تتخوف الصين من أن يؤدي تعميق العلاقات بين كوريا الشمالية وروسيا، إلى تعزيز تحالف الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية العسكري في شرق آسيا، والذي تعتبره بكين بالفعل يهدف إلى "احتواء قوتها المتنامية". وفق ما أوردت صحيفة "فاينانشيال تايمز".
وأبدت بكين انزعاجها من بيونج يانج وعدم رضاها بشأن تعميق علاقاتها مع روسيا، وذلك حتى قبل أن تثبت مزاعم إرسال بيونج يانج جنوداً لدعم موسكو في غزو أوكرانيا.
وفي رسالة يُنظَر إليها على أنها إشارة إلى "استياء بكين" المتزايد، شكر الرئيس الصيني شي جين بينج، الأسبوع الماضي نظيره الكوري الشمالي كيم جونج أون كيم على رسالة التهنئة بمناسبة الذكرى الـ75 لتأسيس الصين الشيوعية، لكنه أغفل الإشارة التقليدية إلى كوريا الشمالية باعتبارها "دولة مجاورة صديقة".
وكشفت تقارير غربية هذا الأسبوع، أن كوريا الشمالية أرسلت أكثر من 12 ألف جندي متنكرين في هيئة أقليات عرقية من سيبيريا، للقتال في الخطوط الأمامية لروسيا، في خطوة يقول محللون إنها "لن تؤدي إلا إلى زيادة مخاوف بكين بشأن العلاقات العسكرية المريحة بشكل متزايد بين جيرانها".
وقالت الخارجية الصينية، الخميس، إن بكين "ليست على علم بالوضع ذي الصلة"، عندما سُئلت عن قرار بيونج يانج إرسال قوات لموسكو.
وفي تعليق على تلك المزاعم، قالت كوريا الشمالية، الجمعة، إن أي تحرك من جانبها عبر إرسال قوات لمساعدة روسيا في الحرب ضد أوكرانيا سيكون متوافقاً مع القانون الدولي، على الرغم من أنها لم تؤكد حدوث هذا الأمر، في حين تزعم كييف وحلفاء غربيون آخرون، توفر أدلة بأن بيونج يانج، أرسلت قوات بالآلاف إلى موسكو استعداداً للمساندة.
مثلث شمالي ضد مثلث جنوبي
وفي الإطار، قال الخبير في شؤون كوريا الشمالية في جامعة "كوكمين" في سول، أندريه لانكوف، إن نشر القوات الكورية الشمالية "خطوة دراماتيكية، ولن تعجب الصين إطلاقاً".
وأضاف: "بالنسبة للصين، فإن هذا النشر وهو تصعيد حاد في الشراكة التي تعمقت منذ غزو أوكرانيا في عام 2022، ولكنها كانت تقتصر في السابق إلى حد كبير على الذخائر، يهدد بزعزعة استقرار توازن القوى الدقيق في شبه الجزيرة الكورية".
وقال باحثون صينيون، إن بكين تسعى لتجنب إعادة السنوات الأولى من الحرب الباردة بأي ثمن، عندما شكل الاتحاد السوفيتي وكوريا الشمالية والصين "مثلثاً شمالياً" واجه "مثلثاً جنوبياً" من كوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة.
وفي هذا الصدد، قال تشو فنج، العميد التنفيذي لكلية الدراسات الدولية بجامعة نانجينج إن "وضع الصين الآن صعب حقاً، ومعضلة حقيقية. من ناحية، لا نريد أن نرى عودة الحرب الباردة إلى شرق آسيا. من ناحية أخرى، تحاول الولايات المتحدة تعزيز التضامن مع كوريا الجنوبية واليابان".
بدوره، قال كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني يوشيماسا هاياشي، إن تصعيد التعاون الروسي الكوري الشمالي "مثير للقلق العميق ومن شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الوضع في أوكرانيا ويؤثر على أمن المنطقة المحيطة باليابان".
من جانبه، ذكر شين دينجلي، أستاذ العلاقات الدولية في شنغهاي، أن مخاوف الصين تشمل التورط المحتمل في الصراع نفسه، إذا أدى تورط القوات الكورية الشمالية في القتال ضد أوكرانيا إلى جعل الدولة الآسيوية، الشريك العسكري الوحيد لبكين، هدفاً مشروعاً لكييف.
وقال شين: "تلتزم الصين بموجب المعاهدة بالدفاع عن كوريا الشمالية، وإذا تعرضت كوريا الشمالية للهجوم، فإن الصين ملزمة قانوناً بإرسال قواتها واستخدام كل الوسائل لحماية كوريا الشمالية".
مخاوف الصين
وأعرب بعض المحللين الدفاعيين، عن مخاوفهم من أن مساهمة كوريا الشمالية في المجهود الحربي الروسي قد تعني أن بيونج يانج قد ضمنت التزاماً متبادلاً من موسكو بالتدخل في صراع على شبه الجزيرة الكورية، وهو احتمال من شأنه أن يثير قلق بكين.
كما تشعر الصين بالقلق من مساعدة روسيا، لكوريا الشمالية على تحسين قدراتها النووية، الأمر الذي قد يسرع من سباق التسلح في المنطقة.
وكان حذر الصين واضحاً منذ أبريل الماضي، عندما أرسلت أحد كبار مسؤوليها، تشاو ليجي، إلى بيونج يانج، وبينما لم يكشف الجانبان عن تفاصيل المحادثات، قال المحللون إن بكين غير سعيدة باحتمال فقدان نفوذها على كوريا الشمالية، التي تعتبرها "دولة عازلة" حاسمة ضد كوريا الجنوبية.
وفي يونيو الماضي، أقامت كوريا الشمالية شراكة استراتيجية مع روسيا، تضمنت بند المساعدة المتبادلة في حالات العدوان ضد أحد الموقعين، وهي الخطوة كانت مصدر قلق للصين.
وفي الشهر التالي، لم يحضر السفير الصيني لدى كوريا الشمالية، احتفالات الذكرى السنوية لمناسبة نهاية الحرب الكورية في بيونج يانج، على الرغم من احتفال البلدين هذا العام بمرور 75 عاماً على العلاقات الدبلوماسية.