أبدت الصين تفضيلها للمرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة الأميركية، كامالا هاريس، على منافسها الجمهوري دونالد ترمب، الذي يعد "أقل قابلية للتنبؤ بأفعاله"، وذلك رغم أن بكين ليست متحمسة لأي من المرشحين الرئاسيين، وفق ما أوردته "بلومبرغ".
وشهدت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين بعض الاستقرار على مدى العام الماضي، رغم استمرار الخلافات بشأن بعض القضايا مثل تايوان، وبحر الصين الجنوبي وضوابط التصدير التي فرضها الرئيس الأميركي جو بايدن على الرقائق المتقدمة وغيرها من التكنولوجيا، فيما تُرجم جزءاً كبيراً من هذا الاستقرار في المحادثات المنتظمة بين وزير خارجية الصين وانج يي، ومستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان.
وذكرت الوكالة أنه في حين أن بكين ترى أن العلاقة مع الولايات المتحدة "ليست رائعة"، لكنها باتت أفضل مما كانت عليه في السنوات الماضية، عندما تم قطع جميع الاتصالات بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي، إلى تايوان ثم إسقاط إدارة بايدن منطاد يُزعم أنه كان يحلق فوق الولايات المتحدة للتجسس.
ولفتت إلى أن المناقشات مع سوليفان، والتي أُجريت في أماكن متعددة من فيينا إلى بانكوك، ساعدت في إدارة الخلافات بين البلدين، ومهدت الطريق للاجتماع المتوقع بين بايدن ونظيره الصيني شي جين بينج في وقت لاحق من العام ذاته.
بيئة خارجية مستقرة
ووفقاً للوكالة، فإن الصين ترى أن رئاسة هاريس ستسمح لحكومة شي، بالبناء على هذا الأساس، كما أنها ستوفر بيئة خارجية مستقرة إلى حد ما، بينما يركز المسؤولون على إنعاش الاقتصاد الذي يعاني من ضغوط انكماش، لكن ترمب يمثل أحد المخاطر الرئيسية لهذه الاستراتيجية، إذ يهدد بفرض تعريفات جمركية على الصين تصل إلى 60%، وهو مستوى قد يدمر التجارة بين أكبر اقتصادين في العالم.
ونقلت الوكالة عن تشو جونوي، وهو باحث سابق في الجيش الصيني، ويشغل الآن منصب مدير الأبحاث الأميركية في مؤسسة "جراند فيو" ببكين، قوله إنها "وجهة نظر شائعة بين الخبراء الصينيين أن هاريس تعني مزيداً من الاستمرارية لنفس الاستراتيجية، وذلك على الأقل في العام أو العامين الأوليين من رئاستها، بينما ستعني رئاسة ترمب نطاقاً أوسع من الاحتمالات، الأفضل أو الأسوأ، مع الكثير من المفاجآت والمزيد من المتاعب للطرفين، وحتى العالم كله".
وقالت "بلومبرغ" إن الصين "لا ترغب" في أن يُنظر إليها على أنها تحاول التأثير على الانتخابات، ناقلة عن مسؤولين أميركيين قولهم إنهم "لم يروا الكثير من الأنشطة المقلقة حتى الآن، حتى مع تحذيرهم المستمر لبكين بعدم التدخل في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل".
ومع ذلك، صرَح مسؤولون من مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية، في وقت سابق من هذا الشهر، بأن بكين تسعى إلى التأثير على سباقات الكونجرس من خلال المرشحين الذين يُنظر إليهم على أنهم يهددون مصالحها في قضايا مثل تايوان.
ويتجنب عادة ممثلو وزارة الخارجية الصينية، التعليق على تصريحات هاريس أو ترمب بشأن بكين، بينما يقولون إنهم يعارضون الجهود المبذولة لجعل الصين قضية محورية في الحملات الانتخابية الرئاسية.
وفي محاضرة عامة ألقاها، مؤخراً في سنغافورة، قال تشين دونج شياو، وهو مستشار للحكومة الصينية، إن "الآراء تتفاوت في الصين بشأن هذه المسألة، إلا أن هناك إجماع على أن إدارة ترمب الثانية من المرجح أن تجلب مزيداً من عدم اليقين وعدم الاستقرار وعدم القدرة على التنبؤ مقارنةً بهاريس".
ورأت الوكالة أن حرص الصين على تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة كان واضحاً، عندما زار سوليفان بكين في أغسطس الماضي، لإجراء محادثات مع وانج وشي، قائلة إن السؤال الذي سمعه المسؤولون الأميركيون مراراً خلال الزيارة هو: لماذا لا يمكننا أن نكون مجرد أصدقاء؟
ولفتت "بلومبرغ" إلى أن فريق بايدن غادر الاجتماعات التي تجاوزت الـ 10 ساعات بانطباع بأن بكين تريد استقرار العلاقة قبل الانتخابات الأميركية، قائلة إنه لم تُطرح الكثير من الأسئلة حول إدارة هاريس المحتملة، كما لم يرغب الفريق الأميركي في استباق السياسات التي ستتبعها.
وتابعت: "لكن سوليفان وفريقه شددوا على أن نائبة الرئيس ساعدت في صياغة وتنفيذ سياسات إدارة بايدن لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتي شهدت تحالفات في المنطقة في مواجهة بكين اقتصادياً، وفي مجال الأمن القومي".
وفي مؤتمر صحافي بعد ذلك، قال سوليفان إن هاريس التقت سابقاً بكل من شي ورئيس الوزراء لي تشيانج، وأنها "تشارك الرئيس بايدن وجهة نظره بأن إدارة هذه المنافسة بشكل مسؤول تعد أمراً ضرورياً حتى لا تنحرف إلى صراع أو مواجهة".
ونقلت الوكالة عن المتحدثة باسم الأمن القومي في حملة هاريس، مورجان فينكلشتاين، قولها إن نائبة الرئيس "لديها نظرة واضحة بشأن التهديدات التي تشكلها الصين، وفي حال وصولها إلى البيت الأبيض فإنها ستضمن فوز الولايات المتحدة في منافسة القرن الـ21".
وأضافت: "ستقف (هاريس) ضد جهود الصين لزعزعة الاستقرار والازدهار العالميين، وستعمل مع حلفائنا وشركائنا عن كثب لمواجهة هذه التحديات مع الاستثمار في مصادر قوتنا الخاصة".
"وضع جنوني"
ونقلت الوكالة عن مصدر مطلع قوله، إن المسؤولين الصينيين باتوا أكثر اهتماماً بسياسات هاريس بعد المناظرة الرئاسية التي أجريت سبتمبر الماضي، مشيراً إلى أنه لا يزال من غير الواضح بالضبط ما الذي ستفعله نائبة الرئيس بشأن سياسات الولايات المتحدة المتعلقة ببكين، لكنها خلال المناظرة انتقدت ترمب، لأنه سمح ببيع التكنولوجيا المتقدمة للشركات الصينية.
ومن جانبه، قال بريان هيوز، المستشار البارز في حملة ترمب، إن "الصين تتوق إلى استغلال ضعف كامالا وعدم كفاءتها".
كما نقلت الوكالة عن راش دوشي، الذي شغل منصب نائب مدير الشؤون الصينية وشؤون تايوان في مجلس الأمن القومي الأميركي سابقاً، قوله إن "بعض الناس في بكين يسألون المسؤولين والباحثين الغربيين عما إذا كانت تعليقات ترمب التي تشير إلى أن الولايات المتحدة قد لا تدافع عن تايوان قد تمنح بكين الضوء الأخضر لاستخدام القوة ضد الجزيرة".
وأضاف دوشي: "منظور بكين يعتمد على الإطار الزمني، فصحيح أنهم يشعرون بالقلق من أن ترمب يجلب عدم القدرة على التنبؤ على المدى القصير، لكنهم أكثر ثقة في أنه سيسرع من تراجع الولايات المتحدة على المدى الطويل، وذلك جزئياً من خلال تقويض التحالفات الأميركية، لكنهم، في المقابل، يرون أن هاريس ستواصل فرض الضوابط المتعلقة بالتكنولوجيا وبناء التحالفات التي تضع بكين في وضع غير مؤات على المدى الطويل".
وفي الوقت الحالي، تشير المحادثات التي يتم إجراؤها في بكين إلى رغبة حكومة شي في الاستمرار في العلاقات الدبلوماسية الأكثر استقراراً في عهد بايدن على مدى السنوات القليلة الماضية، بحسب "بلومبرغ".
وأضاف تشو من مركز "جراند فيو" الذي يستضيف حوارات مع دبلوماسيين ووفود زائرة من الولايات المتحدة وأوروبا وأماكن أخرى بانتظام: "لا أحد يريد إفساد تلك الجهود واختيار الوضع الجنوني، على الأقل من وجهة نظر الصين، وإذا قال أحدهم إن ترمب أفضل (من هاريس) لأنه سيلحق المزيد من الضرر بالولايات المتحدة وحلفائها، فأعتقد أنه يمزح".