التحديات الأمنية "صداع" يؤرق المجلس العسكري في مالي بعد هجوم باماكو

time reading iconدقائق القراءة - 12
الكولونيل أسيمي غويتا قائد المجلس العسكري في مالي خلال حفل تنصيبه رئيساً انتقالياً للبلاد بالعاصمة باماكو- 7 يونيو 2021 - Reuters
الكولونيل أسيمي غويتا قائد المجلس العسكري في مالي خلال حفل تنصيبه رئيساً انتقالياً للبلاد بالعاصمة باماكو- 7 يونيو 2021 - Reuters
نواكشوط- أحمد سيدي عبد اللهالشرق

لا تزال التحديات الأمنية تُمثل "صداعاً" للمجلس العسكري الذي يحكم مالي منذ انقلابه على الرئيس إبراهيم بوبكر كايتا في أغسطس 2020، بيد أن الأمور بدأت تتجه نحو مزيد من التعقيد بوصول المعركة إلى العاصمة باماكو من خلال الهجوم الذي شنه مسلحون عليها في سبتمبر الماضي.

وبعد الهجوم على باماكو تصاعدت التوترات العسكرية، إذ يواجه الجيش تحديات كبرى على جبهات القتال مع الجماعات المسلحة شمالي البلاد ووسطها. 

وأعرب مصدر عسكري لـ"الشرق"، عن مخاوف في الأوساط العسكرية من تعرض الجيش لـ"نكسة ثانية"، بعد الضربات التي تعرض لها وحلفاؤه في قوات "فاجنر" الروسية خلال يوليو الماضي.

وعزا المصدر التراجع الأخير في وتيرة عمليات الجيش العسكرية إلى الطبيعة الصعبة والمعقدة للمناطق التي تشهد قتالاً عنيفاً بين الجيش وحلفاؤه من جهة والجماعات المسلحة من جهة أخرى.

مواجهة جديدة في الشمال

ويستعد الجيش المالي، المدعوم بغطاء جوي من "تحالف دول الساحل الجديد"، وعناصر "فاجنر"، لمواجهة جديدة، في منطقة الشمال، المعروفة بقساوة مناخها، وتضاريسها الصحراوية الصعبة.

وأعلن المجلس العسكري بقيادة الفريق أول أسيمي غويتا، تصميمه أكثر من مرة على استعادة السيطرة على منطقة تينزاواتين وغيرها، من مناطق الشمال، معتبراً أن استردادها "قضية شرف لا تقبل المساومة"، حسب بيانات رسمية.

وأكد مصدر عسكري مالي لـ"الشرق"، أن الحكومة المالية دفعت بوحداتها العسكرية جيدة التسليح إلى شمال البلاد، للقضاء على ما وصفه بـ"الجماعات الإرهابية"، في إشارة إلى المتمردين من الطوارق والعرب، من مسلحي "تنسيقية حركات أزواد" وتنظيم "القاعدة في الساحل"، في ظل توقعات بحصول مواجهات عنيفة بين الطرفين.

وأضاف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن رئيس المجلس العسكري الحاكم في البلاد، أسيمي غويتا، يعتبر قضية استعادة منطقة تينزاواتين، أقصى الشمال الشرقي للبلاد، والتي يتمركز فيها المسلحون، "قضية شرف".

وأشار إلى أن غويتا رفض خلال اجتماعاته بقادة الجيش، أي مساومة حول تينزاواتين، بعد الهجوم الذي تعرضت له العاصمة المالية، باماكو، في السابع عشر من سبتمبر الماضي، بالتزامن، مع الذكرى 64 لاستقلال البلاد. لكن المصدر نفسه، توقع مواجهات عنيفة في الشمال.

"تأجيل المواجهة"

تحاول الحكومة الحالية في مالي تعزيز قدراتها العسكرية عبر تحالفات جديدة، وسط التوترات العسكرية المتصاعدة، وهو الأمر الذي دفعها لتنسيق تعاونها مع روسيا، وفقاً للعقيد السابق بالجيش الموريتاني والخبير العسكري في قضايا الساحل محمد الأمين ولد الواعر، الذي قال لـ"الشرق"، إن مالي بالإضافة لعلاقتها مع روسيا عملت كذلك على تعزيز التعاون الدفاعي مع تركيا التي حصلت منها على طائرات مسيرة.

وأضاف ولد الواعر، أن الحكومة المالية تكثف جهودها لتوفير المزيد من الأسلحة والذخائر، في سياق استعدادها لمواجهة التحديات الأمنية القائمة، لا سيما مع الحركات الأزوادية وسعيها للسيطرة على مناطق مثل كيدال.

وأشار إلى أن الحركات الأزوادية، بعد اكتشافها لخطط الحكومة المالية بقيادة أسيمي غويتا، والرامية إلى السيطرة على كيدال، قررت تسليم المدينة من دون قتال كخطوة مؤقتة، وهي استراتيجية معروفة في التخطيط العسكري تؤجل المواجهة إلى توقيت آخر.

وأضاف أن المواجهات السابقة، مثل معركتي تنزاواتين، وتشلشل، أظهرت قدرة المحاربين الأزواد على تكبيد الجيش المالي وحلفائه خسائر كبيرة، ما أكد قدرتهم على مقاومة العمليات المتكررة.

وذكر الخبير العسكري الموريتاني أن الحركات المسلحة المناهضة للجيش المالي تتبع تكتيكات لا مركزية، إذ يتولى المقاتلون الأزواديون وجماعات متطرفة مسؤولية التصدي للقوات المالية في المناطق الشمالية.

أما في المناطق الجنوبية ذات الكثافة النباتية، فتتصدى "كتيبة ماسينا" (وهي جماعة مسلحة متطرفة تنشط في المنطقة) للجيش المالي، مشيراً إلى أنها نفذت عمليات عدة في مواقع حساسة حول العاصمة، ما ساهم في خلق حالة من التوتر المستمر للنظام المالي.

كيف بدأ الصراع؟

بدأت المواجهات المسلحة بين الحكومة المالية والحركات الأزوادية في نهاية 1962، بعد سنتين فقط من حصول البلاد، التي كانت تعرف بسودان فرنسا على استقلالها.

واستمرت هذه المواجهات  حتى العام 1991 الذي شهد توقيع "اتفاق الجزائر"، الذي سرعان ما انهار لتعود المواجهات بين الطرفين بقوة في منتصف التسعينات، رغم اتفاقيات باماكو، تمبكتو، غاو، وكيدال، على التوالي، والتي لم تصمد طويلاً أمام التحديات.

ويتهم الأزواديون الحكومة المالية بارتكاب جرائم ضد سكان منطقة أزواد الواقعة شمالي مالي، والتي تحدها موريتانيا، من الغرب، والجزائر من الشمال الشرقي، والنيجر من الجنوب الشرقي، والتي تشكل قرابة 67% من مساحة البلاد، بينما لا يمثل سكانها سوى نسبة 10% من السكان، وغالبيتهم من الطوارق والعرب.

بعد سقوط نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، عاد آلاف المقاتلين الأزواديين، إلى منطقة الشمال، "أزواد"، مع الكثير من السلاح، وهو ما مكّنهم من السيطرة على المنطقة، مع الجماعات المتطرفة، وإعلان استقلال "الجمهورية الأزوادية"، غير المعترف بها. 

لكن التدخل الفرنسي أجهض حلم تأسيس الدولة وفق بعض القياديين في الحركات الأزوادية، ليتم التوقيع على اتفاق الجزائر بدعم من الأمم المتحدة في عام 2015، وهو الاتفاق الذي استمر حتى 2023، حيث اعتبره المجلس العسكري الحالي، انتهاكاً لسيادة البلاد، ووحدة أراضيها.

وهو القرار الذي اعتبرته الحركات الأزوادية بمثابة نهاية لمرحلة السلام، ليغادر قادتها في وقت واحد العاصمة المالية باماكو، معلنين التعبئة العامة للحرب ضد الجيش المالي، كما أعلنت الحركات تأسيس "الإطار الاستراتيجي" برئاسة بلال آغ شريف، معلنة بذلك حل تنسيقية الحركات الأزوادية.

وقالت مصادر لـ"الشرق"، إن الإطار الجديد الذي ضم كل من "الحركة الوطنية لتحرير أزواد"، و"المجلس الأعلى لوحدة أزواد،" و"الحركة العربية الأزوادية". قرر توحيد جهود كافة الحركات، وتشكيل جيش واحد، يقارب أفراده الـ30 ألف مقاتل.

ومع بداية المواجهات الأخيرة، سيطرت الحكومة المالية على المدن الكبيرة في الشمال من دون مواجهات تذكر، لكن الحركات الأزوادية تقول إن مقاتليها انسحبوا بشكل تكتيكي ليسيطروا على كافة مفاصل الإقليم الأزوادي، من أجل استنزاف الجيش المالي وحلفائه الروس والأتراك.

"لا خيار سوى المواجهة بالحديد والنار"

واعتبر مصدر مطلع بالحكومة المالية في حديث لـ"الشرق"، أن جميع الاتفاقيات التي وقعتها الأنظمة السابقة كانت تقوم على أساس تقسيم البلاد ونزع سيادتها، مؤكداً أن نظام الرئيس أسيمي غويتا طرد المستعمرين (في إشارة لفرنسا)، وأذنابهم من "الحركات الأزوادية"، ولم يبق أمامه سوى مواجهتهم بالحديد والنار، وفق تعبيره.

وأشار المصدر إلى أن النظام العسكري "تمكن من طرد المتمردين من مدن الشمال الرئيسية كافة، وهم اليوم مطاردون، ويتم القضاء عليهم بشكل يومي من خلال سلاح الجو، ورجال الجيش".

وعن الهجمات التي شهدتها العاصمة، باماكو، قال المصدر "إن الإرهابيين هاجموا قلب نيويورك، إحدى أكثر المدن تحصيناً وقوة في العالم (في إشارة إلى هجمات 11 سبتمبر من العام 2001)، لكن ذلك لا يعني ضعف الجيش الأميركي، بل هو دليل على ضعف المهاجمين".

وأكد المصدر أن الجيش المالي "تمكّن من القضاء على جميع المهاجمين، ورغم صعوبة الهجمات وحساسية الأماكن التي استهدفتها، فإنها لم تؤثر على قدرات الجيش، الذي أرسل وحداته الآن إلى أماكن اختباء الإرهابيين للقضاء عليهم".

"القاعدة" والهجوم على باماكو

قال الناطق الرسمي باسم الإطار الاستراتيجي "ائتلاف الحركات الأزوادية"، محمد المولود رمضان لـ"الشرق"، إنه لا يريد التعليق على الهجمات التي تعرضت لها العاصمة المالية باماكو، حتى ولو كانت ضد "عدوهم"، لأنها من تنفيذ جهة أخرى، هي "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، التي تعتبر فرعاً لـ"تنظيم القاعدة" في مالي.

وأشار إلى تأثير الهجمات، الكبير "على النظام العسكري في مالي، وعلى مركز صنع القرار في العاصمة، فقد استهدفت الأماكن الحية، في البلاد، كالمطار، والمدرسة العسكرية للدرك، وهما يمثلان سيادة الدولة، وهذا يؤكد من وجهة نظره هشاشة المنظومة الأمنية للنظام، وضعفه العسكري".

لكن المجلس العسكري فضل الهروب إلى الأمام من أجل الاستمرار في السلطة، دون وجه حق، وتلاعب بكل الآجال التي قطعها على نفسه، والمتعلقة بتنظيم انتخابات في البلاد، وكلما يقوم به الآن يدخل في هذا الإطار، وفقاً لمصدر قيادي في تنسيقية الحركات والجمعيات المؤيدة للإمام محمود ديكو.

وأضاف المصدر لـ"الشرق"، أن التنسيقية تعتبر أن البلاد مختطفة من طرف نظام عسكري دكتاتوري، وأنها تعارض كافة تصرفاته في عموم البلاد.

وأشار المصدر إلى أن المجلس العسكري قام بتوقيف السلطات لرئيس التنسيقية يوسف ادياوارا وعدد من قياداتها. 

ويتزعم رجل الدين المالي محمود ديكو، "تحالف العمل من أجل مالي"  القوة الجديدة التي أعلنت عن نفسها في اجتماع، عقدته تنسيقية الحركات المؤيدة له مع 30 حزباً وجمعية سياسية، خلال فبراير الماضي في العاصمة باماكو.

وفي السابق تحالف ديكو مع حركة "5 يونيو" للإطاحة بالرئيس السابق بوبكر كايتا، إذ شاركت الحركات المؤيدة له في المظاهرات المليونية في 2020 والتي تبعها انقلاب عسكري، تلاه انقلاب آخر في 2021 قاده أسيمي غويتا، وتسلّم المجلس العسكري الذي يقوده الحكم حتى الآن.

وانضم ديكو للحركة المعارضة للمجلس العسكري بعد رفضها لعدد من قراراته والدستور، ورفعت شعار "لا للاستفتاء" عليه في يونيو 2023، مشيرة إلى أنه يزيد من صلاحيات الرئيس والمجلس العسكري.

اتهامات لـ"أطراف خارجية" 

واتهم مصدر سياسي رفيع المستوى، أطرافاً خارجية بدعم الجماعات المسلحة التي هاجمت العاصمة المالية باماكو، وقال المصدر الذي رفض الكشف عن هويته لـ"الشرق"، إنه "لم يكن باستطاعة الإرهابيين الوصول إلى باماكو دون مساعدة قوية، ومعلومات دقيقة توفرها أطراف خارجية لهؤلاء".

ونفى المصدر صحة الحديث عن تأزم الأوضاع بالنسبة للجيش، مشيراً إلى أنها محض شائعات، مؤكداً أن "جميع قادة الجيش متحدون على ضرورة مواجهة الجماعات الإرهابية الممولة من طرف أعداء مالي"، وفق تعبيره.

لكن الصحافي المالي المختص بمتابعة قضايا منطقة الساحل بوباكار بوكوم قال لـ"الشرق"، إن "الهجوم المدان بشدة في العاصمة باماكو، يظهر بوضوح أن التهديد الإرهابي الذي تواجهه البلاد حقيقي وخطير"، منبهاً إلى ضرورة تعزيز يقظة القوات المسلحة، و"توفير تأمين أكثر إحكاماً للأماكن الاستراتيجية في البلاد"، مستبعداً أن يكون للهجوم أثر على قدرات الجيش.

ولم تنشر حصيلة الهجوم على العاصمة بشكل رسمي، حتى الآن، لكن الصحافي بوكوم رجح أن تكون للأضرار التي خلفها تأثيرات فورية، بما في ذلك التأثير على الروح المعنوية للمواطنين والأفراد، متوقعاً "مواصلة الدولة محاربة المجموعات الإرهابية المسلحة"، من دون أن "يتنافى ذلك، مع احتمالية وجود محادثات في وقت لاحق على أساس الميثاق الوطني للسلام والمصالحة الوطنية الذي يتم إعداده حالياً".

وأوضح بوكوم أن القوات المسلحة المالية مصممة على استعادة الأراضي، التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة، منوهاً إلى أن منطقة تنزاواتين أصبحت الآن "قضية شرف" بالنسبة لقادة البلاد، بعد أحداث يوليو 2024.

وعن الحوار قال بوكوم إن الحوار بين الماليين، أوصى بالتواصل مع المجموعات المسلحة المالية، وأنه استناداً إلى تلك التوصيات، "يتم حالياً إعداد مسودة ميثاق للسلام والمصالحة الوطنية".

تصنيفات

قصص قد تهمك