية، ويبدو أن بعض العمال تم إرسالهم إلى منطقة دونباس في أوكرانيا، وفق ما أوردته مجموعة المراقبة Daily NK ومقرها سول ولديها مخبرون داخل كوريا الشمالية.
وذكرت Daily NK في أبريل الماضي، نقلاً عن مصادر لم تسمها في كوريا الشمالية وروسيا، أن بيونج يانج أرسلت حوالي 150 عاملاً جديداً هناك للمساعدة في جهود إعادة الإعمار.
ولدى كوريا الشمالية تاريخ طويل في إرسال العمال، وخاصة الحطابين والبنائين، إلى روسيا، لكسب المال للنظام الذي يعاني من ضائقة مالية، رغم حظر الأمم المتحدة على الحكومات إصدار تصاريح عمل جديدة للكوريين الشماليين.
تدخل بيونج يانج في سوريا
من جانبه، قال تشا دو هيون، مستشار الاستخبارات الكوري الجنوبي السابق، والذي يعمل الآن محللاً للشأن الكوري الشمالي في معهد "أسان" للدراسات السياسية في سول لـ "واشنطن بوست" إن "خط المواجهة هو المكان الذي تُستخدم فيه هذه الأسلحة، لذلك من الطبيعي أن يشرف الكوريون الشماليون على استخدامها على خط المواجهة، وليس من موسكو".
وأضاف تشا، أن "وجود مستشارين فنيين قد يكون علامة على أن بيونج يانج لا توفر فقط قذائف المدفعية التي يمكن إدخالها بسهولة في الأسلحة الروسية، ولكن أيضاً أسلحة أكثر تقدماً مثل المركبات المدرعة والصواريخ وقاذفات الصواريخ المتعددة التي تحتاج إلى توجيه شخصي".
بدوره، قال تشاد أوكارول، الرئيس التنفيذي لمجموعة "كوريا للمخاطر" لـ "بلومبرغ": "بينما كانت هناك أدلة على زيارة أفراد عسكريين تقنيين من كوريا الشمالية لساحات الحرب في سوريا، لم تكن هناك تقارير موثوقة عن وجود عام لجنود كوريين شماليين في مناطق حرب نشطة لعقود عديدة".
وأضاف: "إذا أرسلت كوريا الشمالية قوات عالية الجودة للمشاركة في حرب روسيا ضد أوكرانيا، فقد يمنح ذلك كوريا الشمالية الخبرة القيمة في ساحة المعركة، والتي لم تتمكن من الحصول عليها لعقود من الزمان".
ورغم أن التدخل الأجنبي من قبل كوريا الشمالية نادر، إلا أنها أرسلت في السابق أفراداً عسكريين للمساعدة في استخدام الأسلحة والتكنولوجيا.
وفي عام 2016، أرسلت كوريا الشمالية فنيي صواريخ إلى العاصمة السورية دمشق، إذ أفادت التقارير أنهم أقاموا في منشآت عسكرية سورية، وساعدوا في تشغيل مصانع الكيماويات والصواريخ في مناطق البرزة وعدرا وحماة، وفقاً للجنة خبراء الأمم المتحدة، التي راقبت أنشطة كوريا الشمالية.
كما استخدمت كوريا الشمالية المساعدات العسكرية، بما في ذلك الأسلحة والتدريب، لتعزيز العلاقات الثنائية مع دول نامية أخرى، بما في ذلك في إفريقيا. وخلال حرب فيتنام، أرسلت كوريا الشمالية طيارين للمساعدة في الدفاع عن فيتنام الشمالية ضد الهجمات الجوية الأميركية، وفقاً للسجلات الفيتنامية.